آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

إخفاقات دبلوماسية تهدد الطموح السعودي


د. سعيد الشهابي

لم تشهد السياسة السعودية اضطرابا كما هي عليه اليوم، فهي مزيج من التناقضات التي تجعل من الصعب على المراقب استشراف مستقبل العلاقات السعودية مع الأقليم والعالم. وربما ساهمت الإخفاقات التي منيت بها هذه السياسة في الأعوام الأخيرة في هذا الاضطراب. فحتى العام 2011 الذي تفجرت فيه ثورات الربيع العربي، كانت السعودية تنتهج سياسة هادئة، تعتمد على الدبلوماسية الخفية وتبتعد عن الإثارات الفاقعة، وتتجنب القطيعة مع الآخرين، وتسعى لحل الخلافات سواء داخل العائلة المالكة أم مع الأشقاء بدول مجلس التعاون الخليجي بأسلوب هادئ يتوارى عادة عن الأنظار. وفجأة تغير منحى تلك السياسة وشكلها، ربما لاعتقاد الساسة الجدد ان الدور القيادي للسعودية يتطلب رفع الصوت عاليا واستعراض الدبلوماسية والقوة العسكرية علنا. حدث ذلك بشكل غير مدروس ففاجأ الكثيرين وخلق مناعة شديدة لدى الآخرين. ولتوضيح الصورة يمكن إيراد الأمثلة التالية:

الأول: أن الحرب التي تقودها السعودية على اليمن ما كانت لتحدث ضمن السياسة السعودية السابقة، فبحسابات بسيطة كان بإمكان أصحاب القرار السياسي والعسكري استنتاج عدم إمكان حسم تلك الحرب عسكريا، الأمر الذي يعني أن الأطراف المستهدفة بتلك الحرب ستخرج منها أقوى وأكثر هيمنة على أوضاع اليمن. فبدلا من إخضاع ذلك البلد، خسرت السعودية نفوذها فيه بشكل متسارع. بل ربما أصبحت الإمارات، وهي الشريكة الصغرى في الحرب، أكثر نفوذا وسيطرة على أوضاع اليمن، وبلغت تعقيدات الحرب مدى لم يتوقعه السعوديون آنفسهم، فلم يعد هناك من مخرج منها يحفظ ماء الوجه. ومع تصاعد الخسائر المادية والبشرية في صفوف قوات التحالف الذي تقوده السعودية، وانتشار الأوبئة خصوصا الكوليرا على نطاق واسع، وارتفاع الصرخات الدولية التي تعتبر الرياض مسؤولة عن انتشار تلك الأوبئة، وتعمق الضغوط على الدول الداعمة عسكريا للحرب، خصوصا بريطانيا وأمريكا، أصبح من الصعب الاعتقاد بإمكان الخروج منها إلا بقرار من قوات التحالف السعودي واعترافها، ضمنا، بالهزيمة.

فإذا كانت السعودية، بعد ثلاثين شهرا من الحرب، قد وصلت إلى هذا الوضع، فأين هي القوة السعودية من الحكمة اليمانية؟

الثاني: أن تلون السياسة السعودية تجاه العراق، وتغيير خطابها الذي كان في البداية مؤسسا على إثارة الطائفية في المنطقة وتقسيم الأمة، ثم تحول لاستقبال قادة العراق ابتداء برئيس الوزراء وانتهاء بزعيم التيار الصدري، يؤكد شعور القادة السعوديين بعدم جدوى السياسات السابقة، وأن من الضرورة بمكان التوصل إلى تفاهم مع الجيران لتفادي التصعيد الذي يضغط على القدرات السعودية، ويكشف النظام أمام التحديات الداخلية على وجه الخصوص. فما دامت محاولات إضعاف العراق بالوسائل التي انتهجت لم تؤد إلى نتائج ملموسة، فلماذا لا يتم التفكير بأساليب أخرى لاحتوائه. ويمكن اعتبار عملية تحرير الموصل نقطة تحول في تاريخ ذلك البلد الذي كان مهددا بكافة أشكال التمزق العرقي والديني والمذهبي. فقد أدركت السعودية وحلفاؤها أن استمرار استعداء العراق سيدفعه نحو إيران، وسيصبح تحالفها تحديا أكبر للسعودية وحليفاتها. فحدث تغيير ظاهري على سياسات المملكة، وتعمق الرهان على ذلك البلد.

الثالث: أن التوجه نحو إيران، هو الآخر، يتأرجح بنمط غير مسبوق. فهل إيران عدو أم صديق؟ كان التنافس بين الرياض وطهران على النفوذ الإقليمي من أهم أسباب توتر العلاقات بينهما. ثم جاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية ليقض مضاجع السعودية، ويدفعها للعمل الحثيث لإفشال ذلك الاتفاق والتحريض عليه.

برغم ذلك تشهد العلاقات السعودية ـ الإيرانية تحسنا هادئا برغم المنغصات الناجمة عن أزمات سوريا واليمن والبحرين. ومع أن من السابق لأوانه استشراف ما سينجم عن اللقاء الذي جمع بين وزيري خارجية البلدين الأسبوع الماضي في اسطنبول، إلا أن تسهيل شؤون الحجاج الإيرانيين هذا العام، بعد مقاطعتهم العام الماضي، يؤكد وجود شيء ما في الأفق، وأن الرياض أدركت أخيرا أن رسم خريطة الشرق الأوسط ليس حكرا عليها.

الرابع: أنه في الوقت الذي يفترض أن تتوجه السعودية لتثبيت أوضاعها الداخلية وتحالفاتها الإقليمية فأنها تنحو منحى مغايرا لذلك. فعلى صعيد الداخل شهدت السياسة السعودية تحولا خطيرا على صعيدين: الأول الانقلاب الأبيض على ولي العهد السابق، محمد بن نايف الذي أدى لاحتقان داخل البيت السعودي نفسه، فالرجل محاصر في منزله وممنوع من السفر منذ أن أزيح من منصبه فجأة بدون مقدمات. والواضح أن محمد بن سلمان قد خطط للامساك بزمام الأمور من والده قريبا، وقد يحدث ذلك قبل نهاية هذا العام. وبذلك اخترق الشاب الطموح ثوابت الاستخلاف في الحكم السعودي، ونقل الحكم إلى الجيل الثاني من أحفاد عبد العزيز بن سعود. وليس واضحا ما إذا كان هناك قبول لذلك من بقية أفخاذ البيت السعودي، الأمر المؤكد أن هناك استفرادا بالسلطة من قبل شاب لا يمتلك الكثير من الخبرة.

وللمرة الأولى يصبح الحكم السعودي مكشوفا أمام احتمالات التمرد على الملك من داخل البيت السعودي نفسه. وفي غياب ظاهرة الاعتماد على الشعب كمصدر للشرعية، فأن إضعاف تماسك البيت السعودي خطأ استراتيجي ارتكبه محمد بن سلمان، قد يؤدي لمحاولات تمرد مستقبلية، وهذا بدوه سيقوض الحصانة التي يوفرها التماسك الداخلي لنظام الحكم في الجزيرة العربية.
فالنظام السياسي بقي جامدا بدون أي تطوير، منذ أن أعلن الملك فهد في 1992 ما اسماه «نظام الحكم» وتأسس على ضوئه مجلس الشورى الذي لا يمتلك صلاحيات تذكر. أما على الصعيد الشعبي، فهناك مصدران للخطر. الأول: التنظيمات المتطرفة التي قد تجد هذه المرة دعما من المؤسسة الدينية التقليدية. فهناك ضغوط كبيرة على محمد بن سلمان لتهميش دور تلك المؤسسة التي هي مصدر قوة النظام وضعفه في الوقت نفسه.

وفي مسعاه لنيل رضا الغربيين، هناك توجه لتوسيع مجالات الحرية للمرأة السعودية ليس في قضايا الولاية أو قيادة السيارة فحسب، بل حتى في السلوك الاجتماعي. ويتردد أن هناك قرارا بفتح مجال السباحة المختلطة على سواحل البحر الأحمر، والسماح للنساء بارتداء «البيكيني» الأمر الذي من شأنه أن يثير حفيظة المؤسسة الدينية الرافضة للتك الممارسات. أما المصدر الثاني فيتمثل بالغضب الشعبي خصوصا في المنطقة الشرقية التي تعصف بها أزمة أمنية غير مسبوقة. فمنذ إعدام الشيخ نمر النمر في مطلع العام الماضي، لم تهدأ الأمور في تلك المنطقة. وفي الأسابيع الأخيرة تعمق التوتر بعد أن قررت الحكمة استهداف المنطقة بشكل كاسح، فسقط عشرات القتلى واعتقل الكثيرون. واستخدمت الأسلحة الثقيلة لقصف منطقة العوامية بشكل خاص، وما يزال التوتر قائما في تلك المنطقة وينطوي على أبعاد أمنية خطيرة.

الخامس: سعت السعودية لتوثيق علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي بشكل مكشوف، ويشعر قادتها أن التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة يقتضي التعاون مع الإسرائيليين. ويشترك الطرفان في عدائهما لإيران والتنظيمات الإسلامية المحسوبة على تيار «الإسلام السياسي» مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والإخوان المسلمون. هذا التعاون أدى لتبادل الزيارات وتنسيق المواقف والضغط على الإدارة الأمريكية لإلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات إضافية على إيران. هذا التقارب السعودي الإسرائيلي أكد ما كرره المحللون السياسيون حول ظاهرة «قوى الثورة المضادة» التي تصدت لثورات الربيع العربي وتسعى لمنع تكرر تلك الظاهرة مجددا. وقد استخدمت هذه القوى أقذر الأساليب لضمان إبعاد الشعوب عن قضاياها الحقيقية في الحرية والاستقلال والديمقراطية.

السادس: أخيرا أقدمت السعودية على قرار خطير باستهداف قطر، العضو الحليف بمجلس التعاون الخليجي. وحتى الآن ليس هناك أية مؤشرات لنجاح ذلك القرار. كانت السعودية ومعها الأمارات والبحرين ومصر تراهن على استسلام تلك الدولة الصغيرة أمام الضربة «القاضية» التي تمثلت بثلاثة عشر شرطا فرض على قطر الامتثال لها في غضون أيام معدودة. لكن تلك القوى فوجئت بالرفض القطري الشديد، الأمر الذي أفشل الخطة جملة وتفصيلا. وقد أظهرت نتائج ذلك القرار حتى الآن خواء التخطيط الاستراتيجي لدى هذا التحالف. ويعتقد البعض أن الأمارات بقيادة محمد بن زايد هي التي دفعت باتجاه ذلك القرار الذي دمر سمعة المشاركين فيه.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/08/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد