التقارير

تقرير خاص: المكونات الدينية والمذهبية في #الخليج رهينة التغيرات الجيوسياسة في المنطقة


 مالك ضاهر ..

يعتبر التنوع الديني والمذهبي والفكري بشكل عام أحد أبرز ما يميز منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بشكل أوسع، فلا يوجد بلد من بلدان هذه المنطقة إلا وتوجد فيه مكونات متعددة يختلف حجمها وعددها عما هو واقع في بلدان أخرى، حتى أن التعدد والتداخل فيما بين هذه المكونات يكاد يكون في صلب تكوين مجتمعات وبلدان هذه المنطقة، وبعض دول هذه المنطقة توجد فيها فئة أو مكون يشكل القسم الأكبر من المكونات بينما في بلدان أخرى تتقارب أحجام هذه المكونات من بعضها البعض، وفي كلا الحالتين تختلف النتائج والتداعيات.
 
ومنطقة الخليج ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي تندرج ضمن الدول التي تشملها منظومة التعدد والتنوع حيث يوجد في كل دولة من هذه الدول أكثر من مذهب أو طائفة دينية أو عرقية أو إثنية، وتختلف باختلاف الدول وضعية كل مكون من هذه المكونات، سواء من حيث الحصول على الحقوق والقيام بالواجبات أو من ناحية ماهية العلاقة التي تجمع هذا المكون مع السلطة الحاكمة أو مع غيره من المكونات.
 
تطورات الإقليم.. وانعكاساتها الداخلية على الأقليات
 فهل كل هذه المكونات تحصل على حقوقها في الدول التي تعيش فيها؟ وهل هذه المكونات يتم التعامل معها بنفس الطريقة والأسلوب من قبل السلطات الحاكمة أم في واقع الحال يحصل تمييز من دولة إلى دولة أو بين المكونات في نفس الدولة؟ وهل التعاطي بين الأنظمة الحاكمة والمكونات المختلفة ينطلق على أساس مجريات معينة تحصل في الإقليم أم أن الأمر هو محض سياسة داخلية غير مرتبط بالخارج؟ وهل التعاطي مع هذه المكونات يتأثر بظروف سياسية أو غير سياسية في الدولة أو المنطقة بشكل عام أم أن الأمر له علاقة بالأحكام الدستورية والقانونية المنصوص عليها محليا والتي تحكم منظومة الحقوق والحريات الفردية والعامة في البلاد؟ هل يتغير التعاطي مع بعض المكونات بحسب هذه الظروف والمصالح أو الخصومات والعدوات مع أنظمة أخرى في المنطقة أو العالم؟ وماذا عما يجري في المنطقة اليوم وتأثيره على أوضاع هذه الدول؟ هل ستعمل بعض الأطراف والأقليات على المطالبة بالاستقلال على خلفية مجريات وتطورات معينة؟ وهل تنحو بعض الدول لمزيد من القمع والتشدد منعا لأي مطالبة من هذا النوع من قبل البعض؟
 
وما الذي يضمن حقوق كل المكونات والأفراد في الدول الخليجية؟ ومن يضمن أن هذه الدول لا تغير طريقة التعامل مع هذه المكونات؟ هل الضامن هي الدولة نفسها ومؤسساتها وقانونها بما يعرف بـ"دولة القانون والمؤسسات" حيث القانون يعلو ولا يعلى عليه أم أن الضامن هو أسس سياسية معينة سواء من العلاقات الدولية بين الدول أو عبر المنظمات الحقوقية والدولية؟ ولماذا لا تتمثل الضمانات بالقانون في الداخل ونشر فكر الديمقراطية وإيجاد أسس المواطنة وحمايتها؟
 
وأي وضع يوجد في منطقة الخليج بشكل عام وأي واقع يعاش في هذه الدول وبالتحديد في المملكة السعودية؟ هل كل الفئات تنال نفس الحقوق وتلتزم بذات الواجبات؟ هل يتم تجاوز هذه الحقوق والحريات وانتهاكها في بعض الأحيان وبالأخص تجاه مكونات بعينها؟ وكيف يمكن تقييم العلاقة مع بعض الفئات في ظل ما يجري في المنطقة من متغيرات حاصلة اليوم أو تراكمات تاريخية وسياسية؟ وهل يمكن ملاحظة التعاطي الطائفي أو المذهبي أو العرقي في العديد من الدول الخليجية وما هو الحال في المملكة السعودية وهل يتأثر ذلك بحسب العلاقة مع بعض دول الجوار؟ وهل للأمر أية أبعاد سياسية أم فقط التفرقة والتمييز تحكمهما الأسباب الطائفية المحضة؟ أليس الأفضل أن يكون التعاطي مع الإنسان على أساسه أنه مواطن في هذا البلد لا على أنه ينتمي إلى هذا الدين أو المذهب أو الطائفة؟
 
مصالح الأنظمة أم مصالح الأوطان؟!
 الحقيقة أن ما يجري في الخليج بشكل عام وفي المملكة السعودية يؤكد أن هناك تفرقة واضحة في كثير من الأحيان على أساس المذهب أو الدين أو التيار الفكري والسياسي الذي تؤيده أو حتى تناصره من بعيد حتى أن في كثير من الأحيان تحاسب على أساس كلمة أو رأي أطلقته فقط لأنك تنتمي لهذه الفئة أو لهذا المذهب، كما يوجد ربط بين أحوال هذا المكون أو ذاك مع ما يجري في المنطقة من تغيرات سياسية وجيوسياسية على مستوى الإقليم مع كل ما يحكى عن رسم خرائط جديد وعن تفتيت المفتت وتقسيم المقسم ومحاولة دويلات طائفية أو مذهبية أو عرقية على أنقاض كل أو بعض دول المنطقة، والأمر لا يحتاج الكثير من الأمثلة حتى يظهر للعيان، إلا المسألة لا تقف عند هذا الحد وليس لها حدود جامدة مطلقة، ففي بعض الأحيان يقمع الحاكم أحد المكونات ممن لا ينتمون لنفس دينه أو مذهبه أو عرقه وفي أحيان أخرى تعمل السلطة على قمع بعض من تجمعهم معها الطائفة أو المذهب طالما أن هؤلاء يخالفونها الرأي ويحاولون الاعتراض على بعض الأفعال أو ممارسة فعل المعارضة السياسية أو الفكرية.

فالمسألة هنا هي مسألة مصالح بالدرجة الأولى، وما انتهاك حقوق بعض المكونات أو "الأقليات" إن صح التعبير إلا انطلاقا من المصالح التي يشخصها النظام الحاكم، فمن يعتقد أن مصلحته تقتضي قمع هذا المكون وهذه الفئة يعمل على قمعها ويحاول بعدها إنزال التهم المذهبية والطائفية الجاهزة والمعلبة عليها كما يحصل اليوم في بعض دول الخليج، حيث يصل الأمر للقول إن هذا المواطن يتآمر على الوطن وأنه يشكل خلايا للمساس بالأمن والاستقرار مع دولة أخرى، إلا أن الواقع أن الإنسان جلّ ما يفعله أنه يطالب بحق هنا وحرية هناك مع انتقاد لأداء هذه السلطة أو لبعض جوانب العمل العام.
 
فمن ينتقد الحاكم أو ابنه أو شقيقه أو أي خطة أو رؤية أو خطوة وضعها أحدهم بدل أن يكون معارضا سياسيا أو فكريا كأي بلد متحضر في العالم يحق له التعبير عن رأيه وتشكيل الأحزاب وتنظيم المظاهرات لإيصال صوته لمن يعنيهم الأمر أن هناك من يعترض على هذه الرؤية أو القرار أو أي شي آخر، بدل كل ذلك تتم في أوطاننا شيطنة المعارض أو صاحب الرأي أو الناشط المدني والسياسي ويرمى بأبشع الأوصاف حول خذلان ولي الأمر أو الحاكم بأمر الله أو أنه يعد العدة لقلب النظام ويتآمر مع دولة هي في الحقيقة جارة ومسلمة ويجب أن نشكل معها حلفا واحدا لتجاوز كل الصعوبات بدل أن نعادي بعضنا ونعمل على قذف التهم في كل الاتجاهات كي تكون شماعة تعلق عليها كل الأخطاء والفشل المستمر.  
 
الأسباب والحلول..
 ولكن وصول الأمور إلى هذه الحال في بلداننا أسبابه عديدة منها:

-انعدام الثقة بين الدولة والأقليات والأسباب تعود غالبا إلى اضطهاد هذه الأقليات نتيجة تعاطي السلطة معها.

-حرمان هذه الأقليات من حقوقها وإحساس أبناء هذه الأقليات أنهم مواطنون من الفئة أو الدرجة الثانية في البلد وأن لا مساواة بينهم وبين غيرهم من الأخوة في الوطن.

-التضييق على هذه الأقليات بما يجعلهم يصلون إلى أصعب الظروف الاجتماعية والحياتية والمعيشية، وبعد ذلك تأتي السلطة للتشكيك الدائم بكل تصرفاتهم وأنهم يسعون للاستعانة بالخارج كي يحسنون ظروفهم وحياتهم.

-رفض الحوار مع المواطنين كمواطنين سواء كانوا من أبناء الأقليات أم من غيرهم، باعتبار أن الحوار سيفتح أبواب التساؤلات حول الأداء غير السوي للسلطة.

-اعتقاد السلطة أن مواطنيها الذي يتواصلون مع غيرهم في الخارج نتيجة الرابط الديني الفكري سيجعلهم يقفون مع الخارج ضد دولتهم وسيجعل هذا الخارج متهما بالعمل للأضرار بمصالح الدول، وهذا أمر غاية في الخطورة ومرده لما سبق أن ذكرناه من انعدام الثقة بين السلطة والمواطنين ولغياب الحوار الوطني بينهم.

-وجود حالات في الإقليم والعالم حيث تعمل بعض الأقليات على استغلال ظروف معينة دولية وإقليمية ومحلية لإنشاء كيانات مستقلة ما يجعل الأنظمة تخاف على وجودها وعلى أوطانها من جهة أو تعمل على استغلال هذه الحالات في محاولة لتبرير القمع والتعدي على الحقوق تحت ذريعة إمكانية المطالبة بالاستقلال.
 
وما سبق ذكره من أسباب يمكن البحث له بالعقل عن علاجات أو أساليب وقائية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

-العمل على إعادة بناء العلاقة على أساس الثقة انطلاقا من الحوار الوطني ومن التربية وتنشئة الأجيال على محبة الوطن وأن السلطة هي للناس ومن الناس وليس كما يحصل في كثير من الأحيان حيث يظهر أن السلطة ضد الناس وعليهم.

-إعطاء كل المواطنين حقوقهم المتوجبة لهم بحكم القانون وإلزامهم بما عليهم من واجبات انطلاقا من مواطنة صحيحة في الدولة، وعدم انتظار متغيرات إقليمية أو دولية معينة والرهان على الخارج وعلى أمور بيد الآخرين، بل الانتقال الفوري والمباشر إلى البحث عن الحلول الخاصة والرهان على الداخل بكله من سلطة وشعب ومؤسسات والاحتكام إلى حكم القانون ورأي الناس لأنها الحامية أمام كل المتغيرات الداخلية والخارجية.

-عدم إعطاء إبعاد لكل التحركات انطلاقا من نظرية المؤامرة أو من نظرية إلقاء التهم لتبرير أفعال السلطات المخالفة للقانون.

-عدم استخدام الخصوصيات الدينية والفكرية لإطلاق أحكام مسبقة وجاهزة على الناس أنهم يرتبطون بعلاقات مريبة مع الخارج، ودفع المواطن كي يدرك أهمية الانتماء للوطن وقيمة خدمته لهذا الوطن وما يقدمه هو للوطن وما يحصل عليه من حقوق فيه، وبهذه الطريقة لا نسمح لأحد بأن يأتي ليحاول استغلال أوضاع الناس الصعبة التي صنعتها الأنظمة القائمة.

أضيف بتاريخ :2017/05/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد