آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

الاعتراف بوحدة سوريا وبالأسد مدخل رئيس لإنجاح مفاوضات جنيف


د. عصام نعمان
 
كل أطراف الأزمة السورية يشاركون في مفاوضات جنيف8- . بعضهم يشارك مباشرةً، وبعضهم الآخر مداورةً. الحكومة السورية من جهة والمعارضة السياسية لها من جهة أخرى يتفاوضان مباشرة لكن بالواسطة. الواسطة هي المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا. أمريكا وروسيا وتركيا وإيران والسعودية تتفاوض مباشرةً حيناً ومداورةً حيناً آخر عبر المبعوث الأممي إياه.

المفاوضات متعثرة رغم بلوغها جولتها الثامنة، وقد تصل في تعثرها إلى الجولة الثمانين، ما لم يتفق أطرافها جميعاً على ولوجها من مدخلها الصحيح والرئيس: الاعتراف بوحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني، والتسليم بوجود بشار الأسد في رئاستها. ذلك أن طرفيـن فقط، روسيا وإيران، من بين الأطراف الستة المعنية بالمفاوضات يعترفان فعلياً بوحدة سوريا وبالأسد. لماذا الآخرون لا يعترفون؟
المعارضة السورية لا تعترف بوحدة سوريا، أي بحكومتها المركزية في دمشق، لأن الاعتراف بذلك يعني الاعتراف برئيسها بشار الأسد. بعض أطراف المعارضة، ومن ورائهم السعودية، لا يريدون الاعتراف بالأسد لأن الاعتراف به يعني خسارة «مشروعية» الحرب ضده وضد نظامه، لذا صدر عن منصة الرياض المعارِضة، عشية جنيف، بيان استفزازي ضد الأسد لعرقلة المفاوضات.

تركيا لا تريد الاعتراف، في هذه المرحلة على الأقل، بالأسد لسببين: خلاف شخصي وسياسي بين رجب الطيب أردوغان والرئيس السوري، ومطامع تركيا في أراضٍ سورية لها صلة بسعي أنقرة إلى إبعاد أي سيطرة للكرد السوريين عن حدودها.

أمريكا لا تريد الاعتراف بالأسد لأنها ما زالت مشاركة وناشطة في تحقيق مخططٍ قديم – جديد مع «إسرائيل» يرمي إلى تفكيك سوريا إلى جمهوريات موزٍ تقوم على أساس قَبَلي أو مذهبي أو إثني.

السعودية وأمريكا وتركيا ترجمت عدم اعترافها بوحدة سوريا بتدابير ووسائل عدّة، ليس اقلها تزويد التنظيمات المسلحة المعادية لها بالمال والسلاح والعتاد والغذاء. كما سمحت تركيا بنقل الأسلحة والمقاتلين عبر حدودها إلى التنظيمات التي تقاتل الجيش السوري. أكثر من ذلك، تضغط أمريكا على سوريا (وتركيا) للقبول باشتراك ممثلي الكرد السوريين في مفاوضات جنيف، بوفد مستقل عن سائر أطراف المعارضة السورية. كما تعارض واشنطن في تعديل نظام نقل المساعدات الإنسانية الأممية إلى الداخل السوري عبر الأردن، في حين تحاول روسيا تعديله في مجلس الأمن الدولي كي يضمن مشاركة الحكومة السورية في إجراءاته، كونها صاحبة السيادة على الأرض.

روسيا وإيران تحترمان سيادة سوريا وتدعوان دائماً إلى احترامها، وتقولان إن أي وجود عسكري لهما في أراضيها إنما جرى ويجري بعلمها وموافقتها. لذلك تعمل روسيا لضمان مشاركة سوريا في نظام توزيع المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود مع الأردن، وقد تقدمت باقتراح عملي لمجلس الأمن في هذا الخصوص.

أين سوريا من كل هذا الذي يجري داخل أراضيها وعلى حدودها، وفي أروقة قصر الأمم في جنيف وقاعة مجلس الأمن في نيويورك؟

سوريا أعلنت دائماً تمسكها بتحرير جميع مناطقها التي وقعت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، أو تسللت إليها قوات أجنبية واستقرت فيها من دون موافقتها. لذلك تستمر حرب سوريا وحلفائها على ما تبقّى من مقاتلي «داعش» و»النصرة» في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين، كما في محيط دمشق والغوطة الشرقية. وهي تتحفظ على وجود وحدات أمريكية في منطقة التنف على الحدود بينها وبين العراق، كما في محافظتي الرقة والحسكة في الشمال الشرقي، وتتحفظ أيضا على وجود قوات تركية في شمال محافظة أدلب، وهي تأمل بانسحاب كل هذه القوات الأجنبية بعد الإعلان رسمياً عن دحر «داعش» و»النصرة» وطردهما من كل الأراضي السورية.

ماذا لو بقيت قوات أجنبية في سوريا بعد إعلان الانتصار رسمياً على التنظيمات الإرهابية؟

سوريا تمسّكت دائماً بمبدأ جلاء جميع القوات الأجنبية عن أراضيها، لكنها لم تعلن بعد ما تنوي فعله إذا ما تلكأت هذه القوات في الانسحاب. غير أن خبراء عسكريين مقّربين من الحكومة في دمشق أكدوا أنها وحلفاءها لن يتوانوا عن الضغط، سياسياً وعسكرياً، على الدول التي تنشر قوات في أراضيها من دون موافقتها لحملها على سحبها من دون شروط.

في هذا السياق، يبدو واضحاً أن التكتيك الذي يعتمده الوفد السوري الرسمي، برئاسة بشار الجعفري، في مفاوضات جنيف – 8 والمتمثل في التحفظ على تسريع وتيرة المفاوضات، إنما يعكس سياسة دمشق الرامية إلى كسب الوقت اللازم الذي يحتاجه الجيش السوري وحلفاؤه من أجل تحرير ما تبقّى، ولو تدريجياً، من المناطق السورية التي ما زالت تحت سيطرة جهات متمردة على الحكومة السورية أو متواجدة من دون موافقتها على أجزاء من ترابها الوطني.

إذ تكافح دمشق على الأرض وفي الأروقة الدبلوماسية لاستعادة سيطرتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، تلقى دعماً سياسياً وعسكرياً من موسكو وطهران لتحقيق هدفها الإستراتيجي. ويبدو أن لا سبيل إلى إنجاح المفاوضات والتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية المتطاولة إلاّ بإقرار الأطراف المعنيين، كبارهم وصغارهم، بأن التسليم ببقاء الأسد والاعتراف بوحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني، هو المدخل الصحيح والشرط الرئيس لإنجاح المفاوضات وصوغ الحل السياسي المتوازن والمنشود.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2017/12/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد