آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا نطالب برفض استقبال نائب الرئيس الأمريكي الزائر وقذفه بالبيض الفاسد في مصر والأردن؟


عبد الباري عطوان

بدأ مايكل بنس نائب الرئيس الأمريكي جولة في المنطقة العربية تبدأ بزيارة القاهرة، واللقاء بالرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت عنوان إعادة إحياء العملية السلمية بين العرب والإسرائيليين على أساس “صفقة القرن”، والقبول بالقرار الأمريكي بتهويد مدينة القدس المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية إليها، واعتبارها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

كنا نتمنى لو أن الرئيس المصري، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قاطعا هذه الزيارة، واشترطا لقبول لقاء بنس بتراجع حكومته عن قرارها الاستفزازي بإسقاط الهوية العربية والإسلامية عن القدس المحتلة، احتراما لمشاعر شعبيهما الغاضبة والمتأججة ضد هذه الخطوة، ولكنهما، ونقولها بكل أسف، لن يستجيبا لأمنياتنا ولا لمطالب شعبيهما، والمرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية أيضا، وسيفرشان السجاد الأحمر للضيف الأمريكي الزائر.

كان قرار الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا تواضروس القائد الروحي للأشقاء الأقباط في مصر والعالم العربي بمقاطعة زيارة نائب الرئيس الأمريكي، ورفض اللقاء به قرارا حكيما، مشرفا يعكس وطنية هاتين المرجعيتين ومواقفهما المسؤولة في الحفاظ على الهوية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة، والثوابت الرئيسية للقضية العربية والفلسطينية.

اختيار القاهرة لكي تكون المحطة الأولى لزيارة نائب الرئيس الأمريكي لم يكن صدفة، فالإدارة الأمريكية تراهن على دور مصري لتسويق “صفقة القرن” المشبوهة، وممارسة الرئيس السيسي ضغوطا على السلطة الفلسطينية لتخفيف معارضتها لها، وقرار واشنطن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ورفع المقاطعة عن لقاء المسؤولين الأمريكان، وعلى رأسهم المستر بنس الذي اتخذته كرد على الانحياز الأمريكي الصارخ للمواقف الإسرائيلية.
*
نائب الرئيس الأمريكي الزائر يمثل إدارة أمريكية مكروهة عالميا، وشعبيتها هي الأسوأ في تاريخ  الإدارات الأمريكية، بسبب سياساتها العنصرية المعادية للعرب والمسلمين، وكل الشعوب الأخرى “غير البيضاء”، ولا يمكن أن ننسى في هذه العجالة وصف الرئيس دونالد ترامب للأشقاء الأفارقة بأنهم “حثالة” لا يريد مهاجرين من بلدانهم، ونتعفف عن استخدام الترجمة الحرفية لكلماته في هذا المضار.

مصر يجب أن تكون الدولة الأكثر معارضة لهذه الإدارة وسياساتها، ليس بسبب عنصريتها، وتهويدها للقدس المحتلة فقط، وإنما لأنها تتعاطى معها ورئيسها بفوقية، وكتابع لها، تستطيع ابتزازه ماليا، وتريد فرض صفقة قرنها عليها، وإقامة الدولة الفلسطينية على قطعة من أراضيها في شمال سيناء، حيث يكون قطاع غزة “الموسع″ هو هذه الدولة، وإعطاء الضوء الأخضر لدولة الاحتلال لضم الضفة الغربية، وترحيل أعداد كبيرة من أهلها إلى الأردن الذي سيتحول إلى الوطن البديل.

ومن المفارقة أن الأردن الذي سيكون المحطة العربية الثانية في جولة بنس رضخ للضغوط الأمريكية، وإعاد فتح السفارة الإسرائيلية في عاصمته، كخطوة لإنجاح هذه الجولة، مقابل “اعتذار” إسرائيلي منقوص عن استشهاد ثلاثة من مواطنيه برصاص رجال أمن إسرائيليين، ودون اعتقال هؤلاء والحصول على ضمانات مؤكدة بتقديمهم إلى العدالة.

أمريكا تستخدم سلاح مساعداتها المالية لكل من الأردن، ومصر، والسلطة الفلسطينية لإذلالهم، وفرض املاءاتها عليهم، وبما يخدم السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، ويكرس تهويد المدينة المقدسة، ولعل قرار إدارتها الأحدث بوقف 60 مليون دولار من مساعداتها لوكالة غوت وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، هو التطور الأخير الذي يعكس سياسات التجويع هذه، والبدء باللاجئين الفلسطينيين لترويع وترهيب الدول الأخرى المتلقية للمساعدات الأمريكية، وخاصة الأردن ومصر.

لا نطالب مصر والأردن بأن تسيران على نهج رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون في تحدي الإدارة الأمريكية وتركيعها، وكشف زيف تهديداتها، وأن كان من حقنا أن نفعل ذلك، ولكن نطالبهما باتخاذ مواقف صلبة رافضة لهذا الإذلال الأمريكي، والحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة والهيبة العربية، لأننا على ثقة بأن الشعبين المصري والأردني لا يمكن أن يقبلا بهذا الإذلال والمهانة لهذه الكرامة وهذه الهيبة، اللتين تُنتهكان على أرض القدس المحتلة، بل والأراضي العربية والإسلامية كلها على أيدي أساليب الغطرسة والعنصرية الأمريكية.
*

الشعبان الأردني والمصري تحملا الجوع والحرمان بشكل مسؤول حماية لبلديهما من الانزلاق إلى هوة عدم الاستقرار والانهيار الأمني، مثلما تحملا غلاء المعيشة نتيجة الضرائب الباهظة ورفع أسعار الخبز والسلع الضرورية الأخرى، ومن حقهما أن تتجاوب حكومتهما مع مشاعرهما ومطالبهما الوطنية المبدئية والوقوف بقوة في وجه الزوار الأمريكيين وحكومتهم، ورفض طروحاتهم العنصرية الداعمة للسياسات الإسرائيلية في تهويد المقدسات، وابتلاع ما تبقى من الأراضي المحتلة، ومن المؤلم أننا لا نرى أي توجهات في هذا الصدد، وإنما استسلاما كاملا لهذه الإملاءات الأمريكية.

قد تكون هبة الدفاع عن القدس المحتلة وهويتها العربية والإسلامية قد تراجعت قليلا خارج الأراضي المحتلة، ولكن الأمر المؤكد أن النار ما زالت ملتهبة تحت الرماد، والاحتقان يتضخم، والانفجار بات وشيكا، لأن الشعوب العربية قد تتحمل الجوع إذا كان مقترنا بالكرامة وعزة النفس، ولكنها قطعا لن تتحمله، وستنتفض ضده، إذا كان مقترنا بالتفريط بالحقوق الوطنية الأساسية، وعلى رأسها الهوية العربية والإسلامية للقدس المحتلة.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/01/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد