آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

تهافت عصر الأنوار بين رقصة السيوف وسيمفونية الجمهورية...!


 محمد صادق الحسيني

… وسقط مجتمع الحداثة والتحرّر والليبرالية في مستنقع خزائن سلمان في الرياض…!

منذ ما يقارب الـ 250 عاماً وهم يحشدون كلّ حروف الدنيا لإقناعنا بأنّ خلاصنا في الديمقراطية. وأنّ الدين خرج من لعبة الدنيا والحكم والسياسة ولا حلّ ولا سبيل إلا بصندوق الاقتراع.

وفجأة تنقل لنا الشاشات أنّ رئيس أكبر دولة ليبرالية في العالم يقطع آلاف الأميال ليعقد قمة مع رئيس قبيلة تعتنق الصحراء مذهباً! ويعتبر الديمقراطية عملاً من «رجس الشيطان «والانتخابات إتباعاً لنهج الكفار»، كما صرّح صالح الفوزان عضو لجنة فتاويه…!

ثم يرقص رئيس تلك الدولة مع رئيس القبيلة البدوية رقصة السيف المسلول ضدّ شعبه والذي ذبح فيه ولا يزال معارضيه ومنتقديه من دون محاكمات.

والأغرب من ذلك أن يتفقا على إعلان الحرب ضدّ دولة هي الوحيدة الحريصة على صندوق الاقتراع في المنطقة في الحرب كما في السلم، وسط صحراء الفتاوي القاتلة والمفخخات التي تطارد الإنسانية…!

أليس هذا سقوطاً مدوياً لنظام الليبرالية منذ الثورة الفرنسية الكبرى وقيام النظام الأميركي الحداثوي المعاصر…!؟

ثم أليست هذه هي نهاية التاريخ الحقيقية يا فوكوياما…!؟

ظللتم تقولون لنا على مدى عقود بأنّ الدين قد خرج نهائياً من الحياة وبالتفصيل عن الدولة ونظام الحكم والسياسة والمجتمع.

هل لكم أن تفسّروا لنا اليوم كيف أنّ هذا الدين وبعد كلّ هذا التاريخ تنبثق منه دولة معاصرة قوية، ورغم أنكم شهرتم كلّ سيوفكم لحربها على امتداد أربعين سنة، وخضتم ضدّها حرباً ضروساً، وحاولتم إسقاط تجربتها الفتية والطرية العود، لكنها مع ذلك لا تزال تحصد الإنجاز تلو الإنجاز على مقاييسكم وتحديداً في سلم الديمقراطية التي بها تتبجّحون…!؟

ففي لحظة رقصة السيف المغرورة تلك كان على الضفة الأخرى منكم ثمة مهرجان تنافس انتخابي شديد ومنقطع النظير بين مرشحين للرئاسة لا يعرف الرأي العام حتى اللحظة الأخيرة مَن هو المنتصر فيه، حتى رجل الدين الأول القائم على رأس تلك التجربة والذي تتهمونه بالديكتاتورية والاستبداد…!؟

ما يعني أنّ ديمقراطية صناديق اقتراعكم المدّعاة هذه أضحت في نسخة «دين» هذه التجربة المنقرض في اعتقادكم، تفوق بامتياز أعرق ديمقراطيات العالم المعاصر من لندن إلى باريس إلى واشنطن…!

وبين مَن ومَن..!؟ بين رجلَيْ دين، بين عمّتين، وتحت سقف مَن وماذا…!؟ سقف رجل ديني عصري بامتياز ونظام سيادة شعبية دينية عنوانها ولاية الفقيه!

ألا يشعر في هذه اللحظة التاريخية نظام ولاية السفيه الغربي الملقب بدونالد ترامب بالانحطاط والسقوط والدونية والتهافت وهو يعانق شيخ قبيلة، «سيّافاً» رجعياً تعود ثقافته وتقاليده لزمن ما قبل عصر الأنوار…!؟

ألا يشعر بالعار والشنار عندما يتعاهد هو و»سيّافه» على إسقاط نظام جمهوري معاصر يتصدّر مراتب العلوم والمعرفة وقمة العقل والتكنولوجيا…!؟

إنّ رقصة السيف هذه، يا زعيم العالم المدني المعاصر ستؤرّخ للحظة انتصار حق الشعوب في تقرير مصيرها، على دين عبادة «إسرائيل» واندريه جاكسون الذي تعبده ووضعت صورته في البيت البيضاوي خلف مكتبك نموذجاً لقاطعي الرؤوس وسالخي جلود البشر من السكان الأصليين اللاتينيين الذين اغتُصبت أراضيهم منذ قدم أجدادك البيورتانيين الانجلو ساكسونيين إلى أرض من تسمّيهم الهنود الحمر، تماماً كما فعل ويفعل زملاؤك وزملاء مَن رقصت معه، «الإسرائيليون» الجدد مع سكان فلسطين التاريخية لا لسبب، إلا لأنكم تكرهون كلّ ما هو حضاري ومتمدّن انحيازاً للصحراء القاحلة ولجغرافية وثقافة ما بعد بعد الربع الخالي العبراني والأعرابي.

وأما بن سلمان، ذلك الصبي الطائش والمغرور، فقد خسر الدنيا والآخرة في قمة الرياض، فلا هو سيتمكن من السير قدماً نحو خطة الألفين وعشرين التنموية المعلنة التي تفاخَر بها أمام الأمم قبل مدة قريبة باعتبارها طريق النجاة بعد الكارثة الاقتصادية الكبرى التي سيخلفها له الراقص الناهب ثروات بلاده المستورد مما وراء البحار، ولا هو سيتمكن من استعادة أيّ من الأدوار التي خسرها واعتاد أجداده أن يلعبوها يوم كانت الدنيا في غفلة، وكان نظام قبيلته الرجعية يتنطح لدور الدولة الإسلامية الأولى في العالم، ويزعم أنه حامي الحرمين الشريفين…!

فقد ضاع إلهه في لبنان أولاً في زمن البندر بن سلطان، ومن ثم خسره في سورية على بوابات أعرق حضارة، ومن ثم تكسّرت نصاله على تخوم بغداد إلى أن انتحر في يمن الصمود والحكمة والإيمان، ولم يبقَ منه إلا قرنه في نجد الدرعية، وهو ما سيحطّمه اليمنيون قريباً وقريباً جداً.

وفي قمّة الرياض لم ينجِز بن سلمان سوى أنه أتى برئيس أكبر دولة في العالم لينهب ما تبقى من خزائن مملكته بحجة دفع ضريبة حمايته من خطر الإيرانيين والحوثيين، والذي قرّر أن يحول أرض المملكة التي يعيش في كنفها مجرّد مخازن سلاح لحماية المعبود والإله إسرائيل».

ومثل هذا سيجعله قريباً يُصاب بانفصام بالشخصية حتى يكاد ينطبق عليه المثل العراقي الشهير: «لا حَظَتْ برجيلها، ولا خذت سيد علي» أو مثل الغراب الذي ضيّع المشيتين… إذ إنّ مَن عشقه سرعان ما سيتخلّى عنه ويرمي به هيكلاً عظمياً في فيافي الربع الخالي، كما أنه لن يستطيع حتى لو أراد العودة إلى سلوك أجداده الذين ساروا عقوداً على دين الإله السابق محمد بن عبد الوهاب…!

أدعو الجميع للتوقّف عميقاً عند محطة قمة الرياض ورقصة السيوف الصحراوية بوجه سيمفونية الجمهورية الإسلامية الإيرانية المعاصرة واستخلاص العبر منها قبل فوات الأوان…

وكلّكم يتذكّر كيف «بهت الذي كفر»، أي ذلك المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، عندما سأله أحد الصحافيين الأميركيين عن رأيه بالسعودية و»ديمقراطيتها» في ظلّ مهاجمته الانتخابات الإيرانية المعاصرة!

هل تابعتم كيف أنه تلعثم وكأنّ الصحافة الحرة ألقمته حجراً… وأصبح وكأنّ على رأسه الطير… لقد صمت نحو عشرين ثانية أو أكثر وهو يبلع ريقه ولم يستطع أن يقدّم إلا فتاتاً من تهافت ولاية السفيه الغربي أمام عظمة قيامة المشرق العظيم…

إنّها لحظة التحوّل الجدّي والعميق في موازين القوى، إنها لحظة انتقال مركز ثقل العالم من الغرب إلى الشرق، إنها لحظة تبدّل الأدوار، إنها لحظة تقرير مصير الإنسان، إنها لحظة تغيير القدر على يد أصحاب القدر، إنها لحظة قيامة الأمل والنهوض الإنساني العظيم…

وكما قال الإمام روح الله الموسوي الخميني العظيم يوم اجتاحت بلاده قوى الطغيان العالمي: الخير في ما وقع…

وهي أخيراً لحظة نتاج ما زرعه قبل نحو أربعة عقود، وها هو يحصد ما زرع في ذكرى رحيله المنتصر التي نحييها هذه الأيام…

بعدنا طيّبين قولوا الله…

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2017/06/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد