التقارير

تقرير خاص: ’’مجمع الحديث’’.. خطوة على طريق التغيير والانفتاح


مالك ضاهر ..

دون سابق إنذار أعلنت السلطات السعودية عن إنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف ومقره المدينة المنورة، وذلك بحجة العمل لخدمة الشريعة والحديث عبر مزيد من الدرس والتمحيص، وبالتالي سينضم هذا المجمع إلى سلسلة المؤسسات الدينية التي أثير حول عملها الكثير من علامات الاستفهام خاصة أن التجارب أثبتت عدم جدوى الكثير منها، ناهيك عما يجري اليوم من أحداث تدلل عن عدم رضى سعودي رسمي عن أداء كثير من رموز المؤسسة الدينية في المملكة، علما أن الشرائح المختلفة في المجتمع طالما كانت تنفر من تصرفات هذه المؤسسات.

 

التحسس الدائم من ممارسات السلطة والثقة المهزوزة!!

وعلى الرغم من أهمية الموضوع الذي سيشكل أساس عمل المجمع، ومع الاعتراف بأهمية الفكرة وضرورتها لمنع دس أي أحاديث أو روايات خارجة عن الدين ومنع تسرب الأقوال ونسبها إلى الرسول، يبدو أن طرح التساؤلات حول هذه الخطوة هو أمر مشروع باعتبار أن تأسيس المملكة السعودية استند على الأسس الفكرية للمذهب الوهابي وعليه تم تثبيت أواصر الحكم وبُنيت المؤسسات على اختلاف أشكالها، كما نشأت أجيال من الناس على أحكام هذا المذهب التي تم تدريسها في المدارس والجامعات والحلقات الدينية وتم إدخال كل شي في المذهب الوهابي على أنه الدين وعلى أنه الشريعة الإسلامية التي يجب العمل بها ولم يعد باستطاعة المواطن السعودي البسيط التمييز بين الدين الإسلامي المحمدي الأصيل وبين مذهب محمد بن عبد الوهاب، لذلك كله لماذا تنتظر السلطة السعودية حتى العام 2017 كي تدرك أنه يجب تنقية الأحاديث النبوية مما أدخل إليها من أساتذة ومشايخ المذهب الذي حكم بسيف الملوك منذ تأسيس المملكة السعودية؟ ولماذا لم يحصل في السابق أن تم العمل على هذا الموضوع؟ وهل خلفيات هذا الأمر دينية بحتة أم أن لها خلفيات سياسية تخدم مصالح بعض الجهات الحاكمة في المملكة؟

الواقع أن كل ما باتت تقوم به القيادة السعودية أو السلطات المختلفة فيها بات يثير الحساسية والتعجب والاستغراب وصولا لإثارة الريبة في نفوس شرائح عديدة في المجتمع السعودي بشكل خاص وفي المجتمعات الإسلامية عامة، وذلك هو نتيجة التخبط الذي نشهده في كثير من الملفات الداخلية والخارجية التي تخوض فيها المملكة، فالثقة بين عامة الناس والسلطة أصابها شيء من الشك والاهتزاز لذلك بات الإنسان يطرح التساؤلات عند كل قرار وعند كل مفترق طرق تسلكه السلطات الحاكمة، خاصة مع وجود فرق من المهللين والمرحبين للقرارات التي يتم إسقاطها على الناس من الأعلى، الأمر الذي يثير الاستفسارات عن المسؤول عن إيصال الأمور إلى هذا الحال على صعيد الدولة السعودية ككل.

 

 مجمع الحديث بين التهليل والتشكيك

وبالعودة إلى مسألة مجمع الحديث، يظهر بوضوح أن وسائل إعلام محسوبة على السلطات السعودية راحت تروج لأهمية هذا الموضوع وضرورة وجود جهة تختص رسميا بفحص كل شيء له علاقة بالسيرة النبوية بكل تفاصيلها وما يمكن أن تكون قد تعرضت له من تشويه عبر التاريخ القريب أو البعيد، وجرى التأكيد على أهمية وظيفة تنقية الشريعة من كل القضايا الدخيلة عليها، كما سيقوم المجمع بتفسير الأحاديث والروايات المختلفة ما يفتح الباب أمام حصول تغييرات معينة في تأويل أحاديث كثيرة منها تحمل عدة تفسيرات، ما يدلل على خطورة وحساسية المهمة الملقاة على المجمع سواء فيما يتعلق بمستقبل وصورة المملكة وتأثير الشريعة والسيرة النبوية فيها.

 وفيما تحدث البعض عن أهمية جعل مقر المجمع في المدينة المنورة ودلالة ذلك باعتبار أن المدينة هي مكان هجرة رسول الله ومكان دفنه، أشار البعض إلى أن "المجمع سيضم مجلس علمي يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم ويعين رئيسه وأعضاؤه بأمر ملكي"، علما أن الأمر الملكي بإنشاء المجمع قرر تعيين الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء رئيسا للمجلس العلمي للمجمع، ما يؤكد سياسة التهميش والإقصاء المتبعة بحق الكثير من الوجوه العلمائية خدمة لمشاريع سياسية معينة.

من جهتها، تحدثت وسائل إعلام سعودية أن "إنشاء المجمع يؤكد حرص الملك سلمان على السنة وهو انتصار للسنة النبوية المشرفة وتحصينا للشباب من التطرف والغلو"، وهذا الكلام يثير الاستفسارات عن أن القيادة الحالية أحرص على الشريعة الإسلامية والسيرة النبوية من كل القيادات السعودية التي مرت عبر سنوات الحكم الماضية، وعن مدى ترك هذه القيادات الشباب السعودي في مهب التطرف والغلو والإرهاب.

 

 دور المجمع.. وتغيير النظرة إلى المملكة

وبحسب المعلومات فإن المجمع سيكون له جانب من التواصل مع الناس لا سيما عبر مواسم الحج والعمرة، حيث ستوزع كتب وإصدارات المجمع على عامة الزوار بالمجان ما يعني أن تأثيره لن يكون داخليا بل سيصل بسهولة ويسر إلى كثير من المسلمين في كافة أنحاء العالم، وذلك أسوة بما يحصل من توزيع واسع النطاق للمصحف الشريف الذي يطبع في "مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف".

وما يجري اليوم في المملكة لا يمكن فصله عن سلسلة الأحداث التي تحصل والقرارات التي تتخذ في المملكة بهدف تغيير النظرة الكونية عن هذه البلاد في دعم التطرف والإرهاب سواء فكريا أو عمليا في دنيا الواقع، ومسألة الدعم المادي والعضوي للإرهاب تحاول السلطات إبعادها عنها عبر إلصاقها بجهات أخرى سواء جماعات وتيارات كالإخوان المسلمين أو دول وحكومات كالنظام القطري.

لكن المعضلة الأساس هي في النبع الفكري للإرهاب الذي لا يخفى على أحد أن ينهل ويرتوي من المصدر الوهابي السعودي، ومن هنا يمكن فهم حملات الاعتقال والإقصاء التي طالت العلماء ورجال الدين على امتداد المملكة ووجوب تغيير الوجوه التي تعود الناس على مشاهدتها عند الترويج للفكر المتطرف، وبما أن كل ذلك لا يكفي كان لا بدَّ من إحداث تغييرات تطال الفكر المتطرف نفسه لأن تغيير الوجوه لن ينفع كثيرا في عصرنا الحالي، ويبدو أن خطوة إنشاء هذا المجمع ستصب في خدمة هذا الهدف عبر محاولة إزالة بعض التفسيرات لأحاديث تستخدم في الفكر الوهابي التكفيري وصولا لإعطاء تفسيرات تتماشى أكثر فأكثر مع الصورة المنفتحة التي تعطى اليوم عن المملكة السعودية أمام الرأي العام العالمي عامة والغربي بشكل خاص.

يبقى أن الحكم الأكيد على المجمع سيكون عبر الأداء والممارسة التي ستظهر من خلال الأحكام والقرارات والفتاوى والتفسيرات التي سيصدرها، وأن كانت ستساهم أكثر فأكثر في إعطاء الصورة المنقحة للمملكة التي تتجه يوما بعد يومٍ نحو تغيير تفرضه ظروفها ومصالحها ومصالح بعض الأطراف فيها.

أضيف بتاريخ :2017/10/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد