آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

الجامعة العربية تنتهي رهينة.. والسعودية تسقط الأخوة باحتجاز الحريري


طلال سلمان

كشف الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية، بناء لطلب عاجل من المملكة العربية السعودية في شكوى تظلم من “التدخل الإيراني في الشؤون العربية” عن تبدل جذري في دور الجامعة..

لقد تحولت من “مؤسسة جامعة” ومنبر قومي لتأكيد اجتماع الدول العربية حول مشروع وحدة الموقف ووحدة القرار العربي، (وأساساً ضد العدو الإسرائيلي وقوى الهيمنة الغربية)، إلى منصة للأغنى يستخدمها ضد الأفقر من الدول الأعضاء (قطر تطرد سوريا!) أو السعودية تسخرها للهجوم على إيران مستهدفة، بالأساس “حزب الله” في لبنان.

تبارى الخطباء وهم يرفعون أيديهم من خلال عباءاتهم المذهبة بإشارات التهديد والوعيد، السعودي والبحريني والجيبوتي ومندوب جزر القمر الخ، ولم يتركوا افتراء أو تلفيقاً أو ادعاءً كاذباً إلا ووجهوه إلى التنظيم الوحيد الذي قاتل العدو الإسرائيلي، مرة ومرتين وثلاثاً، فهزمه وأجلى قوات احتلال عن الوطن الصغير.

لم يتذكر الخطباء الحرب الباغية على اليمن، وهي جريمة إبادة بحق البشر والعمران في واحد من أعرق البلاد العربية عروبة وحضارة.

ولا هم تذكروا الدور القذر الذي لعبته السعودية ومعها بعض دول الخليج في سوريا (وفي العراق)، ومحاولات إثارة الفتنة بين المسلمين خدمة لمشروع الهيمنة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين..

ولا هم تذكروا، بشكل خاص، احتجاز المملكة العربية السعودية، لرئيس حكومة لبنان سعد الدين رفيق الحريري، وإجباره على تقديم استقالته عبر مقابلة تحت رقابتهم، وعبر محطة تلفزيون تابعة لهم مباشرة “العربية”، بعدما استدعوه إلى الرياض من دون سابق إنذار وألزموه بقراءة نص كتبوه، واحتجزوه مع عائلته لعشرة أيام طويلة… ثم لم يفرجوا عنه إلا بوساطة فرنسية حازمة، استدعت أن يبدل الرئيس الفرنسي في برنامج رحلته إلى أبو ظبي لافتتاح تفريعة لمتحف اللوفر فيها، فيهبط في الرياض، ويتمنى على ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية الأمير محمد بن سلمان أن يفرج عن “رهينته” رئيس الحكومة في بلد آخر (شقيق) .. ثم أن يوفد وزير خارجية فرنسا “لبحث التفاصيل”، قبل أن يُسمح للرئيس الحريري بالسفر مع زوجته، ومن دون ولديه، إلى باريس لكي يكرمه الرئيس الفرنسي ماكرون بحفاوة استثنائية ويستضيفه إلى مائدة غداء عائلية في قصر الاليزيه..

الطريف أن مملكة الصمت الأبيض والذهب الأسود هي من طلب هذا الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية، وهي التي شكت إليها التدخل الإيراني في الشؤون العربية الداخلية، في حين أن الحملة داخل الاجتماع تركزت على “حزب الله” وتدخلاته الحربية على امتداد المشرق العربي من لبنان إلى اليمن..

ولقد شارك في هذا الهجوم القاسي كل “الدول” المرتهنة للسعودية وذهبها… ثم انفض الاجتماع الخطير ببيان يندد بالتدخل الإيراني في الشؤون العربية، مع مرور على دور “حزب الله” التخريبي في المشرق جميعاً، وربما في المغرب العربي أيضاً..

هكذا تكون السعودية، ومن معها من الدول التابعة، قد وجهت ضربة قاضية إلى هذه الجامعة التي صدعتها ـ بداية ـ الخطيئة المميتة للرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارته دولة العدو الإسرائيلي ومصالحتها على دماء الجيشين العربيين المصري والسوري، كما على دماء شهداء الاحتلال الإسرائيلي من أبناء فلسطين وسوريا ومصر ولبنان والعراق والأردن والجزائر وليبيا والمغرب الذين شاركوا في قتالها لإجلائها عن الأراضي المحتلة في الأعوام 1948 ـ 1956 ـ 1967 ثم 1973… ثم على امتداد الثمانينات والتسعينات حتى أيار العام 2000 لإجلائها عن لبنان، ثم في 2006 لإلحاق الهزيمة بها في حرب تموز ـ أب.

لقد وجهت السعودية ضربة قاسية إلى الاستقرار في لبنان، وهتكت الأعراف الدولية والأصول المعتمدة بين الدول باحتجاز رئيس حكومة في دولة أخرى (بغض النظر عن كونه يحمل جنسيتها) لمدة تقارب الأسبوعين من دون أي تفسير، ثم تركته بناء لشفاعة دولة أجنبية ـ فرنسا ـ وليس بسبب من “نهوض” جامعة الدول العربية لنجدة “الرئيس المحتجز”، واستمرت في استرهان عائلته..

لم نسمع أن الجامعة العربية قد تحركت فاستنكرت أو احتجت ولو عبر بيان، أو حتى عبر مداخلة في اجتماعها الطارئ لبحث شكوى السعودية ضد إيران… بل أن أمينها العام البائس، أبو الغيط الذي جاء إلى بيروت، بعد يوم واحد، ولأسباب لا علاقة لها باحتجاز الحريري في السعودية حاول تبرير البيان القاسي إلى حد الفظاظة ضد إيران، بأنه لا يستهدف “حزب الله” ودوره في مقاومة العدو الإسرائيلي وتحرير لبنان.

في الأمثال الفرنسية واحد يقول ما ترجمته: “من يعطي يأمر”..

ولكن هذه الخطيئة السعودية التي تضرب الأخوة العربية في الصميم، وتخرق الأصول الدبلوماسية (فضلاً عن موجبات الضيافة التي تحولت إلى اختطاف الضيف واسترهانه وإذلال دولته)، لا يمكن أن تبشر بمستقبل باهر لولي العهد ـ صاحب الخطة الأميركية التي تعد بدخول العصر بنهوض شامل واحترام لحقوق الإنسان.

الأهم: أن هذه الخطيئة تنتهك وتسقط أرضا كل ما يحكى ويكتب عن الأخوة العربية، إذ يبدو أن الجلافة البدوية هي الأعمق تأثيراً على “الملك الجديد” الذي خلع وليين للعهد من أهله الأقربين واحتجز رئيس لحكومة لبنان في الدولة التي يحمل علمها الشعار الإسلامي مجللاً بالسيف واسم الجلالة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/11/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد