آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

ربط الإسلام بالجريمة والإرهاب لا يخدم الغرب


د. سعيد الشهابي

العملية الإرهابية التي قام بها شاب «مسلم» الأسبوع الماضي بمدينة برشلونة الاسبانية تضاف إلى مسلسل الأعمال البشعة التي تستهدف البشر بدون تمييز، وهدفها إحداث أقصى قدر من الدمار والقتل. أنه عمل عبثي لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية أبدا، بل إلى الشر المطلق الذي يمقته الله ورسوله ويرفضه الذوق البشري ولا تقره أية شريعة أرضية أم سماوية.

تكتسب هذه العملية الإجرامية أهمية ليس لأنها الوحيدة من نوعها في الأسابيع الأخيرة أو لأنها أكثر تدميرا ودموية، بل لأنها وقعت في مدينة أوروبية تجذب الأنظار وتحظى باهتمام إعلامي متميز. فقبلها بثلاثة أيام ارتكب الإرهابيون عملية أخرى بمدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو أدت لمقتل 18 شخصا. كما تزامن معه عملية إرهابية أخرى بمنطقة بيجي العراقية لقي فيها عشرة أشخاص مصرعهم. وبرغم أن الفاعل يكاد يكون واحدا (ربما مع اختلاف في التسمية والموقع الجغرافي) إلا أن هناك تمييزا في التغطيات الاعلامية والمواقف السياسية إزاء كل منها. هذا التباين في المواقف يضيف لتعقيدات الموقف الدولي ويساهم سلبا في جهود التصدي لظاهرة الإرهاب. وهنا تجدر الإشارة إلى عدد من النقاط:

الأولى: أن الإرهاب ليس له دين أو مذهب أو هوية، بل هو شر مطلق يستهدف البشرية والإنسانية بدون تمييز. ويمكن القول أن كافة الأديان والإيديولوجيات السياسية ترفض العنف الأعمى ولا تسمح باستهداف البشر وقتلهم أو التنكيل بهم. وإذا وجد من يشذ عن تلك القاعدة فانه يحرف قيم الدين الذي ينتمي إليه ويتحرك ضد مبادئه. فليس هناك «إرهاب إسلامي» أو «مسيحي» أو «شيوعي». فمن يمارس القتل الجماعي عمدا بدون تمييز بين المذنب والبريء فانه يمارس إرهابا، حتى لو كان جيشا نظاميا. وقد سعى المسلمون، علماء ومفكرون ونشطاء، للنأي عن ظاهرة الإرهاب الذي يمارس باسم الدين، وأكدوا رفض الإسلام لكل ما يضرب الأمن الاجتماعي ويسلب البشر حقهم في الأمن والسلم. وتصطرع في أذهان الغربيين صورتان للإسلام. الأولى تمثلها قيمه ومبادئه وتحظى بقبول عام مع شيء من التحسس، وأخرى مستوحاة من أجواء العنف والقتل العبثي الذي انتشر كظاهرة في السنوات الأخيرة. ويساهم الإعلام الغربي في ترويج الصور السلبية عن الأديان عموما والإسلام بشكل خاص ليكون ذلك مانعا من انتشار توسع ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب.

الثانية: أن الاهتمام الغربي بظاهرة الإرهاب ومصاديقه محكوم بقدر كبير من الانحياز والفئوية والانتقائية. فطاحونة الموت الإرهابية تحصد من أرواح المسلمين يوميا العشرات في العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وبعض الدول الافريقيا. ولكن هذه الأعمال لا تحظى باهتمام سياسي أو إعلامي يذكر، وفي أحسن الأحوال تقتصر تغطيتها على خبر صغير في زاوية مغمورة. ويختلف الأمر تماما حين يضرب الإرهاب هدفا غربيا.حينها تطرح القضية بمنطق آخر: إرهاب إسلامي يستهدف غير المسلمين.

فالتحالف الجديد الذي أعلن الأسبوع الماضي بين تنظيم داعش وطالبان الباكستانية بهدف استهداف الشيعة في أفغانستان تطور خطير وسيؤدي للمزيد من أعمال العنف والإرهاب. فلو كان الاهتمام الغربي إزاء ظاهرة الإرهاب جادا ومتوازنا لتمت دراسة هذا التطور وبذلت الجهود لمواجهته.

ونتيجة لهذا التجاهل من جهة وتشتيت المشهد الجامع للإرهاب والاعتبارات الاقتصادية العديدة، ضعفت سياسات مواجهة الظاهرة. والأخطر من ذلك أن مشروع «الحرب ضد الإرهاب» الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، فشل تماما، وبدلا من احتواء الظاهرة، ازدادت انتشارا.
الثالثة: أن ظاهرة الإرهاب الحالية توسعت لتضرب أهدافا في القارات الخمس بدون تمييز، فهي كاللوحة الكبيرة التي ترتبط أجزاؤها ببعض. فإذا عرض جانب صغير منها فقط فان المشهد يبقى ناقصا. ولكن عندما تستعرض كافة جوانب اللوحة يبدو المشهد متكاملا. بمعنى انه عندما يحدث عمل إرهابي في مدينة غربية فالمطلوب أن يربط ذلك بالأهداف الأخرى التي استهدفها الإرهاب. فحين تضرب لندن أو باريس أو بروكسيل أو برشلونة فالمطلوب أن تعرض الصورة بما هي جزء من المشهد الكبير للظاهرة الإرهابية وأماكن حدوثها. فحين يستهدف تنظيم داعش الإرهابي أهدافا غربية فأن هذا التنظيم يستهدف في الوقت نفسه أهدافا إسلامية أيضا. فمثلا برغم تراجع العمليات الإرهابية في العراق عما كانت عليه في ذروتها قبل خمسة أعوام، فأنها ما تزال تحصد أرواح المئات شهريا في بغداد والمدن الأخرى. وكذلك الأمر في سوريا وشبه القارة الهندية وبعض الدول الأفريقية. فلو حظيت تلك الأعمال بتغطيات متماثلة لضعفت الصورة النمطية التي تهدف لإظهار ظاهرة الإرهاب وكأنها ممارسة يقوم بها المسلمون ضد غيرهم. فحين يدرك الغربي أن فكر التطرف والإرهاب لدى المنظمات المعروفة مثل داعش يستهدف الآخر السياسي والمذهبي والديني، فستتغير نظرته ويدرك الحقيقة التي تقول بان الإسلام كدين ليس هو صانع قرار استهداف الآخرين بالعنف العبثي.

رابعا: حين تحدث عملية إرهابية في الغرب يتكرر السيناريو نفسه: اتهام الإسلام بالإرهاب، تصعيد اللهجة ضد ظاهرة اللاجئين، التحشيد الإعلامي ضد الإسلام واستهداف المظاهر الإسلامية كالمساجد والمراكز والنساء المحجبات. والملاحظ هنا أن هناك مشروعا غربيا يظهر حينا ويتوارى اغلب الأحيان، يستهدف الإسلام كظاهرة ثقافية حضارية، بهدف الحد من انتشاره في المجتمعات الغربية. وتوفر أعمال الإرهاب ظروفا مؤاتية لذلك الاستهداف. وينجم عن ذلك أعمال عنف موجهة ضد المسلمين في المجتمعات الغربية. فبعد العمل الإرهابي في مانشستر، تضاعفت الاعتداءات على المسلمين خصوصا المرأة بحجابها المعروف. كما تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا للتخويف من الإسلام وتشويهه في نظر الغربيين.

هذا برغم توافق علماء المسلمين على رفض ظاهرة الإرهاب وتأكيدهم مبادئ التفاهم والحوار وبث الأمن في المجتمعات، ودعوتهم للتكامل في المجتمعات الغربية بين المسلمين وغيرهم بعيدا عن التكفير والتطرف. المشكلة أن من يخطط لاستهداف الإسلام بدوافع الحقد والتحسس، يختلف عن المتأثرين بأعمال الإرهاب الذين ينطلقون في عدائهم للعنف من تجاربهم الشخصية. وقد أصبحت الإسلاموفوبيا مقلقة للمسلمين القاطنين في الدول الغربية.ولولا تنامي ظاهرة الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين لتوترت العلاقات الاجتماعية في هذه البلدان بوتائر أكبر. ويقدر للكنيسة تشجيعها الحوار الديني مع المسلمين الأمر الذي يخفف من التطرف في معاداة اللاجئين. مع ذلك لا يكاد يمر يوم بدون حدوث جرائم كراهية ضد المسلمين.

خامسا: أن هناك تداخلا في المواقف الغربية إزاء ظاهرتي الإرهاب واللجوء. فكلاهما سبب للتحسس العام من الأجانب.فتثار القضية عندما تحدث جرائم إرهابية، وتثار كذلك حين تطرح مسألة اللجوء وتصاعد الهجرة باتجاه أوروبا.

إنه موقف مفهوم في جوهره ولكن المبالغة في عرضه وتسخير وسائل الإعلام للتصعيد ضد الإسلام يعمق ظاهرة التطرف الغربي التي تحدث مشاكل للغرب نفسه. فحين يتردد الرئيس الأمريكي في شجب التطرف اليميني بعد حوادث الشغب التي قام بها اليمينيون بمدينة شارلوتسفيل، فانه يبعث رسالة للعالم لا تبعث على الأمن والطمأنينة. هذا التداخل له أسبابه التي من أهمها رفض الغرب التعامل الجاد مع أسبابهما، وإصراره على الاستمرار في نهجه الداعم للاستبداد والاحتلال في العالم العربي. وفي غياب التصدي للواقع الذي يشجع بروز ظواهر الهجرة واللجوء والإرهاب، فمن غير المتوقع تغير أوضاع العالم، أو احتواء ظاهرة الإرهاب.
فالغرب قادر على التصدي للتطرف والإرهاب ولكن بشرط وضوح المواقف والسياسات والتخلي عن عقلية الاستعلاء والاستكبار والتردد في التصدي للظواهر التي لا تنسجم مع المشروع الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/08/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد