آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعود بن هاشم جليدان
عن الكاتب :
كاتب سعودي

لحذر من انكماش الأسعار


سعود بن هاشم جليدان ..

تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء لتكاليف المعيشة في شهر يناير 2017 إلى استمرار تراجع المؤشر العام للأسعار للشهر السادس على التوالي، حيث انخفض الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة من 138.1 في شهر يوليو 2016 إلى 136.5 في شهر يناير 2017، وهذا يمثل نسبة تراجع خلال فترة الأشهر الستة الأخيرة بنحو 1.2 في المائة. ويعود تراجع الأسعار بوجه عام إلى عوامل خارجية أو محلية أو كليهما. وقد تحسنت معدلات صرف الريال مقابل عديد من العملات الخارجية خلال الفترة، ما قد يكون سببا في تراجع بعض أسعار الواردات. من جهة أخرى هناك تراجع في أسعار بعض السلع والخدمات المحلية، كما أن البيانات النقدية تشير إلى تراجع محدود في حجم الكتلة النقدية (ن3)، ما قد يكون مؤشرا على دخول الاقتصاد فيما يسمى انكماش الأسعار إذا صحت بيانات تراجع الأسعار.

يرى معظم الناس أن انخفاض الأسعار أمر إيجابي، حيث يفضل جميع المشترين رخص الأسعار على زيادتها، إلا أن استمراره لفترة طويلة ليس جيدا للاقتصاد، وقد يقود في نهاية المطاف - لا سمح الله - إلى الكساد الاقتصادي. ويؤدي تراجع الأسعار العام إلى إحجام المستهلكين والمستثمرين عن شراء السلع والخدمات والأصول والاحتفاظ بالسيولة انتظارا لمزيد من الهبوط في الأسعار، ما يتسبب في خفض مستمر في الأسعار وتراجع النشاط الاقتصادي. ويقود تلاشي النمو الاقتصادي أو تراجعه إلى زيادة معدلات البطالة، ما يستدعي تدخل الدولة بسياسات التحفيز، وإلا تحول إلى كساد اقتصادي.

جاء انكماش الأسعار على الرغم من الزيادة القوية في أسعار المياه والبنزين والديزل والغاز الطبيعي والكهرباء في بداية 2016 وزيادة تكاليف بعض الرسوم خلال العام الماضي. فهل انتهى مفعول الزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة والمياه، وتم تمريرها بالكامل لجميع قطاعات الاقتصاد خلال الأشهر الستة الأولى من العام فقط؟ عادة يأخذ تلاشي تأثير رفع أسعار منتجات الطاقة والمياه والمواد الأساسية بوجه عام بعض الوقت. حيث لا يعمد كل المنتجين بصورة آنية لرفع أسعار سلعهم بعد قرارات الرفع. وتجبر قوى المنافسة وتسلسل العمليات الإنتاجية معظم المنتجين والبائعين إلى الانتظار لفترة زمنية معقولة للتعرف على تصرفات منافسيهم في تمرير زيادة التكاليف، خصوصا عند تراجع قوى الطلب. وتدخل الطاقة والمياه في تكاليف كل السلع والخدمات، ولهذا فإن التمرير الكامل لتأثير زيادة تكاليف منتجات الطاقة والمياه يأخذ حيزا من الزمن. وقد لاحظنا مثلا أن معظم الناس لم يشعروا بالزيادة الكبيرة في تكاليف الكهرباء إلا في الصيف الماضي، كما انقطعت فواتير المياه لفترة طويلة ثم تمت إعادة إصدارها خلال الأشهر الأخيرة.

تشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى تراجع في كتلة النقود (ن3) السنوي لثمانية أشهر من عام 2016، وذلك للفترة المبتدئة بشهر فبراير والمنتهية بشهر سبتمبر. من المرجح أن يعود انخفاض كتلة النقود (ن3) لمعظم عام 2016 لتراجع الطلب الكلي أو زيادة العرض الكلي في الاقتصاد أو للاثنين معا، ولكن التراجع القوي لإجمالي قيم الواردات خلال عام 2016 يظهر أن انخفاض الطلب الكلي هو السبب الرئيس. من جهة أخرى يرجع تراجع الطلب الكلي إما لانخفاض الإنفاق المحلي الحكومي وإما لتناقص الإنفاق الخاص بسبب تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين أو لكلا السببين. يرى كثير من المختصين أن انخفاض كتلة النقود مؤشر على وجود ضغوط انكماشية في الاقتصاد، ما يستدعي ضرورة تدخل السلطات النقدية والمالية للحد من الآثار الانكماشية لتراجع السيولة وتبني سياسات التيسير النقدي والمالي قدر الإمكان. وتحد سياسة ربط الريال السعودي مع الدولار الأمريكي من قدرة مؤسسة النقد العربي السعودي على التوسع في سياسات التيسير النقدي، ما يتطلب ضرورة استخدام سياسات التوسع المالي لتنشيط الاقتصاد. وتتلخص سياسات التيسير المالي في زيادة الإنفاق الحكومي، إما على المشاريع الحكومية وإما التحويلات والرواتب، أو خفض الرسوم والضرائب، أو بمزيج من هذه السياسات.

من شبه المؤكد أن زيادة أسعار منتجات الطاقة وخفض الإنفاق على الأجور والتحويلات تسببت في خفض دخول الأسر، ما أضعف الطلب الاستهلاكي والاستثماري وأجبر بعض المنتجين والمسوقين على تحمل جزء من زيادة الأسعار وخفض الأرباح. وهذا يرجح حدوث تراجع في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر مثير للقلق. في المقابل، نمت سنويا كتلة النقود (ن3) للأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016، ولكن بشكل محدود وهو من الأمور المشجعة. قد يكون هذا عائدا لتحسن الإنفاق الحكومي عند نهاية العام أو لتحسن أسعار النفط أو سياسات التيسير النقدي. وعموما ينبغي الحذر من استمرار موجة انخفاض الأسعار لمدة طويلة لما له من آثار سلبية في النمو الاقتصادي ورفاهية البشر.

جريدة الاقتصادية

أضيف بتاريخ :2017/03/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد