آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. حامد الحمود
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة القبس الكويتية

الدويلة والتفسير التآمري لنشأة «داعش» (2)


د. حامد الحمود

ناقشت في المقال السابق خطورة اللجوء إلى نظرية المؤامرة في تفسير نشأة تنظيم داعش من قبل الزميل مبارك الدويلة، لكونه يضع غشاء على إمكانية كشف الحقائق أكثر من تحليله للظروف السياسية والفكرية التي أدت إلى نشوء التنظيم. وأوجزت أن تنظيم داعش نشأ من تفاعل ظروف سياسية مع فكر إيديولوجي سلفي. وعزّزت هذا الرأي باقتباس من الشيخ عادل الكلباني، الإمام السابق للحرم المكي، الذي أرسل تغريدة ذكر فيها «أن داعش نبتة سلفية، ليست إخوانية ولا صوفية ولا أشعرية، ويجب نقاش فكرها بدلا من نقاش أفعالها فقط». واليوم سأناقش محطات تاريخية مر بها العالمان العربي والإسلامي على مدى خمسين سنة، كان من نتائجه ظهور صحوة إسلامية، ولدت من بين ما ولدت حركات إسلامية متطرّفة، وأدت في النهاية إلى نشأة «داعش». وهذه المحطات هي: 1 – هزيمة العرب في 5 يونيو 1967، 2 – الغزو السوفيتي لأفغانستان والتدخّل السعودي ــــ الأميركي، 3 – الثورة الإيرانية، 4 – الغزو الأميركي للعراق:

1 – فالصحوة الإسلامية التي نعيشها منذ أكثر من ثلاثة عقود، كانت لظهورها أسباب موضوعية، إلا أن محركها الأول كان هزيمة العرب في حرب 5 يونيو 1967. فقد كشفت الهزيمة ضعف الأنظمة العسكرية التي كانت تحكم مصر وسوريا والعراق، كما أنها فضحت هزالة شعاراتها بالوحدة والحرية والاشتراكية، حيث لم تستطع أن تحقّق أياً من هذه الشعارات. إلا أن هذه الهزيمة ومع فداحتها، لم تسقط هذه الأنظمة التي زجت آلاف المعارضين بالسجون، بمن في ذلك المحسوبون على التنظيمات الإسلامية. ففي مصر، أدخل الكثير من الناشطين في حركة الإخوان المسلمين إلى السجون. وقد حولتهم حياة السجن والتعذيب الذي عانوه إلى متشددين يؤمنون بالعنف لإحداث تغيير سياسي. ومن بين هؤلاء أيمن الظواهري القائد الحالي لتنظيم القاعدة.

ولكن بشكل عام، كان لهزيمة 67 تأثير كبير في الرأي العام. ففشل الرؤية القومية التي تزعمها عبدالناصر لم يترك لهم إلا اللجوء إلى الدين بديلا. فالأغلبية تأثرت بصحوة إسلامية في السلوك اليومي والمعاشي. فزادت مظاهر التدين من حجاب وإطلاق اللحى، وآخرون ـــ وهم قلة ـــ انخرطوا في تنظيمات إسلامية سرية. أما المقتدرون في الخليج فاستجابوا للصحوة بأن أسسوا بنوكا إسلامية، مستغلين فرصة استثمارية ذهبية.

2 – أما السبب الثاني لنكوس الفكر القومي ونهضة الفكر الإسلامي، فكان صناعة دور جهادي من قبل الولايات المتحدة والسعودية لمحاربة النظام الشيوعي في أفغانستان، والذي أطاح النظام الملكي، داعيا الاتحاد السوفيتي لاحتلال أفغانستان. وفي هذا المجال، لا بد من استذكار صانع استراتيجية تشكيل الهلال الإسلامي من أجل هزيمة النظام الشيوعي والجيش الروسي في أفغانستان، والذي توفي في 26 مايو الماضي. ذلك هو زبيغنيو بريجنسكي ــــ البولندي الذي هاجر إلى الولايات المتحدة، ونال جنسيتها في 1958، وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد. وأذكر كم كنت متابعا لما كان ينشره في الصفحة الأخيرة من نيوزويك الأسبوعية في أول السبعينات عندما كنت طالبا في العلوم في الجامعة الأميركية في بيروت. واستطاع بريجنسكي أن يلعب دورا مهما في تشكيل إستراتيجية لهزيمة الروس في أفغانستان بدعم مالي وإيديولوجي من بعض الدول الخليجية، عندما عمل مستشارا للأمن القومي لدى الرئيس جيمي كارتر منذ 1977 إلى 1981.

لقد توفي مؤخرا بهدوء، ونعاه كل من الرئيس كارتر وزوجته روزالين، مذكرين بأخلاقياته وحسن أدائه. لكن الصحافة الجادة مثل «الغارديان» البريطانية و«النيويورك تايمز» ذكّرتا قرّاءهما بدوره في صناعة الجهاد الإسلامي في أفغانستان، وبتحالف الولايات المتحدة والسعودية في تشكيل الجهاد الأفغاني، والذي جذب كثيرا من الشباب من السعودية والكويت مثل بن لادن وأبو غيث، والآلاف من العالم الإسلامي. ويذكر المصلون كم كانت خطب الجمعة في الكويت حافلة بالحث على الجهاد في أفغانستان.
في هذه الفترة، لم يكن الأمر مقصورا على الجهاد، وإنما الأهم من ذلك نشر الفكر السلفي في مدارس الأطفال في باكستان وأفغانستان، كما تأثرت بذلك المناهج الدراسية في الكويت وغيرها من الدول العربية. فما «داعش» إلا تفريع من «القاعدة» التي تدرِّب مقاتليها على السلاح بـ«جهادهم» ضد السوفيت.

لذا، يا زميلنا العزيز، فإن جذور «داعش» الفكرية تشكّلت في الثمانينات. أما أفعالها وتشكلها كتنظيم، فكان منذ سنوات قليلة، ولكن فكرها الذي طلب منا الشيخ الكلباني أن نناقشه تشكل قبل أكثر من ثلاثة عقود بدعم حوّل كثيراً من الباكستانيين والأفغان من المذهب الشافعي إلى المذهب السلفي. وهذا ليس بسر، فحتى المسؤولون في هذه الدول يعترفون بخطئهم هذا. وكثيرا ما كررته هيلاري كلينتون خلال حملتها الانتخابية، مصرحة «بأننا صنعنا تنظيم القاعدة من دون أن نقصد ذلك».

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/06/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد