آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

ما الدور الذي يلعبه ولد الشيخ؟ و”ما حكايته” مع مدينة الحديدة ومينائها؟


عبدالوهاب الشرفي

كثيرة هي الكوارث التي تحيط بالملف اليمني سياسيا وعسكريا وقانونيا وإنسانيا ومن بين تلك الكوارث كارثة الدور الأممي الذي يجسده مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ.

هناك معايير لأداء الوسيط وهناك معايير لأداء الدور الاممي وكل هذه المعايير منتهكة بسفور بالغ من قبل ولد الشيخ، ومع أنه لا زال يحمل صفته كمبعوث أممي إلا أنه واقعا تدرج من مبعوث للرباعية ووصولا إلى مبعوث للسعودية التي تترأس تحلفا عدوانيا يحارب اليمن ويرتكب أفضع المجازر بحق المدنيين ويتعمد أسوء صور العقاب الجماعي بحق شعب بأكمله ويعيق توصل اليمنيين إلى حل لازمتهم قبل تحقيقه لأجندته الخاصة في اليمن والبعيدة كل البعد عن ما يعلنه من أنه يعمل على إعادة “الشرعية” إلى اليمن.

يفتقد ولد الشيخ أولا إلى المهارات الديبلوماسية والسياسية ولقوة الشخصية التي كان يتحلى بها سلفه جمال بن عمر، وهذا الأمر تسبب في تحول ولد الشيخ إلى مستخدم وليس وسيط، وعادة ما يتدخل لحمل ما يطلب منه من أولا من الرباعية ” الولايات المتحدة، وبريطانيا، السعودية، الإمارات”، وشواهد ذلك كثيرة منذ مشاورات الكويت وحتى فتح الحديث عن ميناء الحديدة التي تحول فيها إلى مبعوث للسعودية يمارس الدور المطلوب منه وليس المفترض به كوسيط أممي.

عجز التحالف السعودي عن تحقيق أي تقدم ذو أهمية في أي من الجبهات التي يحارب فيها منذ أكثر من عامين، وبعد ما تحقق له في محافظات الجنوب كترتيب على “ملف القضية الجنوبية” المفتوح وليس نصرا عسكريا بدرجة أولى فشل التحالف السعودي في أن يتقدم ويستقر في أي جبهة أخرى على الإطلاق، وهذا الأمر فرض على التحالف السعودي أن يفكر في خطوة يتوقع أن يترتب عليها تحقيقه لتقدم عسكري في عدوانه على اليمن إذا ما تمت.

ميناء الحديدة  الذي يعتمد عليه اليمنيون المدنيون لاستمرار معائشهم ومتطلبات حياتهم بدرجة رئيسية وعلى محدودية كفايتها هو الهدف الذي بات التحالف السعودي ينظر إليه كمنقذ له من ورطته في اليمن، ومهاجمة ميناء ومدينة الحديدة ليست فكرة عسكرية صرفة فالتحالف السعودي لديه العديد من الجبهات المفتوحة عجز فيها جميعا وجبهة الحديدة ليست باستثناء من الناحية القتالية وسيلقى فيها ما سيلقاه في غيرها، لكن مهاجمة ميناء ومدينة الحديدة هي خطوة يراد منها التأثير على الجانب الإنساني بشكل مدمر لحياة المدنيين يترتب عليها حالة اضطراب في الداخل يضعف الجبهات وييسر له تحقيق تقدم كنتيجة لخنق ومعاناة المدنيين وليس كنتيجة لتفوق قتالي .

مهاجمة ميناء ومدينة الحديدة هي واحدة من خطوات تهدف إلى استخدام المدنيين في الحرب العدوانية على اليمن، وهي أخر خطوة في سلسلة من عمليات العقاب الجماعي التي يفرضها التحالف السعودي على اليمنيين في ضل تغطية ولد الشيخ وفي ظل صمت دولي وأممي مخز، فمن إغلاق مطار صنعاء الدولي إلى نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن إلى مهاجمة ميناء ومدينة المخاء ووصولا إلى أخطر خطوات العقاب الجماعي الممارس ضد المدنيين اليمنيين وهي اعتزام مهاجمة ميناء ومدينة الحديدة الذي يمثل نشاطه ما يصل إلى 85% من الاحتياجات الأساسية لحياة المدنيين اليمنيين.

موانع كثيرة تواجه التحالف السعودي في ما يعتزمه أولها التبعات الإنسانية الكارثية التي ستنقل الوضع الإنساني في اليمن إلى تهديد مباشر للأمن والسلم الدوليين، وثانيها انتهاك قوانين الحرب التي تحضر مهاجمة المطارات والمواني المدنية خصوصا وأن الميناء يخضع لرقابة مشددة من قبل التحالف السعودي لا تقل عن الحصار إلا قليلا وما من سفينة تدخل أو تخرج من الميناء إلا بنظره، وثالثها أيضا انتهاك القوانين الدولية بتحويله مدينة أهلة بالسكان إلى جبهة قتال على روؤس مدنييها، رابعها مجاوزة القرار الأممي الداعي لحل سياسي في اليمن وهو أمر يجعل مهاجمة ميناء الحديدة أمرا متعلقا بحالة التنافس العالمي وحق الحضور الأممي للدول العظمى، وليس أخرها ما سيترتب على فتح هذه الجبهة من تعريض أمن الملاحة في المياه اليمنية والمياه الدولية المحاذية لسواحل الحديدة وفي مضيق باب المندب الحيوي للأنشطة الملاحية للعالم بأسره . وكل هذه الموانع تجعل الإقدام على هذه المعركة غاية في الصعوبة بالنسبة للتحالف السعودي لكن لكونه يراها طوق نجاة بالنسبة له بعد إخفاق أكثر من عامين فهو يعمل حثيثا لفتح الطريق أمام هذه المعركة ويأتي دور ولد الشيخ احد وسائل التحالف السعودي لفتح الطريق أمامها .

بالنظر إلى كل تلك الموانع والتبعات الإنسانية الفاقرة التي ستترتب على مهاجمة ميناء الحديدة ليس أمام ولد الشيخ بصفته مبعوثا أمميا إلا موقف واحد هوان يعارض قطعيا مهاجمة هذا الميناء الذي يمثل شريان الحياة للمدنيين اليمنيين وأن يدين اعتزام مثل هكذا خطوة بقوة بل وأن يرفع الأمر إلى مجلس الأمن ويطالب بموقف ملزم للتحالف السعودي بعدم مهاجمة الميناء وارتكاب جريمة إنسانية غير مسبوقة  في اليمن، لكن ما يمارسه هو أمر أخر لا يمت لمهمته ولا لصفته ولا للدور المفترض به بأي صله فتماهيه منذ البداية مع اعتزام مهاجمة ميناء الحديدة وترويجه لمنطق العدوان بأن الميناء يستخدم لتهريب الصواريخ من إيران هو عمل مدان بكل المقاييس لسببين الأول أنه يعرف حق المعرفة أن التحالف السعودي يحيط بالميناء كإحاطة الطوق بالمعصم والقطع البحرية للتحالف السعودي وللولايات المتحدة وكذا الأقمار الصناعية تمارسان رقابة مشددة على الميناء، والثاني أنه يروج لحديث مشبوه يترتب عليه الكثير دون أن يقدم على صحته  أي دليل قانوني  يمنح مبعوث أممي حق تقبله فضلا عن التحدث به والترويج له .

لم يقف ولد الشيخ عند التماهي مع منطق العدوان بخصوص ميناء ومدينة الحديدة وإنما سخر نفسه كساعي شر ولعب دورا مباشرا في فتح الطريق أمام هذه الكارثة المزمعة بحق المدنيين، فقد ترك ولد الشيخ كل مهامه وتفرغ لمهمة المساومة بخصوص الحديدة ومينائها !!، وهو هنا يلعب دورا خبيثا وخطيرا وبشعا لأنه يعرف أن تدخله تحت ” يافطة ” الحل لن يفضي إلى حل لاعتبارات كثيرة ولكن المراد ليس هو الحل وإنما فتح الطريق أمام الكارثة بتصوير عدم التوصل لحل عدم تجاوب مع الدور الأممي ما يسهل على التحالف السعودي الأقدام بحجه انه قد فعل بجهده لتجنب المعركة  بما في ذلك ” حلول ” المبعوث الأممي ولكن كل ذلك لم يفلح ليتراجع عن قرار الهجوم على الحديدة ومينائها .

بل أن ما يقوم به ولد الشيخ ابعد من ذلك ولا يمكن وصف دوره هنا بأقل من ” الابتزاز السياسي واستثمار الجوانب الإنسانية لصالح السياسة والحرب   ” فهو يعمل مقايضة دفع المرتبات التي يعاني من تبعاتها الفاقرة المدنيون اليمنيون لفترة قاربت العام بتسليم ميناء ومدينة الحديدة، وهو هنا يمارس ذات ” النغمة ” الخبيثة التي يمارسها التحالف السعودي التي تحتال على المعاناة الإنسانية للمدنيين وتقدم المهاجمة على أنها لهدف إنساني كون ” سلطة الانقلاب ” تمنع وصول الإغاثات لمستحقيها !!، وقلب القتل للمدنيين داخل مدينتهم والحصار الخانق لشعب بأسره كعمل إنساني !!، وولد الشيخ يربط المرتبات كحاجة إنسانية بتحقيق تقدم للتحالف السعودي عبر ” اتفاق ” !! .

ولا يقف ما يقوم به ولد الشيخ هنا أيضا بل يمكن وصف موقفه في هذه المسألة ” بالابتذال السياسي ” وذلك هو بالفعل عندما يضع مسألة المرتبات محل مقايضة وهو يعرف أن عبدربه منصور هادي تعهد من على منصة الأمم المتحدة التي يمثلها ولد الشيخ بأنه سيقوم بدفع المرتبات عندما أراد أن يمرر قراره بنقل البنك المركزي إلى عدن، ولم تكن مسألة دفع المرتبات محل مقايضة أو شروط وهي أمر من واجب ولد الشيخ أن يعود فيها على هادي بموقف حازم بضرورة دفع المرتبات التي تعهد بدفعها ومنذ أول شهر بعد نقل البنك، وليست مسألة البنك قابلة للمقايضة ابتداء فهي حاجة إنسانية ومتعلقة بشكل مباشر بغذاء وعلاج ودواء  وتعليم وسكن وتنقل والتزامات مئات الآلاف من المدنيين وبنشاط ومعيشة ملايين اليمنيين بالتبعية، بل أن ولد الشيخ وارط هنا بشكل اكبر فهو ذاته سبق وأن رفع في إحاطته لمجلس الأمن أن هادي وحكومته دفعوا المرتبات وغرر رسميا على مجلس الأمن في إحاطته تلك وساعد هادي وحكومته على التملص مما التزمت به أمام المجتمع الدولي في موقف كانوا فيه في غاية الحرج عندما تسلموا ال 400 مليار ريال من روسيا ولم يكن أمامهم إلا الدفع لولا تواطئ ولد الشيخ في إحاطته تلك، وهاهو اليوم يستخدم ما توطئ بشأنها يوما ما لصالح التحالف السعودي الساعي لفتح الطريق أمام كارثة الحديدة ومينائها . ولعل تعز هي شاهد أخر يدين ولد الشيخ كونها المدينة الأكثر تضررا والتي تدور رحى الحرب فيها على روؤس المدنيين وخربت المدينة ويعاني مدنييها الويلات فلو كان الأمر إنسانيا أو خطوة في طريق الحل لماذا لم تحظى تعز بمثل هذا الاهتمام والتفاعل الحثيث الذي يبديه ولد الشيخ تجاه الحديدة ومينائها ؟!! مشغولا بها ومنصرفا عن أصل مهمته المتمثل في مساع الحل للملف اليمني وليس انتقاء ميناء الحديدة !!  .

يموه ولد الشيخ موقفه من الحديدة ومينائها بسعيه للحل فهل هو بالفعل ساع للحل ؟! أم ساع لأمر أخر ؟!!، فهو يتولى إدارة المفاوضات السياسية على مدى الرحلة الطويلة الممتدة منذ بداية الحرب العدوانية على اليمن من جنيف 1 وجنيف 2 والكويت ومسقط وخلال هذه الرحلة الممتدة لأكثر من عامين يُتقبل أن تختلف وجهات النظر بخصوص أدائه، لكن هناك لحظة سياسية لا يمكن أن يختلف عليها أي مراقب سياسي محايد وهي لحظة تقديمه لمقترحه للحل في اليمن ، فما قدمه ولد الشيخ في تلك اللحظة لم يكن رؤية ”  أطراف صنعا ”  للحل ولا رؤية طرف هادي ولا رؤية التحالف السعودي ولا رؤية الدول الراعية وإنما كان مقترح ولد الشيخ للحل في اليمن أي هو الرؤية والموقف الأممي، ولأنه كذلك اضطر جميع المعنيين بالملف اليمني بمن فيهم التحالف السعودي أن يعلنوا تأييدهم لذلك المقترح بينما رفضه طرف هادي وحكومته !!، أليس تصرفه بعد هذه اللحظة السياسية كاف للقطع بأنه لايدفع باتجاه الحل وإنما باتجاهات أخرى ؟!! .

قبلت أطراف صنعاء بمقترح ولد الشيخ وأيده الجميع ورفضه طرف هادي فقط فهل مارس ولد الشيخ أي جهود كي يقبل طرف هادي بمقترحه ؟ وهل أحاط مجلس الأمن بأن الجميع قبل مقترحه بينما رفضه طرف هادي ؟ بالطبع لا فقد رمى ولد الشيخ مقترحه المقترح الأممي الذي قبله الجميع باستثناء طرف خلف ظهره وذهب ليتماهى مع ” فخ كيري ” في مسقط وأهمل استكمال جهوده أو محاولة إقناع ذلك الطرف أو رفع الواقع على حقيقته لمجلس الأمن وهاهو يمارس أدوراه المشبوهه بحق ميناء ومدينة الحديدة كأن شيئ لم يحدث .

وصف الأمر بأن ولد الشيخ فشل في اليمن هو وصف غير صحيح فالرجل لم يفشل في دفع الملف اليمني باتجاه الحل لأنه لم يمارس دوره المفترض ابتداء  وهو يدفع بالملف اليمني باتجاه ما يحقق أجندات التحالف السعودي ورعاته الدوليين، ضاربا عرض الحائط بمهنيته وبوضعه كوسيط وبصفته كمبعوث أممي، وضاربا عرض الحائط بأرواح وإصابات عشرات الآلاف المدنيين الذين نالت منهم هذه الحرب العدوانية، وضاربا عرض الحائط بحياة ملايين اليمنيين ضحايا عقاب جماعي بإغلاق مطار صنعاء الدولي وبنقل البنك المركزي والامتناع عن دفع المرتبات وبمهاجمة ميناء المخاء المدني وتحويل مدينة المخاء إلى جبهة قتال تتساقط القذائف على روؤس ساكنيها ولم يهتم ودون أن يهتم ولد الشيخ لكل ذلك، وضاربا عرض الحائط حتى بالغطاء الكاذب للحرب العدوانية على اليمن فلم يسجل له أي دور في اتجاه تمكين ما يسمى ” الحكومة الشرعية ” في المحافظات التي توصف ” بالمحررة ” فلم يتمكن هادي وحكومته أن يوجدا فيها كسلطة رغم أنها بيد التحالف السعودي منذ عامين ولم تعد بيد من يسمون ” الانقلابيين “، والسؤال الذي يجب أن يندا له جبين ولد الشيخ هو هل أدان هذا الرجل أي مجزرة بحق المدنيين مع ان مئات المجازر الجماعية ارتكبت بحق المدنيين و( بعيدا عن جبهات القتال )، فهل أدان أي منها وهل تضمنت إحاطاته تعداد لبعضها ؟! .. وبالفعل أداء  ولد الشيخ كارثة على الملف اليمني ومسيئ للدور الأممي ومعرض الأمم المتحدة وأمينها العام للمسألة القانونية على خلفية التوطئ مع طرف لإفشال الحل وليس الفشل في الوصول إليه   .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد