آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

منذ إنشاء الدولة الصهيونية لم تفارقها خطة التوسع الذي كان الفلسطينيون هم ضحاياه الأولون (وعرب الاعتدال) هم اللاحقون..

 
د. عبد الحي زلوم

في يونيو 1963 وبعد توليه رئاسة الحكومة مباشرة،  سارع ليفي إشكول لطرح قضية توسيع حدود إسرائيل.

 على بساط البحث مع رئيس أركان الجيش زفي تزور ونائبه إسحق رابين. وقتها قال الجنرال تزور لرئيس الحكومة بأن الحدود المثالية لإسرائيل ستكون نهر الأردن شرقاً ونهر الليطاني شمالاً وقناة السويس كحد فاصل مع مصر.. بعدها بأسابيع قليلة عرضت القيادة العسكرية على رئيس الوزراء خطة حملت اسم: السوط، لاحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وتم تعيين حاييم هيرتزوغ حاكماً عسكرياً على الضفة في 1963 أي قبل احتلالها بأربع سنوات.. وفي خطة ثانية حملت اسم: “بناي أور”، تحدث القادة العسكريون بالتفصيل عن إعادة رسم الحدود الجديدة مع كل من مصر وسوريا، وكيفية البقاء فيها إلى أن توافق البلدان على توقيع اتفاقيات سلام نهائية مع إسرائيل، تتضمن إجراء تعديلات على الحدود الحالية وصولاً لخلق حدود آمنة جديدة.

يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف بهذا الشأن:
” لم يكن توسيع حدود إسرائيل مجرد حلم أخذ شكل الحديث العام… لدرجة أن الحديث دار حول ما الذي سينبغي على إسرائيل فعله بالضفة الغربية بعد احتلالها.. كانت الخيارات المتاحة إما ضمها لإسرائيل أو إقامة دولة فلسطينية تحت السيطرة تخدم كمنطقة فاصلة… كان النقاش يدور بسرية وتكتم ولذلك لم يجد صدى في الشارع الإسرائيلي”. ومضي سيغيف للقول:” غير أن فكرة إسرائيل الكبرى لم تكن غائبة عن أعين وأذهان تلامذة المدارس ممن هضموها، من النظر إلى اللافتات والكتيبات التي كانت توزعها الكتائب التربوية التابعة للجيش الإسرائيلي في المدارس عام 1959 . كان بعض الكتيبات يتحدث عن دولة إسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات، بينما يظهر البعض الآخر خارطة إسرائيل التي تضم غزة وسيناء والضفة الغربية.”

يدّعي الجنرال آلون بأنه طلب من رئيس الحكومة في حرب 1948قبل توقيعه على اتفاق حدود الخط الأخضر، بمنح إسرائيل العمق الاستراتيجي حتى نهر الأردن. كان الجنرال يشعر بأنه يجب الاستيلاء على غزة أيضاً، وكان كل ما يحتاجه هو بضعة أيام أخرى لتحقيق هذه الأهداف. الواقع أن العديد من زملاء آلون كانوا يشاطرونه شعوره العامر بالإحباط إتجاه بن غوريون، الذي ينظرون إليه باعتباره المسئول عن حصر اليهود في ” دولة مفتتة غير مكتملة يصعب بقاؤها على قيد الحياة”.

منذ العشرينات وحزب حيروت الذي يتزعمه ميناحيم بيغن ملتزم تماماً بطروحات زييف جابوتنسكي الخاصة بإسرائيل الكبرى، لدرجة أن الحزب اعتمد كنشيد خاص بالحزب تنص على:” لنهر الأردن ضفتان.. إحداهما لنا والثانية كذلك لنا”. وفي اليوم التالي لإعلان بن غوريون عن استقلال الدولة اليهودية عام 1948 نقل عن بيغن القول:” الآن أقيمت دولة إسرائيل، لكن دعونا لا ننسى بأن الوطن لم يتحرر بعد.. “. وكثيراً ما طالب بيغين بـ “تحرير” المناطق الواقعة خلف الخط الأخضر، وكان على قناعة تامة بأن الخليل وبيت لحم وشكيم ” نابلس″ بل وحتى عمان هي جزء لا يتجزأ من الوطن اليهودي”.

قبل عشرين يوماً من اندلاع حرب يونيو 1967 وقف الحاخام زفي يهودا كووك أمام طلبته في المدرسة الدينية: مركاز هارف يشيفا في القدس قائلاً:” أين مدينتنا الخليل.. هل  نسيناها؟ أين شكيم؟ هل نسيناها أيضاً؟ وأين أريحا.. هل نسيناها؟ وأين الضفة الشرقية أو الأردن؟”

في نوفمبر1966، أي قبل سبعة أشهر فقط من اندلاع الحرب، شكلت الحكومة الإسرائيلية مجموعتي عمل للمراجعة السياسية والإستراتيجية. أوكلت للجنة الأولى مهمة دراسة العلاقة مع الأردن، بينما تولت الثانية مهمة تقييم الوضع على الجبهة الجنوبية مع مصر، وشارك في اللجنتين ممثلون عن : الموساد واستخبارات الجيش، ووزارة الخارجية. استكملت اللجنتان عملهما في يناير1967 ورفعتا التقارير إلى الحكومة حيث حظيت بموافقة إيشكول ورابين.

يلخص شلومو غازيت من استخبارات الجيش موقف الجيش الإسرائيلي اتجاه الضفة الغربية بالقول:
” كان البعض يرى بأن نظام حسين يشكل مصدر ضرر لإسرائيل لأنها لن تستطيع غزو الضفة الغربية ما دام على رأس الحكم، وكانوا يعتقدون بأن أوضاع الضفة غير المستقرة آنذاك تمثل “كارثة لإسرائيل”. غير أن هناك من خالف هذا الرأي بالتأكيد على أن وجود حسين شيء “جيد بالنسبة لإسرائيل”. وهنا اتخذ غازيت موقفاً وسطاً بالقول” يقبل الجيش بالوضع الحالي بانتظار الفرصة لتغيير الأمر الواقع وخلق وضع مريح وموات لإسرائيل”. وأضاف غازيت أن احتلال الضفة يتطلب التفكير فيما ستفعله إسرائيل بها أو بالأحرى ما إذا كان باستطاعتها ضمها إليها بدون أن تتحول مع الوقت إلى سرطان يهدد وجودها من الداخل، خاصة وأن إسرائيل في هذه الحالة لن تضم منطقة فارغة من السكان. ولتحييد المخاطر التي تمثلها الضفة الغربية فإن على إسرائيل ، وكما يقول غازيت، العمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولكن تعتمد على الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بالدفاع والأمن الداخلي، يضاف لذلك الإشراف على السياسة الخارجية للدولة الفتية.

وفي وقت لاحق جاء في محاضرة في كلية الدفاع الوطني، بأن احتلال الضفة الغربية أصبح احتمالاً قائماً. وأن أي تردد مرده للمشكلة الديمغرافية التي ستواجهها إسرائيل نتيجة لهذه الخطوة.

ومن جانبها عرضت كلية الدفاع الوطني دراستها الخاصة بهذا الشأن انتهى معدوها إلى نتيجة مؤداها بأن الاحتلال سيكون مُجدياً اقتصادياً لإسرائيل ، وسيكون العرب مجرد أيد عاملة لدى المشاريع اليهودية.  وفي دراسة ديمغرافية أخرى  لمدير الكلية، حذر إيلعاد بيليد من أن السكان العرب في إسرائيل في تعاظم وبأنهم سيلحقون باليهود . وربما يتجاوزوهم من حيث العدد في موعد لا يتعدى 2035 بل وقبل هذا التاريخ في بعض المناطق التي يتركز فيها العرب. وفي حالة عدم تجريد العرب من حقوقهم المدنية فإن العرب سيكونون أصحاب ثاني وربما أكبر حزب سياسي في البلاد، مما سيقود إلى تجريد الدولة من هويتها اليهودية: ” وتجريد الفلسطينيين من الحقوق  سيتم اليوم بما تطالب به اليوم الدولة الصهيونية تحت مسمى يهودية الدولة.

بدأت إسرائيل حملتها الخاصة باستفزاز الدول العربية ودفعها للحرب.

كان المطلوب استفزاز سوريا أولاً لجر ناصر للحرب التي لم يكن يرغب دخولها في الواقع. كانت هناك منطقة منزوعة السلاح بين سوريا وإسرائيل. يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف:” موشيه دايان اعترف بأن 80% من المواجهات كانت نتيجة لمحاولات الإسرائيليين زراعة الأراضي هناك في خطوة غير ضرورية.

أما على الحدود الأردنية في الضفة الغربية، فقد صدقت توقعات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حيث عمد بعض الشبان الفلسطينيين من أبناء لاجئي 1948، إلى تنظيم أنفسهم على شكل وحدات كوماندو اعتادت عبور الحدود وزرع بعض المتفجرات. كان هذا آخر ما يرغب الإسرائيليون في رؤيته أو السماع به. ومع ذلك فإن مثل هذا التطور لم يكن بالأمر المفاجئ بالنسبة للمسئولين في إسرائيل. وطبقاً لبحث صدر في الخمسينات شارك في إعداده فريق يضم جنرالاً في الجيش، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وأستاذاً في شؤون الشرق الأوسط، فإن إسرائيل مطالبة بالاستعداد لمواجهة جيل جديد من الفلسطينيين.. جيل نشأ وترعرع في مخيمات اللاجئين ممن يعدون أنفسهم لجولة ثانية من المواجهة المتواصلة. ففي المخيمات اعتاد اللاجئون الاحتفاظ بمفاتيح منازلهم وتوريثها لأبنائهم ومنهما للأحفاد.. ويعتقد هؤلاء بأنه إذا كان اليهود احتلوا فلسطين تحت شعار العودة إلى أرض الأجداد بعد مرور ألفي عام، فإن حقهم لن يضيع وبأن بإمكانهم الانتظار لأن النصر حليفهم في نهاية المطاف. وتوصل معدو الدراسة الأمنية هذه والتي رفعت لمكتب رئيس الوزراء إلى نتيجة مؤداها أن على إسرائيل الاستعداد لمواجهة الإرهاب ما دام هناك لاجئون فلسطينيون. وفي دراسة أعدها أبا أيبأن، توصل وزير الخارجية الإسرائيلي إلى قناعة تقول بأن حرب العصابات ( أي المقاومة ) هي سلاح الضعيف، وبأنه لا يجدي شيء  ولا حتى الردع النووي مع السلاح الخفيف. وهذا يثبت بأن المقاومة هي الطريق الوحيد للتحرير حتى لدولة مدججة بالسلاح النووي .

وكان المخططون العسكريون الإسرائيليون قد أعدوا عدداً من الخطط لمهاجمة سوريا هي:
ü             العملية AX  وتنص على الزحف على دمشق واحتلالها.
ü             العملية Tongs وتدور حول احتلال مرتفعات الجولان وصولاً إلى شرق القنيطرة.
ü             العملية Concoction وهي خطة تكتفي بالاستيلاء على منطقة بأنياس.

شرع الإسرائيليون في تنفيذ خطة تصعيد الوضع على الجبهة السورية. وطبقاً للخطة أرسل الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة الموافق 7 أبريل 1967 بجرارين إلى الأرض المحايدة..وما  إن فتح السوريون النار حتى رد الإسرائيليون بنيران مماثلة، وسرعان ما تطور الأمر إلى لجوء الطرفين لاستخدام الدبابات. طلب رابين من إيشكول الموافقة على استخدام سلاح الجو، دارت على إثرها معركة جوية خسر فيها السوريون طائرتي ميغ. وعلى حد قول جنرال إسرائيلي فإن البداية الحقيقية لحرب الأيام الستة كانت في ذلك اليوم.

علمت إسرائيل بأن إدارة ليندون جونسون لا تمانع من توجيه إسرائيل ضربة لسوريا. وجاءت حملة التصريحات التي توالت على لسان المسئولين الإسرائيليين ضد سوريا ضمن هذا السياق، وبهدف خلق الأجواء المواتية لتوجيه الضربة المخطط لها. ولأن هيبة عبد الناصر لم تكن لتسمح له بترك سوريا وحيدة، فإن ذلك سيكون كافياً لجر رجل مصر لفخ الحرب.

كانت حرب الساعات الستة أقرب منها إلى مناورة بالذخيرة الحية من كونها حرباً. رتبت الاستخبارات المعادية حفلات سكر ومجون للطياريين المصريين ليلة ما قبل الهجوم. تمكنت المخابرات المعادية أن يكون المشير عبد الحكيم عامر في الجو مع بطانته ساعة الهجوم.  بل تمّ دعوة قادة الفرق في سيناء للاجتماع مع المشير في مطار فايد في الساعة 8 صباحاً حيث سمع هؤلاء القادة الطيران الإسرائيلي يقصف مطارهم وهكذا بقيت الجيوش المصرية في سيناء بلا قيادة طيلة اليوم الأول . شاهد الرادار الأردني  في عجلون أولى طلعات الطائرات  الإسرائيلية باتجاه مصر عند إقلاعها وتم إبلاغ مصر لكن الشيفرة كان قد تم تغييرها قبل ذلك بيوم ولم تصل المعلومة إلى المعنيين. لم يعرف عبد الناصر من أين جاءته المصيبة فقال توقعناهم  من الشرق فجاؤنا من الغرب!!! راديو دمشق الحكومي أذاع سقوط القنيطرة (خلف خط الدفاع الأول للجيش ) قبل أن تطئ قدم عسكري واحد من العدو لمرتفعات الجولان. انهار الجيش السوري حيث حسب أن العدو أصبح خلف خطوطه . ويقال أن مخابرات العدو رتبت ذلك لقاء مبلغ كبير  من رشوة بعض المسؤلين الذين رتبو تصريح راديو دمشق . خسر الأردن الضفة الغربية خلال يومين. وقضي الأمر لحرب مخابرات بإمتياز مع جيوش أنظمة سايكس بيكو التي لم تربح حرباً لأن وظيفتها كانت حماية الأنظمة لا الأوطان إذ رأينا أن 4000 من المقاتلين المؤمنين أوقفوا الجيش الإسرائيلي خمسين يوماً في غزة وثلاثة وثلاثين يوماً في جنوب لبنان..

وجاء نفر من أهل فلسطين من الجهلة لو أحسنا الظنون وقامت الأنظمة المهزومة بتنصيبهم (الممثلين الوحيدين) للشعب الفلسطيني ليتنازلوا أولاً على 78% من فلسطين ثمّ قبول حكم ذاتي تحت سيادة إسرائيل ولحراسة مستوطنات العدو حسب اتفاقيات أوسلوا حيث أضاعوا ما تبقى من فلسطين ولتصبح الخيانة وجهة نظر.


يتبع

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/01/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد