آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

جبل الشيخ الأمرُ لنا وطيران العدو معطّل في المنازلة الكبرى...!


محمد صادق الحسيني

لطالما تغنّت «إسرائيل» بسيطرتها على قمة جبل الشيخ السوري وأهمية تلك السيطرة من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية. إذ إنها تتيح للجيش «الإسرائيلي» التمتّع بسيطرة نارية على محاور جانبَيْ الحدود اللبنانية السورية المقابلة لمواقعه في جبل الشيخ، بينما تمنحه أو توفر له مراصده الاستخبارية والتجسّسية المقامة على قمم جبل الشيخ إمكانيات ضخمة لجمع المعلومات ومراقبة التحرّكات العسكرية والمدنية ليس في سورية ولبنان فقط، وإنما في شرق المتوسط كلّه، أي أنها توفر له مزايا استراتيجية مهمة ذات تأثير كبير على مجريات المعارك العسكرية، في حال حصولها في هذه الجبهة. وكذلك الأمر بالنسبة لمسار الصراع العربي «الإسرائيلي» بشكل عام، والصراع مع حزب الله بشكل خاص والذي هو القوة العسكرية العربية الشعبية الوحيدة التي تواجه الجيش «الإسرائيلي» باستراتيجية واضحة ومدروسة وعلمية وحرفية عالية جداً سوف تؤدّي بالضرورة إلى إنهاء الوجود الاستيطاني اليهودي في فلسطين…

وانطلاقاً من الأهمية المُشار إليها أعلاه، فقد قام الجيش «الإسرائيلي» وعلى مدى السنوات الماضية بمحاولات مستمرة لتعزيز سيطرته على قمم جبل الشيخ، وذلك من خلال دعم وتسليح عصابات داعش والنصرة وغيرهما من المسمّيات في أرياف القنيطرة الشمالية والجنوبية، بهدف إبعاد وحدات الجيش السوري وحلفائه عن خطوط وقف إطلاق النار، وبالتالي تعطيل جهود تحرير الجولان وما بعد الجولان.

لكن قيادة قوات الحلف المشتركة التي نشأت على خلفية الحرب الكونية على سورية منذ نحو سبع سنوات واصلت أخيراً تحرّكها الديناميكي الفعّال الهادف إلى إبطال أو إلغاء مفاعيل المتغيّرات التي فرضها الجيش «الإسرائيلي»، عبر العصابات المسلحة، في الميدان سواء في أرياف القنيطرة أو في أرياف درعا.

ذلك التحرّك العسكري التكتيكي في المحاور المشار إليها أعلاه والذي يتّسم بنتائج ومفاعيل استراتيجية غاية في الأهمية وصل قمته يومَيْ الجمعة 22/12/2017 بتحرير قرية مغر المير وتحرير بلدة بيت جن يوم 23/12/2017. فبالإضافة إلى النتائج المباشرة لذلك الهجوم المبرمج الذي ينفّذه الجيش السوري وحلفاؤه على امتداد جبهة الجولان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، والتي تمثّلت النتائج في تدمير مواقع ومقارّ العصابات المسلحة، بمختلف مسمّياتها وتكبيدها خسائر كبيرة في العديد والعدّة، وتقطيع أوصالها والاقتراب من إنهاء وجودها في تلك المناطق كافة وبشكل كامل. فإنّ تلك النتائج المُشار إليها أعلاه باتت تشكل القاعدة الأساسية في خطة تحرير الجولان وما بعد الجولان.

إنّ سيطرة الجيش السوري وحلفائه على القطاع الشمالي من جبهة القنيطرة، بشكل خاص، يعني من الناحية العسكرية المحضة «سقوط» جبل الشيخ بجميع ما يحتوي من مقارّ ومواقع وتجهيزات «إسرائيلية» عسكرياً، وإنّ القوات الحليفة ستكون قادرة، عند صدور أمر العمليات لها بالسيطرة المباشرة على تلك المواقع، بما يعني أنها فعلياً باتت قادرة على السيطرة على ذلك الموقع وتحريره من خلال عملية عسكرية صاعقة لا يحتاج تنفيذها لأكثر من كتيبتي قوات خاصة، تشنّان هجوماً منسّقاً على جانبي الحدود اللبنانية السورية، بحيث تنطلق كتيبة من محاور جينة / عين الفرا / في الجانب السوري ومن محور شبعا / عين عطا / في الجانب اللبناني، والذي سيؤدّي إلى السيطرة السريعة على قمم جبل الشيخ، تماماً كما حصل في جرود فليطة وجرود رأس بعلبك والقاع، خاصة أنّ الجيش «الإسرائيلي» في جبل الشيخ سيكون مضطراً للقتال بلا غطاء جوّي لأسباب عسكرية عديدة تتعلق بخطط المقاومة لهذه المعركة، والتي لا مجال للخوض في تفاصيلها في هذا المقام.

وهذا يعني أنّ الحصن الحصين للجيش «الإسرائيلي» في الجبهة الشمالية ساقط عسكرياً حتى قبل أن تبدأ معركة تحريره من قبل قوات حلف المقاومة. ومن هنا فإنّ معركة السيطرة على بيت جن ومزارع بيت جن وغيرها في هذا القطاع تتّسم بأهمية استراتيجية عالية سيكون لها عظيم الأثر في معارك المستقبل في الجولان وما بعد الجولان.

وبالنظر إلى أنّ القيادة العسكرية «الإسرائيلية» تعرف حق المعرفة عمق هذه الحقيقة ومدى اتساع تأثيراتها المستقبلية، فإنها تعتبر بأنّ هزيمة العصابات الإرهابية التكفيرية من جنس الشتيرن والهاغاناه وغيرها، والتي كانت تديرها في الجولان هي هزيمة مدوّية لها، ليس فقط من زاوية تكتيكاتها التي استخدمت بهدف إنشاء حزام آمن من العملاء لحماية قواتها في قطاع الجولان، بل وكما تعرف تماماً حجم التأثير الهائل لتموضع قوات حلف المقاومة على طول خطّ وقف إطلاق النار من الحدود الأردنية السورية جنوباً، وحتى مزارع شبعا شمالاً.

وهذا ما يفسّر حالة التخبّط والنزق التي تسود هيئة الأركان «الإسرائيلية»، إذ إنها تعتبر أنّ ما جرى هو بمثابة تحوّل استراتيجي في موازين القوى في الميدان لا يَصبُّ في صالح الجيش «الإسرائيلي».

وإذا ما أضفنا إلى ذلك عدم اكتراث الدول العظمى، روسيا والولايات المتحدة، بالصراخ «الإسرائيلي» حول الوجود المزعوم للحرس الثوري الإيراني على طول حدود الجولان، فإننا نشعر بعمق المأزق الذي تعيشه قيادة الجيش «الإسرائيلي» التي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع قوات ذات إمكانيات قتالية كبيرة ومعنويات وصلت عنان السماء إلى جانب قيادة لديها القرار الواضح والثابت بالاستمرار في الاستعداد للمنازلة الكبرى التي ستغيّر وجه المنطقة وتؤدّي إلى قيام وضع جيواستراتيجي جديد بالكامل، سيكون تحرير فلسطين كاملة هو حجر الزاوية فيه. وعليه فإنّ كلّ ما يُنشر من ضجيج إعلامي سواء لنتن ياهو ووزير حربه أو لسيّده في البيت الأبيض ليس له أيّ قيمة في ظلّ العجز الاستراتيجي الذي يعانيان منه.

وما نعنيه بالضبط هو عجزهم عن بدء حرب على حلف المقاومة أو على بعض أعضائه، ولأسباب عديدة أهمّها أنّ خطط حلف المقاومة تركز على إخراج سلاح الجو «الإسرائيلي» بشكل كامل من المعركة حتى قبل بدئها ما سيتسبّب في هزيمة الجيش «الإسرائيلي» حتى قبل انطلاق أو بدء المعركة أو المنازلة الكبرى المنتظرة.

بعدنا طيّبين، قولوا الله…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2017/12/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد