آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله راقدي
عن الكاتب :
أستاذ العلاقات الدولية جامعة باتنة

العرب وموجات حروب التدمير والاستنزاف


عبدالله راقدي

إذا كان نصيب بعض بلدان العالم في أوربا وآسيا وإفريقيا ديمقراطية وتعددية سياسية وإعلامية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من عمر العولمة، فإن الأنظمة العربية لاسيما الجمهورية منها وجدت نفسها  غارقة في أزمات ونزاعات وجودية مدمرة. فلماذا جاءت مخرجات مشاريع الإصلاح والديمقراطية عنفا وإرهابا ودمار ا عليها؟ وهل دول الاعتدال في مأمن  عن إكراهات العولمة ومن ثم فهي غير معنية بما حل بالدول العربية الأخرى من دمار وخراب؟ أم أن تبعات هذه الحروب من حيث دعم عملية تغيير الأنظمة بالمال والعتاد ستصل بها في النهاية إلى مرحلة الاستنزاف؟  يجد أن  نبدأ مع ما نراه الموجة الأولى التي يمكن وسمها، بموجة التدمير المنهج للجمهوريات العربية المناكفة

        حفلت عقود العولمة الثلاثة الأخيرة في المنطقة العربية بأحداث سريعة وكثيفة. كانت بدايتها من الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، واجهت  فيها الحكومة الجزائرية أثر توقيفها لمسار انتخابي تعددي – وكان محتملا أن يفوز فيه الإسلاميون بأغلبية المقاعد البرلمانية عام 1991 – تحديات مواجهة تنظيمات إرهابية عابرة للحدود. استمرت الحرب على الإرهاب أكثر من 5 سنوات. تكبدت الجزائر  فيها خسائر جسيمة في الأرواح أكثر  من 100 ألف قتيل، وخسائر مادية تقدر بمئات المليارات من الدولارات. برغم التكلفة الغالية إلا أنها نجحت في النهاية في دحر الإرهاب ومن ثم النجاح في رهان الحفاظ على الدولة الجزائرية الجمهورية. بل وبفضل دبلوماسيتها اللامعة تمكنت من إقناع الكثير في الشرق والغرب بصحة وصوابية المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب.

      ثم جاء الدور على العراق بتوريطه أولا في حرب مع إيران دامت ثمان سنوات 1980-1988 بدعوى وقف المد الثوري الشيعي، ثم ونتيجة عدم التزام بعض الدول العربية الداعمة للعراق بتسديد ما يراه نظام صدام مستحقات الحرب، فقد أقدم الرئيس العراقي على احتلال الكويت عام 1991. وبعدها وتحت يافطة الشرعية الدولية غزت الولايات المتحدة العراق  عام 2003 . وبسبب ذلك لازال العراق يعاني حالة من الفوضى والضياع جراء انهيار مؤسساته وبناه الاجتماعية والسياسية.  لم تلملم المنطقة العربية جروحها، حتى سقطت في شراك، موجة ” ثورات الاستنزاف والدمار العربي”.

          اسميتها  ب  “ثورات الاستنزاف والدمار العربي” لأنها جلبت الخراب والدمار  لمعظم البلدان العربية التي حلت بها.  وانتهت ببعضها إلى حالة اللادولة حيث يستحيل ممارسة السلطة  وإدارة  وتسوية الاختلافات المجتمعية السياسية. الأمر الأخر ، ولأن المشروع جاء كوصفة لمنطقة مهمة جيوبوليتيكيا وموضوعا لتجاذب جيوستراتيجي حاد، وجدت الدول العربية المنضوية في محور الاعتدال(لاسيما السعودية الإمارات وقطر)،  في وضع تأدية مهمة تنفيذ المشروع على الأرض في سوريا واليمن وليبيا. و تبعا لذلك، رصدت هذه الدول عشرات المليارات من الدولارات من أجل تغيير الأنظمة في هذه البلدان، وذلك عبر إنشاء شبكات دولية تجند وتسفر آلاف الإرهابيين بدعوى  الجهاد في سوريا. وكون مسار إسقاط النظام السوري فشل مع وجود طي الحكومة السورية لملف الحرب المتشعبة الأهداف والمتعددة الأطراف.

           فضلا على احتواء جغرافية المنطقة لدولة السعودية الطامحة للعب دور على الأقل كقائدة للدول العربية، توجد إيران الحالمة بإعادة بعث مشروعها الإمبراطوري، وتركيا الأردوغانية الرافعة لشعار “العثمانية الجديدة”. هكذا وجدت الإستراتجية السعودية متفاعلة صراعيا ونزاعيا مع تهديد إيراني بأذرعه المتعددة في لبنان واليمن والبحرين والكويت.  وهاهي السعودية تخفق في إدخال اليمنيين إلى بيت الطاعة عبر إلحاق الهزيمة بجماعة الحوثي المدعومة إيرانيا وإعادة تكريس الحكومة الشرعية. النزاع أخذ أبعادا إستراتجية جديدة بعد قصف مطار الرياض بصاروخ باليستي. لقد دفع هذا المعطى الجديد بالقيادة السعودية الجديدة إلى تبني إستراتجية ربط القضايا وإستراتجية الاستهداف، فبواسطتها أدرجت مسألة سلاح حزب الله ضمن تفاهمات الحكومة اللبنانية التي يجب عليها أن تمنع استخدامه خارج الحدود. وهي إستراتجية في تقديري للمقايضة في هذا الظرف العصيب الذي تمر به  في نزاعها مع اليمنيين. فاستدعاء سعد الحريري والطلب منه تقديم الاستقالة من الرياض يستهدف الضغط على إيران من أجل دفعها إلى إيجاد تسوية للمشكلة اليمنية المؤرقة جدا لها. فهل تسع العرب جغرافيتهم أم يهربون للتاريخ ويندبون حظهم الذي أوجدهم في ارض غنية بالبترول وتغلب شمسها سحابها.

              العرب إلى أين: السعودية المؤشر

“وهي تريد وضع الكحل على عين شابة لتجعلها تبدوا أكثر جمال، تسببت في عماها”، مثال اقرب لتفسير الطريقة التي تعاملت بها الرياض مع رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، فالسلوك  السعودي  يفتقد لقواعد العلاقات الدبلوماسية بين الدول، بل ويوحي وكأن لبنان واقع تحت الوصاية السعودية أو وكأنه ولاية من ولايات الخلافة العربية السعودية. ومن ثم فمن حقه وهو أمير المؤمنين استدعائه إن رأى منه تقصيرا أو عدم انضباط وهذا ليؤدبه أو يعزله.  علاوة على ذلك، أطلقت القيادة السعودية مشروع إصلاحي يمتد إلى غاية 2030، يهدف إلى بعث دولة سعودية جديدة في إطار ما يعرف بمشروع نيوم. يقوم هذا المشروع على الشروع في إصلاحات عميقة  للفكر الديني الوهابي، وللمنظومة  الثقافية والاقتصادية بغية الوصول إلى مجتمع الاعتدال والرقمنة.

 ويبدو أن إستراتجية التوريط في أكثر من صراع ستنتهي بالعربية السعودية إلى حالة استنزاف حادة، يضاف إليه مخرجات مشروع الإصلاح “نيوم،” الذي سينتج بنى اجتماعية متعددة ومتنوعة بإيديولوجيات  غير متجذرة وغير قادرة على التأطير، مقابل إيران التي يبدوا أنها  تسعى حثيثا من عرض مشروعها إلى توسيع قائمة المريدين والراغبين فيه، وتركيا المجددة لمشروع الإمبراطورية العثمانية. تجد السعودية نفسها و كأنها  هيأت  ظروف وشروط التقسيم على أساس شيء من الجغرافيا والمذهب والمدنية المتحضرة. وهي فرصة تاريخية بالنسبة لخصومها  وهم كثر في الفترة الأخيرة للمطالبة بتدويل إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية على غرار دولة الفاتيكان عند المسيحيين. أما القيادة فهي مؤجلة، ويفهمون حينذاك مغزى ” أكلتم يوم أكل الثور الأبيض”.

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/11/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد