آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

نتنياهو المتهم بالفساد هل يلجأ إلى الحرب لاستئخار نهايته السياسية؟


د. عصام نعمان
 
مع توصيات الشرطة بإحالته إلى المحاكمة بتهمة حصوله على رشى، وإزاء إشادة النائب العام أفيحاي مندلبليت بالكفاءة المهنية للشرطة في تحقيقاتها معه، بات بنيامين نتنياهو في نظر الرأي العام ومعظم وسائل الإعلام على عتبة نهايته السياسية.

مع ذلك، ما زال زعيم تكتل الليكود ورئيس الحكومة الأكثر عناداً وتطرفاً في الحياة السياسية الإسرائيلية، مصّراً على المكابرة بقوله إنه لن يغادر منصبه من دون قتال، مندداً بالذين حققوا معه، وزاعماً انه كشف انقلاباً تحضّره قيادة الشرطة لاستبدال الحكومة الحالية من خلال تحقيق جنائي وشهادات كاذبة.
شهادات كاذبة؟

ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» (2018/2/14) ردّ عليه بأنه لم ينقض الوقائع القاسية التي نشرتها الشرطة، ولم ينكر أنه طلب وحصل على منافع شخصية ومبالغ مالية طائلة، ولم ينكر عملية مساومة أجراها مع ناشر صحيفة «يديعوت احرونوت» للحصول على دعمٍ له في قنواته الإعلامية، مقابل كبح صحيفة «يسرائيل هيوم» المنافسة له تجاريا. نتنياهو لم يناقش صحة الوقائع التي نشرتها الشرطة، بل اكتفى بإعطاء تفسير مغاير لها. أقوى الشهادات ضده جاءت من وزير المال السابق يائير لبيد، رئيس حزب «يوجد مستقبل» والمرشح الأبرز لخلافته في رئاسة الحكومة. لبيد كشف أن نتنياهو حاول تمديد «قانون ميلتشين» بغية منح إعفاءات ضريبية لرجال أعمال مقربين منه، وأن من شأنه أن يوفّر لميلتشين هذا عشرات ملايين الدولارات.

مع أن الاتهامات تأخذ بخناق نتنياهو، فإن نهايته السياسية لا تبدو وشيكة، ذلك أن إحالته إلى المحاكمة، تتطلب إصدار قرار اتهامي من النائب العام مندلبليت، الذي وإن كان يتجّه إلى اتهامه، إلاّ أنه لن يفعل ذلك قبل الشهر المقبل.

في هذه الأثناء تتخوّف أوساط متعددة الانتماءات السياسية من قيام نتنياهو، في سياق حملته للدفاع عن سمعته وبقائه في السلطة، بشن حرب على لبنان وحتى على سوريا. أبرز التخوّفات صدرت عن عديد عيران، الباحث المرموق في معهد دراسات الأمن القومي («مباط عال» 2018/2/14). عيران كشف أن كبار المسؤولين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عبّروا عن مخاوفهم من التحديات النابعة من سوريا ولبنان في المؤتمر السنوي للمعهد المذكور، وقالوا إنه في المعركة العسكرية المقبلة ستدفّع «إسرائيل» كل من يحاول ضرب جبهتها الداخلية ثمناً باهظاً، وأنها لن تسمح باستمرار المعركة عدة أسابيع كما جرى في صيف 2006.

وزير الحرب أفيغادور ليبرمان كان موقفه أصرح وأعنف. قال «إن الوقت الحالي فيما يتعلق بإيران وسوريا ليس للنباح بل للعضّ، وأن «إسرائيل» تعضّ بقوة من أجل حماية مصالحها». تصريح ليبرمان يلاقي تخوّف عيران (وربما معهد دراسات الأمن القومي أيضاً) الذي تساءل في دراسته «هل سيُشعل الغاز الطبيعي في البحر المتوسط حرب لبنان الثالثة؟».

يتضح من متابعة وسائل الإعلام ودراسات مراكز الأمن القومي، أن «إسرائيل» متخوّفة فعلاً من تحديين: تزايد تمركز إيران العسكري في سوريا خلال سنيّ الحرب الدائرة فيها وعليها، ورجحان الكفة في هذه الحرب لمصلحة الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي «يعطيه الإحساس بالثقة بالنفس ويدفعه إلى محاولة تغيير ميزان القوى الذي يتيح لسلاح الجو الإسرائيلي القيام بهجمات متتالية في سوريا لإحباط بناء قوة إيران وحزب الله («مباط عال»، 2018/2/13).

إلى ذلك، ثمة تخوّف من معطيات عن بناء مصانع لتصنيع صواريخ دقيقة لحزب الله في سوريا ولبنان، وأن من شأن ذلك تعظيم قدرات حزب الله وتهديد أمن «إسرائيل» القومي. وقد ازداد الأمر خطورةً بعد الكلمة اللافتة التي ألقاها في طهران قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، خلال مهرجان لتكريم الشهداء، (وفي مقدمهم القائد اللبناني المقاوم عماد مغنية) إذ شدد فيها على أن الثأر للشهداء إنما يكون بإزالة الكيان الصهيوني من الوجود.

كل هذه الواقعات والمؤشرات تعزز رأي فريق من القادة العسكريين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين، بأن أطراف محور المقاومة تتقدم تكنولوجياً وعسكرياً باطراد، وأنها جادة في محاولة تعديل موازين القوى لمصلحتها، ما يصعّب على «إسرائيل» أمر مواجهتها أو إضعافها، لذا يرى هذا الفريق أن ضرب إيران وحلفائها اليوم أفضل من الغد، وأنه يقتضي الإفادة من الظروف البائسة التي تمر فيها الدول المحيطة بـِ»إسرائيل» بغية تصفية الحساب معها قبل فوات الأوان.

مع أن عدوانية هذا الفريق جدّية وصارخة، إلاّ أن واقع الموازين العسكرية بين الطرفين المتقابلين في المنطقة لا يبعث على القلق، بل لعله يشي بالطمأنينة لأطراف محور المقاومة. ذلك أنها تمتلك عدداً هائلاً من الصواريخ الموجهة والدقيقة، ما يجعل «إسرائيل» تفكر كثيراً قبل الإقدام على مجازفة لا يمكن تقدير نتائجها الكارثية. مع العلم أن فريقاً آخر من جنرالاتها وخبرائها الاستراتيجيين لديهم من المعلومات ما يجعله يميل إلى الاعتقاد بوجوب عدم فصل الصراع الإسرائيلي- الإيراني عن السياق الدولي الأوسع، وضرورة النظر إلى موقف روسيا ودورها في الساحة السورية، وبالتالي تعميق الحوار معها، وكذلك مع الولايات المتحدة لحملها على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

يتحصّل من مجمل هذه الواقعات والمقاربات أن «إسرائيل» وإن كان لديها قدرات عسكرية ضخمة وتحظى بدعم هائل من الولايات المتحدة، إلاّ أنها تواجه، في المقابل، قدرات عسكرية متعاظمة لدى أطراف محور المقاومة، وإرادة مصممة على استخدامها إذا اقتضى الأمر. وقد تبدّى ذلك أخيراً في إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن المقاومة قادرة على تدمير منصات استخراج النفط الإسرائيلية خلال ساعات، إذا ما غامرت «إسرائيل» بالاعتداء على مناطق التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية.

في ضوء هذه التطورات من جهة، وإزاء تدهور نفوذ نتنياهو السياسي محلياً نتيجةَ أرجحية إحالته إلى المحاكمة من جهة أخرى، فإن إمكانية لجوئه إلى الحرب لاستئخار عملية إجلائه عن المسرح السياسي تبدو ضعيفة للغاية وبالتالي مستبعدة.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/02/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد