آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فهد الأحمدي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

العلاقة بين التعليم وذكاء المجتمع


فهد عامر الأحمدي

من الخطأ الاعتقاد أن «الناس» في الدول الصناعية المتقدمة أكثر ذكاء من «الناس» في الدول المتخلفة..

ما يزال هناك من يتبنى هذا الاعتقاد بسبب مظاهر التقدم العلمي والاصطناعي الذي يرتبط بالدول المتقدمة.. اكتشفت مبكراً سذاجة هذا الاعتقاد حين قمت بأول رحلة بها إلى أميركا في سن المراهقة.. اكتشفت (كما اكتشف كل مبتعث وسائح) أن ذكاء الفرد في الدول المتقدمة لا يختلف عن ذكاء الأفراد في الدول النامية والمتأخرة.. وبعد زيارتي لثمانين دولة حول العالم توصلت لقناعة بوجود فرق بين ذكاء الفرد وذكاء المجتمع.. وجود فرق بين الذكاء الشخصي للأفراد، ومتوسط الذكاء السائد في المجتمع بأكمله (وابحث في غوغل عن مقال بعنوان: الشعوب الغبية)..

.. فالإنسان بطبيعته الفردية مخلوق ذكي بصرف النظر عن جنسيته وموقع عيشه، ولكن المجتمعات تتفاوت في (متوسط الذكاء) الذي يتأثر بطبيعة الثقافة ومستوى التعليم والنضج الحضاري الذي وصلت إليه..

هـناك دراسات كثيرة قارنت بين متوسط ذكاء الشعوب وعلاقة ذلك بازدهارها الاقتصادي ونظامها السياسي وإنجازاتها العلمية.. اعتمدت على قياس ذكاء عينات جماعية كبيرة للخروج بمتوسط عام (وفكرة شاملة) عن ذكاء المجتمع وتأثره بمخرجات التعليم والثقافة السائدة..

وما يبدو لي أن جودة النظام التعليمي تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية رفع أو خفض متوسط الذكاء العام في كافة المجتمعات.. فكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وسنغافورة واليابان تملك حالياً أفضل النظم التعليمية (ويتفوق طلابها دائماً في منافسات العلوم والرياضيات) وبالتالي ليس مستغرباً أن تتفوق أيضاً في متوسط الذكاء السائد فيها (بمتوسط 108 نقاط لسكان سنغافورة وهونغ كونغ و106 لليابان وكوريا الجنوبية، مقارنة بمتوسط الذكاء المفترض لجميع البشر 100 نقطة)..

وهذا الارتفاع المتوازي (في الذكاء والتميز الدراسي) تؤكده نتائج الطلاب في هذه الدول، وعدد الابتكارات المسجلة فيها مقارنة بالمجتمعات الأخرى (حيث يحتل طلاب سنغافورة وهونغ كونغ بشكل دائم المراكز الأولى في اختبارات العلوم والرياضيات العـالمية في حين يأتي الكوريون الجنوبيون في مقدمة شعوب العالم من حيث براءات الاختراع المسجلة لكل مواطن)!

على أي حال، العلاقة بين جودة التعليم وذكاء المجتمع لا يجب أن تثير استغرابنا كونها ظاهرة ملموسة حتى على المستوى الفردي.. فجميعنا لاحظ أن المتعلمين أكثر ذكاء من غير المتعلمين، والمثقفين أكثر ذكاء من عامة الناس، ومن أتيحت لهم فرصة الاطلاع على ثقافات العالم أكثر ذكاء ممن لم يغادروا المدن التي ولدوا فيها.. وإذا أضفنا للتعليم والثقافة عوامل إيجابية أخرى (مثل النضج الحضاري وحرية الإبداع ورعاية المواهب) نفهم لماذا يرتفع متوسط ذكاء الشعوب في أوروبا وشرق آسيا عن متوسط ذكاء الشعوب في إفريقيا والدول العربية..

.. هل ترغب باختصار المقال في 16 كلمة؟
يوجد أغبياء وعباقرة في كافة المجتمعات، ولكن رعاية العباقرة ومكافحة الأغبياء (لا تتوفر في كافة المجتمعات).

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2018/02/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد