آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

معالم المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط


د. سعيد الشهابي
 
لم يشهد الكيان الإسرائيلي «فترة نقاهة» كالسنوات التي أعقبت قمع ثورات الربيع العربي، فما حدث في هذه الفترة كان عكس ما كانت الجماهير العربية تتطلع له عندما حركتها النيران التي اشتعلت في جسد الشاب التونسي، محمد بوعزيز. سبعة أعوام عجاف ستسجل بأنها الأسوأ في التاريخ المعاصر لهذه الأمة، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. فليس مستبعدا أن تشهد الفترة المقبلة عودة للروح التي خرجت بها الجماهير العربية هاتفة بالحرية وباحثة عن التغيير. البعض يقول أن تلك الثورات كانت من تدبير أجنبي، ولكن يصعب تقديم الدليل على ذلك. الأمر الذي يمكن التدليل عليه أن أساليب قمعها المستمرة حتى الآن وما أعقبها من تغيرات سواء في المزاج العام أم التحالفات الإقليمية تؤكد وجود أيد معادية لهذه الشعوب خططت لما حل بها، وما تزال تفعل. المشروع الإسرائيلي للمنطقة تتضح معالمه يوما بعد آخر، وتشير المعطيات إلى تخطيطه الذي يتواصل ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم الغربي كذلك. وما لم يتم استيعاب أولا حقيقة وجود ذلك المخطط وثانيا بعض تفصيلاته الفنية وثالثا سعة أهدافه ومجالات تدخله، فسوف يتواصل الانحدار والتداعي. هذا المخطط ساهمت في تفعيله أمور عديدة: أولها دعم قوى الثورة المضادة ثانيها، توفر أموال هائلة لتفعيله، ثالثها: تعاون أنظمة القمع العربية مع خططه بفاعلية، رابعها توفر غطاء غربي فضفاض مع دعم لوجستي واسع.

هذا ليس كلاما مستوحى من الخيال أو امتدادا لنظرية المؤامرة أو تعبيرا عن حالة يأس أو ضعف، بل أن هناك من الوقائع ما يؤكد ذلك. وما يمارسه بعض الحكام من قمع ممنهج قد لا يكون جديدا، ولكن الجديد أن لا تكون هناك ردة فعل من أي طرف يفترض أن يكون معنيا بذلك: الشعوب المستهدفة بذلك القمع، المجتمع الدولي الذي يفترض أن يمارس شيئا من الرقابة الدولية لمنع قمع الشعوب واضطهادها، أو النخب السياسية والمثقفة سواء في المجتمعات العربية أم الغربية. يضاف إلى ذلك وجود عوامل أخرى تتضافر مع هذه الحقائق، من بينها ما يجري هذه الأيام من محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وطرح حلول تفرض على الشعب الفلسطيني بالقهر والإجبار بعد حصاره وتجويعه. فمقولة إقامة الدولة الفلسطينية بموازاة الكيان الإسرائيلي وتظاهر بعض الأنظمة العربية بالحماس لذلك المشروع إنما هو جانب من سياسات التخدير التي يتضمنها المشروع الصهيوني في المنطقة. فهذا الطرح يقابله إصرار إسرائيلي على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، وكذلك تهويد القدس بنمط غير مسبوق، بالإضافة للقتل المتواصل للشباب الفلسطيني.

وسواء كانت هذه الفرضية مقبولة أم موضع اعتراض من قبل البعض، فثمة من يقول أن الإسرائيليين في السنوات السبع الأخيرة دخلوا على الوضع العربي من أوسع أبوابه. وبدلا من حصر اهتمام أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية بحدود فلسطين المحتلة توسعت اهتماماتها لتصل إلى عمق الأوضاع العربية خصوصا على مستوى التحالفات البينية أم على صعيد التصدي لقوى التحرر الوطني الساعية لضمان حقوق الشعوب وإنهاء حالة الاستبداد والقمع المهيمنة على المنطقة منذ عقود. فحين لا يسعى السعوديون لإخفاء اتصالاتهم بالحكومة الإسرائيلية وتبادل الزيارات، وحين يدعو حاكم مثل ملك البحرين لإنهاء المقاطعة العربية، وحين يتم تبادل الرسائل والاتصالات بين الإمارات والمسؤولين الإسرائيليين حول استخدام أنظمة صواريخ «القبة الحديدية» في دول الخليج لمواجهة الصواريخ الإيرانية فأن الأمر يكون قد تجاوز حدود اللباقة أو الشعور بالانتماء للأمة التي ما برحت ترفض الاحتلال أو التطبيع معه.
المشروع الصهيوني لإعادة توجيه البوصلة في العالم العربي بعيدا عن قضايا الحريات والحقوق والتحولات الديمقراطية وإنهاء الاستبداد وتحرير الأراضي يتم تطبيقه بمنهجية مؤسسة على دراسات وقراءات للأوضاع العربية، وأساليب التأثير على الرأي العام بعيدا عن تلك القضايا. ويمكن تحديد بعض معالم هذا المشروع بالنقاط التالية:

أولا: دعم أنظمة الحكم الحالية وحمايتها من الثورات الشعبية والحركات المعارضة. هذا الدعم سياسي يهدف لضمان دعم التحالف الأنكلو -أمريكي لهذه الأنظمة، وامني بتزويدها بالخبرات الأمنية المستفادة من تجربة التصدي لانتفاضات الحجارة الفلسطينية، لتمكينها من السيطرة على الحركات المعارضة. ويلاحظ أن وسائل التعاطي مع النشطاء تغيرت كثيرا في السنوات الأخيرة، فأصبحت أكثر شراسة ولكن أكثر سرية وبعدا عن الأنظار. فالسجون في البلدان العربية توسعت كثيرا، وازدادت أعداد عناصر الأمن وتنوعت أساليبها. وفي الوقت نفسه استطاعت مجموعات الضغط والشركات العامة الغربية اقدر على تشجيع سياسات التعتيم الإعلامية والتأثير على الحكومات الغربية لمنع تعاطيها بشكل جاد ومسؤول مع الانتهاكات التي تفاقمت بمعدلات غير مسبوقة. فيصبح نظام مصر العسكري قادرا على التنكيل الوحشي بالمعارضين خصوصا رموز الأخوان المسلمين وكوادرهم بدون أن يذرف «العالم الحر» دمعة واحدة على حقوق الإنسان المنتهكة.

ثانيا: أن إثارة الخلافات لا ينحصر على ما هو سياسي منها، بل أن التباين المذهبي واحد من الأمور التي يهدف المشروع الإسرائيلي لإثارته، وقد اثبت فاعليته في تشتيت كلمة الأمة وتناحر بعض فئاتها. ومع أن إثارة الخلافات المذهبية قد استنفدت أغراضها خصوصا بعد أن سعت السعودية لتحسين علاقاتها مع العراق، إلا أن آثاره السلبية ستبقى في الأجواء لتحول دون أي تقارب حقيقي ورأب للصدع لمنع تبلور جبهة معارضة حقيقية للاستبداد والاحتلال معا. وبموازاة إثارة الخلافات المذهبية، عمد المشروع الصهيوني لشيطنة المجموعات التي يتضمن منهجها التصدي للاحتلال ورفض التطبيع معه. فقد استهدف الإخوان المسلمون سياسيا وأمنيا واقتصاديا ودينيا، واستفاد المشروع من علماء السلطان للتهجم على الجماعة وشيطنتها واستهداف رموزها المعتقلين لدى النظام العسكري المصري بأحكام الإعدام والسجن المؤبد. وبلغ الأمر أن مرشدها السابق، الأستاذ المرحوم محمد مهدي عاكف، حرم من العلاج المناسب من مرض السرطان بعد أن رفض استعطاف السيسي، وبعد وفاته منع تشييعه إلا في نطاق ضيق جدا. وهكذا الأمر مع حزب الله وحماس وبقية فصائل المقاومة التي ترفض الاعتراف بـ «إسرائيل» إو التطبيع معها.

ثالثا: المشروع الصهيوني أصبح يتغلغل في صفوف المؤسسات الإسلامية في الغرب بشكل واضح. فتحت غطاء «محاربة التطرف» و تشجيع «حوار الأديان» و «محاربة معاداة السامية» تمارس ضغوط كبيرة على هذه المؤسسات لتوسيع دائرة الحوار ليشمل في بعض مفاصله، المجموعات الصهيونية. وتشمل الضغوط المؤسسات الإسلامية قاطبة (سنية وشيعية). ومع أن الحوار مع اليهود أمر مشروع ومطلوب، إلا أنه تحول إلى محاولة لمنع أي انتقاد للحكومة الإسرائيلية. وأصبح في حكم المقبول اعتبار أي نقد للكيان الإسرائيلي «معاداة للسامية». وكان المشروع الصهيوني قد شجع بعض الفلسطينيين على الانخراط في صفوف المجموعات الإرهابية لإبعادهم عن الأراضي المحتلة، الأمر الذي اضعف وهج الثورة الفلسطينية وربط بعض فصائلها بالإرهاب. هذه الحقيقة شجعت بعض المؤسسات الإسلامية الغربية على التراجع عن دعم القضية الفلسطينية والتجاوب مع محاولات التطبيع مع المشروع الصهيوني تحت ذريعة «حوار الأديان». أنها خطة متداخلة ساهمت في توسيع التغلغل الإسرائيلي في أوساط المؤسسات الإسلامية، ومنها إلى بعض الحركات السياسية في المنطقة.

رابعا: المشروع الصهيوني يسعى لتفتيت الدول العربية والإسلامية الكبرى إلى دويلات وكيانات صغيرة. وجاء استفتاء كردستان العراق الشهر الماضي كخطوة على طريق تفتيت العراق، ثم سوريا وإيران وربما مصر والسعودية نفسها. وقد ركزت «إسرائيل» على المنطقة الكردية العراقية منذ عقود، ودربت مقاتليها ووجهت سياساتها نحو الانفصال. وتتم مساومة العراق بين الانصياع لأمريكا والسماح لها ببناء قواعد عملاقة أو تفتيت العراق.

إن المشروع الصهيوني يخطط لتمزيق أمة المسلمين لإضعافها. ويقابل ذلك موقف باهت من الأنظمة والشعوب على حد السواء. ويعتقد الإسرائيليون بضرورة فرض نسخة جديدة من «سايكس بيكو» و «وعد بلفور» لكي تنعم بالأمن وتتلاشى قدرات العرب والمسلمين أمامهم. هذه بعض معالم المشروع الصهيوني، فما العمل؟

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/10/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد