آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد عبدالمحسن المقاطع
عن الكاتب :
كاتب كويتي بصحيفة القبس

الفساد السياسي والمالي وجهان لعملة واحدة


أ.د. محمد عبد المحسن المقاطع

لا أبالغ إذا قلت إن الفساد السياسي في الكويت بلغ مرحلة لم يعد معها الإصلاح أو مساعيه أو أدبياته تكفي لانتشال البلد من مستنقع الفساد، إذ إن الفساد يتم بمباركة ومشاركة من البعض في السلطة التنفيذية. مؤتمنون على مقدرات الدولة ومستقبلها، وقد أعمتهم مصالحهم ومكاسبهم السياسية الهشة في البقاء بالمنصب أو تكسباتهم المالية، عن أن يبصروا مصلحة البلد، وهم قد حنثوا بقسمهم، فسقطت مصداقيتهم وأن ادعوا أو زعموا غير ذلك، وقد ابتلينا منذ مجلس أمة ٢٠١٣ بمجلس وأعضاء صار بعضهم يبادر إلى الفساد ويرعاه ويتكسب منه، وقد تلوث معهم البعض ممن كنا نظن أنهم غير، ومن الشخصيات التي نعتقد أن فيها حسا وطنيا، أو تنتمي إلى تيار فيه ذلك الحس الوطني، لكن الحقيقة أنهم باعوا الوطن بثمن بخس، لتكسب سياسي رخيص، أو أكل أموال الدولة، وهم إنما يأكلون السحت والمحرم من المال، بل إنهم قننوا بتشريعات سبل الاقتيات على ثروة البلد ونهبها، وبيع كل شيء للبقاء بالمنصب النيابي، وهم أظهروا وجها قبيحا لوّث العمل البرلماني، وأخذه إلى دروب الانحراف بتكسب سياسي ومالي رخيص، بصورة فيها جرأة في الباطل ومجاهرة غير مسبوقة، وقد تمكن هذا التحالف الثلاثي من البعض في السلطة التنفيذية، وبعض الوجوه البرلمانية، من الهيمنة على بعض الأمور في البلد، فصار الفساد بهم ومعهم، وحتى الجهات الرقابية، التي كانت تأخذ المبادرة وقصب السبق في كشف الفساد، فقد تم تخديرها ووضعها في العناية المركزة، إذ لم تعد تهش ولا تنش، مثل ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد وغيرهما.

 أما وأن الوضع قد وصل مرحلة لم يعد للإصلاح معه من طب ولا مجال، فإن المعول عليه هو تحرك غير عادي وغير مسبوق يسقط كل تلك الرموز ويفضحها، وتتم محاكمتها وملاحقتها سياسيا وقانونيا وفقا للدستور والنظام القانوني في الدولة، فقد بلغ السيل الزبى، فهؤلاء هم المسؤولون عن تعطيل عجلة التنمية وعدم تطور البلاد، ولا يمكن أن يؤتمنوا على أي مسؤولية في البلد وشؤونه.
 هؤلاء هم المسؤولون عن الوضع المالي المتردي في البلد، بنهب ثرواته وخسارة استثماراته وتآكل مدخراته، وعجز ميزانياته وهدر مصروفاته بشكل تنفيعي في مشاريع أزكمت الأنوف من رائحة فسادها المتزايد.

 وهؤلاء هم من يبيع مشاريع البلد الناجحة لجيوب أصحاب المصالح، كما صار في بيع جمعية تحت مسمى خصخصة داحضة، وكذلك بيع أو محاولة بيع مشاريع ناجحة، مثل الخطوط الجوية الكويتية، وشركة كاسكو، وكذلك محاولة خصخصة مدارس التربية والمستوصفات، حتى تدور الدوائر لنهب ثروة البلد وجيوب المواطنين في آن واحد، وها هو مشروع البصمة الوراثية اعتبره مشروعاً للهدر، وكذا تأمين عافية الذي هو ضحك على الذقون، بل والتقييد لحريات جمعيات النفع العام بنظام انتخابي فاسد طبق في الجمعيات التعاونية، ومستمر التوجه به ليطبق أيضا على الأندية الرياضية، وهم الذين يدخلوننا في أنفاق فساد سياسي ومالي مظلمة، ولا مجال لتعداد المشاريع والمرافق والشركات، التي يتم تفكيكها أو تخريبها أو إفشالها كي ينقض عليها سماسرة الفساد بترتيب ومباركة من التحالف الثلاثي.

 وكل ذلك يجعلني مرة أخرى أقول إن التصدي لغول الفساد بتحالفه الثلاثي، وبإدخاله مؤسسات الدولة العامة في الموت السريري، تحرك غير عادي وغير مسبوق تقوده مجاميع وطنية متجردة من المصالح، لا تقبل أن تتلوث لا بالفساد السياسي ولا المالي، لتكون رأس حربة في خاصرة التحالف الثلاثي، وتبادر لإحداث التغيير بتحرك شامل وجريء من خلال القنوات الدستورية والقانونية المتاحة، وأنا أضع كل جهدي فكريا وعلميا وميدانيا تحت تصرف هذه المجاميع من المواطنين، الذين ستحركهم غيرتهم الوطنية ورغبتهم الصادقة لانتشال البلد من مستنقع فساد، لم تعد التيارات السياسية المتلونة هي من يؤمل منها أن تلعب دوراً في هذا المضمار، لأنهم يحسبون مصالحهم ومكاسبهم قبل أن يحسبوا مصالح ومكاسب البلد، وهي حال معظم الرموز التي تتكسب سياسيا أو ماليا، أقول: لا تحزني يا كويت فأنت ولاّدة وسينقذك أبناؤك المخلصون.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/05/31

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد