آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد النوباني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

لماذا تضاءلت احتمالات الحرب في المنطقة بعد خطاب السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء؟!


محمد النوباني

حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام من أن مخاطر وجودية قد تواجه دولة إسرائيل مشددا على ضرورة أن تكون الدولة على أهبة الاستعداد لمواجهة ذلك حتى لا تزول عن الوجود قبل الاحتفال بالذكرى المئوية لقيامها في العالم 2048 .

وإذا كان مثل هذا التصريح ليس جديدا لأن الأوساط الأمنية والسياسية والأكاديمية والنخب الثقافية الإسرائيلية   دأبت بين الحين والأخر للحديث عن هكذا مخاطر من باب استدرار المزيد من الدعم من الدول الاستعمارية التي زرعت إسرائيل خدمة لمصالحها أو من باب استشعار اللص ومغتصب الأرض بأن أصحاب الأرض الحقيقيين سينهضون يوما ويسترجعونها إن طال الزمن أو قصر ، فأن اللافت في هذا التصريح انه جاء بعد عدة أيام قليلة من الخطاب التاريخي الذي ألقاه السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني في العاشر من محرم ، ذكرى عاشوراء ، وهذه ليست مصادفة

فالسيد نصر الله تحدث في خطابه عن قضايا مفصلية ، غابت عن الخطاب السياسي العربي منذ رحيل الرئيس جمال عبد الناصر قبل 47 عاما ، وتحديدا عندما عرى أكذوبة أن قيام إسرائيل كان تعبيرا عن حق تقرير المصير للشعب اليهودي موضحا بأنها أقيمت في فلسطين خدمة لمصالح قوى الاستعمار العالمي ، البريطاني أولا ً ومن ثم الأمريكي وجلبت اليهود من مختلف أنحاء العالم لاستخدامهم كوقود في حروب تهدف إلى النهب والسيطرة وخدمة الدول الاستعمارية .

ويجب أن لا ننسى هنا بأن مطالبة السيد حسن نصر الله لليهود بمغادرة فلسطين والعودة إلى بلدانهم الأصلية قبل اندلاع الحرب التي يخطط نتنياهو لشنها على لبنان وسوريا لأنه لن يكون أمامهم متسع من الوقت للمغادرة والنجاة بأنفسهم إثناءها قد افقد المؤسستين السياسة والأمنية في إسرائيل صوابهما لان الناس في إسرائيل يصدقونه ، كما علم التجارب السابقة ، أكثر مما يصدقون قادتهم السياسيين والأمنيين لأنه إذا قال فعل.

أن حكام إسرائيل كانوا يدركون قبل خطاب السيد نصر الله أن انتصارات محور المقاومة في سوريا ، والعراق، واليمن ،بدعم قوي من إيران وروسيا ، قد أدت إلى نشوء واقع استراتيجي جديد في المنطقة ، لم يعد يسمح لهم بالتحكم المطلق في شن حروب عدوانية كما يحلو لهم يخوضونها متى يشاؤون وينهونها كما يرغبون ، ويحددون ميادينها والأسلحة المستخدمة فيها على مزاجهم .

ولكنهم وبحكم ضيق أفقهم التاريخي الناجم عن كونهم دولة استعمار كولنيالي عنصري ، لم يكونوا في حالة من التوازن تسمح لهم ، بادراك ما حصل ، ولذلك فقد ظنوا أن مناورة عسكرية ضخمة وغير مسبوقة منذ عدة عقود أجروها على الحدود مع لبنان وسوريا تحاكي هجوما واسعا على البلدين يمكن لها أن تردع معسكر المقاومة وتسمح لإسرائيل بالضرب متى تشاء وأينما تشاء وكيفما تشاء ، للإبقاء على قواعد الاشتباك السابقة وانتظار فرصة أخرى للانقضاض على خصومها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء .

ولذلك فان السيد حسن نصر الله أراد أن يفهم في خطابه العاشورائي حكام إسرائيل أن من خسر اللعبة في سوريا ، وبنى حساباته الإستراتيجية استنادا إلى موازين الماضي ، لن تكون له اليد العليا في أي معركة قادمة ، لا من حيث الزمان ولا من حيث المكان ، ولا من حيث الأسلحة المستخدمة فيها حيث ستكون شاملة وبلا خطوط حمراء وفاصلة .

وعلى ما يبدو أن حكام إسرائيل قد استوعبوا مضمون هذه الرسالة الردعية ، فسارع افيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي للاعتراف بأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر وحسم المعركة لصالحه بدعم روسي إيراني تماما كما اعترف قبله روبرت فورد آخر سفير أمريكي في سوريا عندما قال قبل أشهر إن أمريكا قد خسرت اللعبة وانتصر الأسد وصولا إلى حديث نتنياهو عن خطر زوال إسرائيل .

وإذا كان بعض المحللين السياسيين قد استنتجوا بعد خطاب نصر الله أن الحرب قد باتت على الأبواب ، فأنهم في اعتقادي لم يكونوا موفقين في استنتاجاتهم ، لأنه إذا كان هنالك احتمالات ضئيلة لاندلاع حرب قبل العاشر من محرم الماضي فأنها أصبحت اضعف بكثير بعده .

وسبب ذلك أن حكام إسرائيل ما زالوا يؤمنون بما أوصى به ذات يوم أول رئيس وزراء في إسرائيل ، واحد ابرز مؤسسيها “ديفيد بن غريون ” عندما قال في مذكراته أن إسرائيل قد تكسب عدة حروب مع جيرانها وتبقى ولكنها لا تستطيع أن تخسر حربا حقيقية واحدة ، لأنها لن تعد بعدها موجودة .

من هذا المنطلق فان ما يرجح حدوثه في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة ، هو من قبل أمريكا وإسرائيل ، هو استمرار الطرفان وتحديدا الأمريكي في العمل في اتجاهات متعددة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في اتجاهات متعددة من دون المغامرة بإشعال حرب قد تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل على النحو التالي :

أولا : استمرار الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري لداعش وغيرها من المجموعات التكفيرية في محاولة منها لعرقلة انتصار محور المقاومة في الجغرافيا السورية .

ثانيا : تقديم دعم أمريكي أكثر فعالية للأكراد في العراق ، وسوريا ، وإيران ، وتركيا لدفعهم أكثر لكي يكونوا أداة أمريكية إسرائيلية في تنفيذ مخطط تقسيم وتجزأت هذه البلدان .

ثالثا : توظيف السعودية لأحداث فتنة في لبنان من خلال دعم متعدد الأشكال لبقايا قوى الرابع عشر من آذار لاستفزاز حزب الله ومحاولة جره إلى مواجهة داخلية تلهيه عن التفرغ لمواجهة إسرائيل والمساهمة في إحباط المشروع الأمريكي- الإسرائيلي  .

رابعا : الاستمرار في ممارسة ضغوط سياسية وإعلامية ومالية أمريكية على حزب الله ، في محاولة لشيطنته وتأليب قوى دولية عليه لعزله وتشوبه صورته كحركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال ، لن تكون آخرها ، عرض جوائز بملايين الدولارات لتسليم مطلوبين من حزب الله واعتبار الحزب تهديدا للأمن القومي الأمريكي .

خامسا : مواصلة الضغط على إيران بصفتها الحاضنة الأقوى والأهم لمعسكر المقاومة ، من خلال التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي معها أو الانسحاب فعلا في الخامس عشر من الجاري بحجة أن لدى إيران برنامج نووي سري تارة ، وبذريعة أن استمرارها في تطوير برنامجها الصاروخي البالستي يشكل انتهاكا لروح الاتفاق النووي رغم أن ذلك الاتفاق لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لبرنامج الصواريخ الإيرانية تارة أخرى.

سادسا : القيام بعمل دؤوب أمريكي إسرائيلي بالتعاون مع بعض الدول والإطراف العربية لانجاز تسوية فلسطينية – إسرائيلية في إطار ما يسمى بصفقة العصر الأمريكية ، تمكن إسرائيل من تطبيع علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي شاركت  في قمة الرياض أثناء زيارة ترامب للسعودية .

ولكن من يقرأ جيدا لا بد له أن يلاحظ بأن هذه المحاولات الأمريكية الإسرائيلية الرجعية العربية ، تقف دونها عقبات كثيرة كأداة ، فروسيا لن تسمح لأمريكا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في سوريا وهي التي عادت من خلال اشتراكها في الحرب السورية قطبا عالميا منافسا بشدة للولايات المتحدة الأمريكية كما أن إيران وتركيا ، التي أدركت مؤخرا بأن أمريكا تسعى لتقسيمها وتفتيتها ، لن تسمحا للانفصاليين الأكراد بتدميرهما ، وكذلك فأن حزب الله لن يسمح لا للسعودية ولا لأعوانها في لبنان بتهديد استقرار  لبنان ووحدته ، وهذا ما عبر عنه السيد نصر الله قوله حينما شدد في آخر خطاب له على أن اليد التي ستهدد امن لبنان سوف تقطع ،  ناهيك عن أن الشعب الفلسطيني لن يوافق على تحرير أي صفقة سياسية لا تلبي حقوقه المشروعة في الدولة والعودة وتقرير المصير .

بقي القول أن أوساطا واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في أوروبا باتت تدرك بأن توجه ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران بات يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وكذلك مصداقية الولايات المتحدة في مجال التزامها بما توقع عليه لا سيما بعد انسحاب ترامب من اتفاقية باريس الخاصة بالمناخ ، ولذلك فهي تعارض توجهات البيت الأبيض غير المسؤولة، وان لم تقل علنا بان الهدف منها هو حماية إسرائيل عبر الضغط على إيران وليس حماية الأمن القومي الأمريكي .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/10/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد