قصة وحدث

قصة وحدث: #الشهيد_الصدر ..اغتيال عبقرية..(١)

 

سحر صالح ..

يتيم كمحمد وشهيد كالحسين و مجهول قدره كعلي والزهراء أرادوا محوه لكن كيف يُطفأ نور أشعله الله؟! هيهات فهذه سنة الله "لأغلبنّ أنا ورسلي".."والعاقبة للمتقين".."إنّ الله عزيز ذو انتقام"..وانتقم لعبده بعد سنين فأُخزي الظالم و أُعدم..وذلك الصدر العظيم بقي ببقاء الله وخلوده لأنه عاش لله وأعدم في الله فنصره الله نهجا وفكرا وخلودا "وكان حقًا علينا نصرُ المؤمنين"..

 

الخبر الذي يترقبه الجميع بخوف..

في الرابع والعشرين من جمادى الأولى الموافق لـ التاسع من شهر نيسان أبريل عام ١٩٨٠م، كان الجميع في المدينة العراقية "النجف" يترقب ،..يهمسون بخوف..عن أمر جلل على وشك الحدوث..لا أحد يجرؤ على السؤال كان الجميع صامتا حدّ الموت..فقبل أيام اقتادت القوات البعثية السيد محمد باقر الصدر المرجع الديني إلى جهة مجهولة و بعد فترة قصيرة حضروا لاقتياد أخته التي كانت تأبى إلا أن تشاركه كل خطوة من جهاده كزينب والحسين..

وفِي ظلام الليل قُطعت الكهرباء عن المدينة، وعند أحد بيوتات آل الصدر يقف جلاوزة النظام البعثي..يطرقون الباب بعنف.. يخرج إليهم السيد محمد صادق الصدر فيخبروه بأنّ عليه مرافقتهم ،، يذهب معهم ..وهناك يشاهد جثماني السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى مضرجين بالدماء وعليهما آثار التعذيب..لم يستطع السيد محمد فعل شيء.. سوى أن سُمح له بالصلاة عليهما وتم دفنهما بواسطة جلاوزة النظام..ويروى أن جثمان السيدة بنت الهدى لم يدفن وإنما ألقي في بركة لـ حامض النتريك أو مايعرف بـ"التيزاب"..فماذا حصل ليكون هذا مصير الصدر و أخته العلوية؟ ولماذا تعذب امرأة ويمثل بها بطريقة بشعة ؟ ولماذا حاول صدام طمس أي آثر لقبريهما كما قام بهدم المنزل الذي عاشا فيه و محو أي أثر يدل عليه..؟

 

تاريخ آل الصدر..

 نعود إلى الوراء في التاريخ لنصل إلى حيث عاش أجداد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (آل شرف الدين) في جبل عامل بلبنان في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، حيث كانت المدارس الفقهية للمذهب الشيعي الإثني عشري تملأ قرى و بلدات جبل عامل وكانت أهم المدن جزين تضم أكبر المدارس الفقهية.

كانت عائلة (آل شرف الدين) من أبرز الأسر العلمية في جبل عامل في ذلك الوقت.

في العام ١٦٩٩م وحين وقعت فتنة أحمد باشا الجزار، إذ هاجم الجزار قرية شحور، و قام باعتقال السيد صالح شرف الدين وقتل نجله هبة الله، والسيد صالح هو الجد الثالث للسيد محمد باقر الصدر.

بعد مدة تمكّن السيد صالح من الهرب من السجن ورحل مع عائلته إلى العراق، ومعه ولده صدر الدين الذي التحق بالمدرسة الإسلامية في كربلاء و بلغ درجة الاجتهاد في عمر الثالثة عشر.

انتقل السيد صدر الدين إلى مدينة أصفهان في إيران، وانفرد فيها بالمرجعية و التدريس و القضاء، ولما وصل له من مرتبة علمية رفيعة ومقام عالٍ، عُرِفت ذريته بـ"آل الصدر" بدلا من "آل شرف الدين".

وفِي أصفهان ولد السيد إسماعيل جد الشهيد الصدر في العام ١٨٤٢م، الذي عاد إلى العراق و أقام في كربلاء و أصبح المرجع الأعلى فيها. كان السيد إسماعيل مجاهدًا من قادة ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني.

ولد السيد حيدر الصدر والد الشهيد السيد محمد باقر الصدر في العام ١٨٩١م، وفِي الكاظمية جنوب بغداد تزوج السيد حيدر من سليلة عائلة علمية بارزة في العراق وهي كريمة العلامة الشيخ عبدالحسين آل ياسين "بتول" و بعد إنجاب ولدهما البكر السيد إسماعيل بثلاثة عشر عامًا رزقا بولد آخر هو السيد محمد باقر وكانت ولادته في يوم الأحد ٢٨ فبراير ١٩٣٥م و بعد ذلك بالعلوية "آمنة" رفيقة الجهاد والشهادة لأخيها التي ولدت في العام ١٩٣٧م، وسنفرد في قصتنا جزءا نروي فيه سيرة هذه المجاهدة البطلة و المفكرة الإسلامية التي عُرفت باسم "بنت الهدى".

 

من ألم اليتم ومحنة الفقر تتفتق عبقرية مذهلة..

 وبعد ولادة العلوية آمنة بفترة قصيرة يرحل السيد حيدر إلى بارئه مخلفًا أسرته في فقر لم يتمكنوا معه لفترة من الزمن تدبير لقمة العيش..

كان عمر السيد محمد باقر عند وفاة والده لا يتجاوز السنتين، فعاش اليتم ترعاه كفّا أخيه الأكبر السيد إسماعيل ووالدته، وتكفل السيد إسماعيل بتدريس السيد محمد باقر وألحقه عند بلوغه الثامنة من عمره بمدرسة منتدى النشر الابتدائية التي كانت تدرس العلوم الدينية بنظام أكاديمي حديث، ويروي السيد مرتضى العسكري أحد مؤسسي هذه المدرسة بأنّ السيد محمد باقر أنهى مناهج أربعة صفوف في عامين فكان ينهي منهج الصف الواحد في نصف عام وبذلك يتم نقله للصف التالي إلى أن أنهى الصف الرابع وبعدها ترك المدرسة وصار يدرس زملاءه الطلاب في المنزل.

وكان السيد محمد باقر محط إعجاب الجميع في المدرسة، إذ حاول زملاؤه تقليده حتى في مشيته وطريقة جلوسه..وكان نبوغه العقلي يمكنه من فهم المنهج بل وتدريسه دون شرح من أستاذ فكان بحق"عالِماً غير مُعلّم" منذ طفولته..

 

الهجرة إلى النجف..

هاجر السيد محمد باقر الصدر بصحبة عائلته إلى مدينة النجف الأشرف عاصمة التشيع في العام ١٩٤٦م و في نوفمبر من نفس العام توفي المرجع الأعلى في العراق آنذاك السيد أبو الحسن الأصفهاني لتبايع الشيعة بعده السيد محسن الحكيم.

 

حضورًا تشريفاتيًا..

في النجف التحق السيد محمد باقر بالحوزة العلمية طالبا للعلم إلا أن السيد محمد باقر الصغير كان يطوي المناهج الحوزوية دون مساعدة من أساتذته ويصف بعض تلاميذه حضوره في دروس الأساتذة بأنّه كان حضورا "تشريفاتيًا"، ويُروى أنه كان يخصص ستة عشر ساعة في اليوم لمذاكرة دروسه وقد خصص لنفسه حجرة صغيرة في المنزل لايخرج منها إلا للصلاة أو حضور الدرس أو تناول الطعام.

درس السيد محمد باقر الصدر المقدمات عند كل من الشيخ محمد تقي الجواهري و السيد باقر الشخص الأحسائي، وحضر بحث الخارج الذي يوازي مرحلة الدكتوراه في الدراسة الأكاديمية ولَم يتجاوز الخامسة عشر من عمره عند كل من خاله الشيخ محمد رضا آل ياسين و السيد أبي القاسم الخوئي..

 

الطالب يتفوق على الأستاذ..

وعندما كان السيد محمد باقر الصغير يحضر بحث الخارج عند خاله الشيخ محمد رضا آل ياسين حدث ذات مرة أن سأل الشيخ تلاميذه عن مسألة من المسائل الفقهية والفوائد الفقهية المترتبة على موضوعها وطلب منهم إحضار الجواب في اليوم التالي فكان أول من أحضر الجواب السيد محمد باقر الصدر الذي كان صبيا مما أثار تعجب الشيخ حيث سأله: من أعطاك هذه الورقة فرد السيد بأنه هو بنفسه كتبها، فسأل الشيخ بتعجب: أنت تحضر البحث؟، فاستحسن الشيخ ما كتبه السيد و أقرّه من على منبر درسه.

وكان السيد أبو القاسم الخوئي يحيل تلاميذه إلى السيد محمد باقر ليجيب على إشكالاتهم، كما يروي تلاميذ السيد الصدر بأنّ السيد الخوئي كان يكلّف السيد الصدر بمراجعة رسالته العملية "منهاج الصالحين" قبل طباعتها وكثيرا ماكان السيد الخوئي يعيد النظر في بعض فتاواه بعد نقاش مع السيد محمد باقر الصدر.

 

إجازة الاجتهاد..

و فِي أوائل بلوغه حصل السيد محمد باقر الصدر على إجازة خطية بالاجتهاد من السيد الخوئي و لم يكن وقتها تجاوز ٢١ عاما من عمره، ويؤكد تلاميذه و معاصروه بأنه لم يقلد قط في المسائل الفقهية.

و بدأ السيد محمد باقر الشاب تدريس الفقه في مسجد الهندي الواقع قرب حرم الإمام علي عليه السلام، ولَم يتجاوز عمره ٢٢ عاما.

ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة جديدة ومهمة في حياة السيد الصدر الذي خط بعلمه وفكره للعراق وللتشيع تاريخا جديدا و كانت آراؤه تشكل ثورة ضد الموروث عند العلماء لاسيما في البيئة النجفية لذلك ولأسباب أخرى ظُلم السيد كثيرا ولَم يُعرف حقه فعاش مجهول القدر مستميتا ومجاهدا في سبيل الله..

وفِي جزء قصتنا الثاني نشرح تفاصيل المسيرة الجهادية التي توجها الشهيد بالدم والشهادة حفظا للإسلام فكان حسين زمانه بحق..

أضيف بتاريخ :2017/02/23