التقارير

تقرير خاص: الحج إلى واشنطن: اللجوء إلى "الحكم" الأمريكي.. كيف تنتهي أزمة الخليج؟!

 
مالك ضاهر ..

من يرصد زيارات المسؤولين الخليجيين إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في الفترة الأخيرة يدرك أنها باتت المحجة والمقصد الأساس لهم لإنهاء الأزمة القائمة منذ مطلع شهر حزيران/يونيو الحالي كل بحسب ما تشتهيه قيادته، ففي نفس الوقت وصل إلى واشنطن ولكن بشكل منفصل، كلا من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وزير الخارجية القطري عبد الرحمن بن محمد آل ثاني ووزير شؤون مجلس الوزراء الكويتي محمد العبد لله الصباح، وعقد الوزراء الثلاثة اجتماعات منفصلة مع نظيرهم الأمريكي ريكس تيلرسون.
 
وترافقت الزيارات الخليجية مع سلسلة من المواقف التي أطلقها الوزراء من واشنطن وتمحورت حول الأزمة الخليجية، ففيما أكد الوزير القطري أن "المطالب التي قدمتها دول الحصار لبلاده مجرد ادعاءات يجب دعمها بالأدلة إذا كانت تلك الدول جادة في إيجاد حل للأزمة وأن حل الأزمة يجب أن يكون من خلال إطار واضح وفق القانون الدولي ويلتزم به الجميع على حد سواء"، أكد الوزير السعودي أن "قائمة المطالب التي قدمتها المملكة السعودية وحلفاؤها إلى قطر من أجل رفع العقوبات التي فرضوها عليها هي قائمة غير قابلة للتفاوض ويجب تنفيذها كاملة"، بينما يواصل الطرف الكويتي محاولاته للملمة الوضع الخليجي المتأزم وحماية جيرانه من بعضهم البعض كمقدمة لحماية نفسه لاحقا فيما لو تطورت الأمور بشكل سلبي بين "الأخوة الخصوم".
 
ترقب أمريكي وشد حبال خليجي..

 وكل طرف حاول الإيحاء أن الموقف الأمريكي يدعمه بمواجهة "جاره اللدود"، علما أن الموقف الأمريكي الصادر عن وزير الخارجية الأمريكي لم يحسم وقوفه بأي شكل من الأشكال مع أي فريق على حساب فريق ولم يدعم بشكل مطلق دولة على دولة، بل لم يتضح فعلا حقيقة الموقف الأمريكي، فوزير الخارجية تليرسون قال إنه "يأمل من كل الأطراف أن تواصل الحوار بحسن نية"، ودعا "الأطراف إلى البقاء منفتحين على الحوار الذي هو أفضل سبيل لحل الخلاف"، وبذلك يكون قد استخدم عبارات فضفاضة مرنة تحمل التحليل والتأويل وتفتح الباب أمام الأخذ والرد، وهنا بيت القصيد لأن الموقف الأمريكي هو الفيصل في هذه الأزمة وتأييده لأي طرف سيعني حسم الأزمة بما تشتهيه هذه الدولة أو تلك.
 
فكيف يمكن تفسير الموقف الأمريكي الأخير وفي أي خانة يمكن وضعه وتصنيفه؟ هل هو موقف حاسم تجاه خيار من الخيارات؟ وهل ترغب واشنطن بحسم المسألة أم أن موقفها يحمل التأويل بأنها لا تريد الحسم بل ستحاول العمل على ترك الأزمة مفتوحة ولو لفترة من الزمن لغاية في نفس الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض؟ ولكن إلى أي مدى يمكن لها إبقاء ذلك من دون إنهاء الأزمة أو وضع حد لها؟ وهل واشنطن تحاول أن لا تخسر أي من حليفيها سواء المملكة السعودية أو قطر أم أنها تحاول إعطاء الحليف القطري فرصة أخيرة قبل إعلان التأييد المطلق للرياض؟
 
المصالح الأمريكية أولا..

 لكن هل تتنصل واشنطن من كل مسؤولياتها تجاه الرياض وترفض الحسم لمصلحتها في هذا الشأن؟ ولو صح ذلك كيف يمكن تفسير الموقف السعودي من الإدارة الأمريكية بعد كل هذا الدعم والأموال السعودية التي دفعت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض؟ وهل يمكن للقيادة السعودية أن تقبل بالموقف الأمريكي "الرمادي" من الأزمة؟ أليس من حق الرياض على واشنطن أن تحصل على الدعم الكافي بل الدعم المفتوح أمريكيا في كل ما تريد فعله في المنطقة أم أن نتائج زيارة ترامب إلى الرياض سرعان ما زالت وانتهت عند أول محاولة مساس بالمصالح الأمريكية في منطقة الخليج؟ ولكن هل بإمكان القيادة السعودية الوقوف بوجه الرغبة الأمريكية في هذا الشأن وهل يمكن مطالبة الأمريكيين بمواقف صريحة واضحة انطلاقا من التزامات قدمت لهم خلال زيارة ترامب؟
 
وهنا تبدو المصالح الأمريكية هي الضابط لكل ما يجري، فمن مصلحة الأمريكيين ترك الأبواب مفتوحة على المفاوضات والمفاوضات المضادة كي تحصل إدارة ترامب على أعلى منفعة ممكنة من الدول الخليجية سواء الرياض أو الدوحة أو غيرهما من عواصم مجلس التعاون الخليجي، وهنا تطرح التساؤلات حول إمكانية أن تكون الأزمة الخليجية الحالية مفتعلة بتوجيهات ورغبات أمريكية ربما بهدف الحصول على الأموال القطرية بعدما حصل ترامب على أموال السعودية، وبالحد الأدنى وإن لم تكن الأزمة مفتعلة أمريكيا إلا أن الأمريكي لديه القدرة على "ركوب الموجة" واستغلال الأوضاع القائمة نتيجة ظروف متعددة والاستفادة إلى أعلى درجة مما يجري على ارض الواقع، وهذا ما أثبتته التجارب الماضية.
 
الحضن الأمريكي والفرقة الخليجية..

والوفود الخليجية الثلاثة(السعودي، القطري والكويتي) التي حضرت إلى واشنطن ظهرت بما لا يقبل الشك أنها وصلت إلى العاصمة الأمريكية كي تعمل على حل الأزمة ولتُحكّم الطرف الأمريكي فيما بينها باعتباره الجهة الموثوق بها خليجيا، فالإدارة الأمريكية باتت هي الملجأ الذي تتوجه إليه الأنظمة القائمة لحل خلافاتها بدل محاولة حلها فيما بينها بكثير من الطرق الودية والسلمية والأخوية المتوفرة، خاصة أن الأطر التي تجمع دول الخليج أكثر من أن تعد أو تحصى وهي لا تحتاج إلى طرف ثالث سواء كان الولايات المتحدة أو غيرها كي يتدخل ليكون الحكم بينها والقاضي لحل خلافاتها، وهذا فعلا ما يدعو إلى إثارة الشكوك حول من قد يكون السبب لإيجاد مثل هذه الأزمات بين الأخوة والأشقاء والجيران، ومن يعمل إلى إيجاد ثنائيات بل ثلاثيات في منطقة كانت حتى الأمس القريب كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، وهذا ما يدفعنا إلى التفكير مليا: هل الأزمات التي تحصل في كل المنطقة تقع بفعل فاعل وبتخطيط مسبق أم أنها عفوية تحصل بشكل مفاجئ دون أي تحضير؟
 
الأكيد أن التفاهم بين الأخوة والأشقاء والجيران في المحيط كما التفاهم والتناغم بين الحكام والشعوب في الداخل، هو أفضل وسيلة لحل الخلافات والنزاعات والمشاكل أيا كانت، والحوار وسيلة فعالة بين الأخوة تغني عن اللجوء إلى الآخرين أيا كانوا لإدخالهم بين أبناء البيت الواحد سواء كان هذا البيت خليجيا أو عربيا أو إسلاميا، إلا أن المشكلة الأساس كما يبدو هي في العقلية التي تتحكم في إصدار القرارات ووضع السياسات في بلداننا حيث لا تنظر الرؤوس الحامية إلا بعين المصلحة الضيقة الهادفة لإخضاع الأخر سواء كان من المواطنين أو الحلفاء والجيران، من دون إقامة أي اعتبار للأثار السلبية التي قد تطالنا جميعا دون  تمييز بين بلد وبلد، فلا أحد سيسلم من هذا الطرف الأمريكي القادم بهدف السيطرة على دولنا كلها بكل مقدراتها وخيراتها وثرواتها، ويكفي هنا الإشارة لما صدر عن المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي حيث قالت إن "حصار قطر يتيح فرصة لواشنطن للضغط على طرفي الأزمة الرياض والدوحة"، ما يعني أن المسألة لا تتعلق بهذه الدولة أو تلك بقدر ما تتعلق بتحقيق المصالح الأمريكية ولو على حسابنا، فهم يحاولون الاستفادة من أي فرصة لاستغلالنا إلى أقصى درجة.

أضيف بتاريخ :2017/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد