آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

القدس ينتظرها مصير مدينة الخليل


د. جيمس زغبي

قدمت مجموعة من أعضاء وخبراء الليكود، الأسبوع الماضي، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خطة لتفتيت مدينة القدس المحتلة بالطريقة نفسها التي تم بها تقطيع أوصال مدينة الخليل. ورأى البعض في ذلك دليلا إيجابيا على أن حكومة نتانياهو قد تفكر في إنهاء الحكم المباشر على ما يقرب من ثلاثمئة ألف فلسطيني. لكن النية ــــ في الواقع ــــ كانت مختلفة تماماً.

لقد كان الهدف من الخطة ماليا وعنصريا؛ إذ سيتم توفير المليارات من خلال تخلي إسرائيل مسؤوليتها عن تقديم الدعم لهؤلاء الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، تضمن إسرائيل الهيمنة الديموغرافية اليهودية في ما تبقى من أجزاء من القدس.
وما لا تأخذه الخطة في الاعتبار، هو مصير الفلسطينيين الذين سيبقون أسرى محاطين بمتاهة من المستوطنات وسور طوله أحد عشر متراً. وسيظلون معزولين عن بقية الضفة الغربية، وسيحرمون من القدرة على التعامل التجاري مع العالم خارج الجدار.

وسواء نفّذت هذه الخطة المقترحة أم لا، فمن الواضح أن سياسة إسرائيل في القدس، منذ احتلالها أول مرة للجزء الشرقي من المدينة، تسير في هذا الاتجاه. وقد سعت إلى التوفيق بين أمرين: السيطرة على المدينة، و«تهويد» طابعها. وكان لذلك أثر مدمر في حياة الفلسطينيين في المدينة وضواحيها.

فحتى أوائل عام 1990 كانت القدس بمنزلة مركز النشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي للفلسطينيين. ولم تكن المدينة فقط مقرا لأهم المواقع والمؤسسات الدينية في فلسطين، حيث يأتي مئات الآلاف من الفلسطينيين من جميع أنحاء الأراضي المحتلة للعمل أو التسوق أو الذهاب إلى المدرسة أو تلقي العلاج الطبي أو الخدمات الاجتماعية، أو الفعاليات الثقافية. وتلعب القدس دور العاصمة حتى من دون وجود دولة.

بعد أن احتل الإسرائيليون باقي فلسطين في عام 1967، لم يكن من السهل دائما على الفلسطينيين الوصول إلى المدينة. وكانت هناك عمليات إغلاق ونقاط تفتيش دورية كان عليهم المرور من خلالها. ولكن، حتى مع هذه الإجراءات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، ظلت القدس الحاضنة للنشاطات الفلسطينية.

عندما وضع الإسرائيليون خطة «القدس الكبرى» بعد سنوات قليلة من حرب عام 1967، لم تقتصر على الجزء الشرقي من المدينة فقط، بل مجموعة كبيرة من أراضي الضفة الغربية تضم 28 قرية فلسطينية أخرى. ولإخفاء جريمة الضم غير القانوني هذه، بدأت إسرائيل في إطلاق اسم «الأحياء العربية»، لكي يتسنى لها إطلاق اسم «أحياء يهودية» على مستوطناتها في القدس.

تغيّرت الحياة الفلسطينية بشكل كبير في عام 1994 بعد أن قتل إرهابي يهودي 29 من المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. وخوفا من رد فعل فلسطيني، فرض رئيس الوزراء رابين آنذاك «إغلاقا» لمدينة القدس لم يرفع بعد ذلك أبداً. وفي السنوات التي أعقبت ذلك، أصبح الإغلاق مكثّفا مع تطبيق أكثر صرامة. وأصبح من الصعب منح تصاريح الدخول إلى المدينة. وأغلقت المؤسسات الفلسطينية في المدينة وأبلغت الجماعات الأجنبية بأنها محظورة من عقد اجتماعات ذات طابع سياسي مع الفلسطينيين في المدينة.

وكان جميع المستوطنات خلال هذه الفترة تنمو. حتى قبل أن تبدأ إسرائيل ببناء جدارها السيّئ السمعة، كانت القدس محاطة بحاجز من المستوطنات الإسرائيلية الآخذة في الاتساع، وتحيط بالمدينة. وأصبحت القرى الفلسطينية الصغيرة محشورة بينها. وهكذا، فبعد أن صادروا أراضيهم لبناء المستوطنات، خنقتهم الآن، المجمعات السكنية الإسرائيلية الجديدة. ولجعل الأمور أكثر إرهاقا، هناك شبكة طرق سريعة تقطع أراضي الضفة الغربية وتفصل بين المناطق السكنية الفلسطينية وتمنعهم من الوصول إلى عاصمتهم، القدس.

وكان تأثير هذه السياسات باديا على كل مجالات الحياة. فبعد بضع سنوات فقط من فرض الإغلاق الدائم، ارتفعت البطالة في القدس والمناطق المحيطة بها إلى مستويات مروعة. ونظرا إلى أن الفلسطينيين من الضفة الغربية لم يعد بإمكانهم الوصول إلى المدينة بسهولة، اضطر رجال الأعمال والمرافق والخدمات الاجتماعية والطبية إلى تسريح عدد كبير من الموظفين. كما أن المؤسسات التجارية تعاني أيضا، وكذلك المؤسسات الثقافية.

ثم جاء بناء الجدار، الذي حاولت إسرائيل مرة أخرى التمويه عن طريق الإصرار على تسميته بـ «حاجز». في الواقع، يمكن أن تلمس الأثر المدمر لهذا الجدار مع أبراج المراقبة المقامة عليه في جميع مناطق القدس، كما أنه يمر عبر الضفة الغربية ويفصل بين التجمعات السكانية الفلسطينية.

وفي داخل الجدار، هدمت السلطات الإسرائيلية آلاف المنازل الفلسطينية، بحجة أنها بُنيت من دون ترخيص، علما بان الإسرائيليين لن يصدروا مثل هذه التراخيص للفلسطينيين. وألغت إسرائيل إقامة الآلاف من الفلسطينيين في المدينة، إما لأنهم أجبروا على العثور على عمل خارج المدينة، وإما لأنهم تزوجوا شخصا من الضفة الغربية، ولا يسمح لهم بإحضار أزواجهم معهم في المدينة. ويستمر الإسرائيليون في الاستيلاء على المزيد من الممتلكات الفلسطينية في «الأحياء العربية» التي تحوّلها إلى مجموعات المستوطنين لإنشاء مستعمرات معادية تحت حماية الجيش في قلب المناطق العربية. كل هذا كان يهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الديموغرافية اليهودية في القدس الكبرى.

وهكذا، تمت تهيئة الظروف لتنفيذ الخطة التي قدمت إلى نتانياهو. وهي خطة مصممة ببساطة لحل «مشكلة ديموغرافية»، من خلال إزالة ثلاثين ألف فلسطيني من القدس وتوفير أموال طائلة على الدولة. إنهم يريدون أن يفعلوا بالقدس ما فعلوه في الخليل.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2017/10/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد