آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

هل نقرأ ترامب من أقواله أم من أفعاله؟


 د. عصام نعمان

كم هو صعب ومحيّر فهم هذا الرجل. هل نقرأه من أقواله أم من أفعاله؟ أيّاً ما كانت الطريقة فإن النتيجة تبقى من طراز: صدّق أو لا تصدّق!

إن أيّ محاولة لفهم دونالد ترامب هي تمرين في التخمين. لعل للرجل في باطنه مجموعة هواجس تتزاحم، وفي ظاهره شريحة تقلبات تتبدّى ثم تتبدّد. إنه شخص لغز لا يمكن توقع ما سيقول أو يفعل في أي زمان ومكان. قبل أيام، في خلال مناسبة مخصصة لملف البنى التحتية في الولايات المتحدة، أطلق تصريحاً اخذ المسؤولين في بلاده كما في العالم على حين غرّة. قال: «سنغادر سورية قريباً ونترك للأطراف الأخرى أن تهتم بالأمر، وسوف نسيطر مئة في المئة على أرض الخلافة بشكل سريع ونعود إلى أرضنا، إلى حيث ننتمي ونتمنى أن نكون».

ما الذي دفع ترامب إلى التفوّه بهذا الكلام؟

تعدّدت الآراء والاجتهادات. بعضها مال إلى ترجيح دافعٍ اقتصادي وأشار إلى عبارة لافتة وردت في تصريحه: «الولايات المتحدة أنفقت 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط ولم تجنِ منها شيئاً».

الدافع الاقتصادي ممكن ومعقول. فقد سبق لترامب، كما لغيره من مرؤوسيه، أن شكا من ضخامة ما تتكبده الولايات المتحدة من نفقات على التزامات أمنية وإغاثية في الخارج، وأن واشنطن تعتزم خفض دعمها المالي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وأنها طالبت دولاً عدّة في أوروبا بزيادة حصتها من نفقات حلف شمال الأطلسي. ثم أنها طلبت، واستوفت، خلال زيارة ترامب الأخيرة للسعودية، ما لا يقل عن 480 مليار دولار كأجور عن «خدماتها» الأمنية للمملكة خلال ما يزيد عن عشرة عقود.

فئة أخرى من أصحاب الرأي رجّحت أن لتصريح ترامب دافعاً سياسياً وأمنياً ناشئاً عن اقتناع واشنطن بأنها خسرت معركة توظيف «داعش» و«النصرة» وغيرهما في مخطط تقسيم سورية، دولةً وشعباً، وأنها أضحت في صدد الانتقال إلى مقاربة أخرى يتطلبها مخطط مواجهة إيران، ولا سيما بعد الإلغاء المرجّح للاتفاق النووي في شهر أيار/مايو المقبل، وما يمكن أن يترتّب على واشنطن في ضوء ذلك من ضرورة لإعادة النظر بوجودها العسكري في سورية والعراق وربما في أفغانستان أيضاً.

اللافت أن وزارة الخارجية أُخذت فعلاً على حين غرة بتصريح ترامب حول مغادرة سورية. الناطقة باسمها كادت تُقسم لمندوبي وسائل الإعلام بأن مسؤولي الوزارة لا علم لهم بمضمون التصريح أو بتوقيته. قالت إنها تفضّل مراجعة البيت الأبيض قبل تقديم أي تفسير مجزٍ للإعلام، لكنها لم تتوانَ عن القول إن لا وجود لخطة لدى الخارجية حول سحب القوات الأميركية من سورية. لاحقاً، أدلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدلوه في مجلة «تايم» مطالباً أميركا بإبقاء قواتها في سورية.

إذا كان تصريح ترامب مفاجِئاً فإن عدم جدوى بقاء قوات عسكرية لأميركا في سورية لم يكن كذلك لمعظم أعضاء الكونغرس. فالسفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، سبق أن كشف خلال جلسة استماع أمام إحدى لجان الكونغرس أن مجابهة إيران عبر الوجود العسكري والمدني الأميركي في سورية لن يكون مجدياّ، وأن الأفراد العسكريين والمدنيين الأميركيين «سيكونون عرضة للاستهداف بعمليات غير مباشرة من قبل شبكات الاستخبارات السورية الناشطة هناك».

إلى ذلك، فإن واشنطن مضطرة إلى الأخذ في الحسبان، عند إعادة النظر بوجودها العسكري في سورية، مسائلَ عدّة عالقة وشائكة:

– علاقتها السياسية والعسكرية مع الكُرد السوريين الذين تعاونوا معها في مواجهة «داعش»، كما في مراعاة علاقتها الحساسة مع تركيا.

– تركيا التي تعتبر «قوات سورية الديمقراطية ـ قسد» التي وظّفتها واشنطن لحسابها في سورية تنظيماً كردياً إرهابياً ومجرد فرع لحزب العمال الكردستاني التركي المنخرطة معه في حرب متطاولة منذ سنوات.

– «إسرائيل» التي توظّف لمصلحتها ولأغراضها بعض التنظيمات الإرهابية الناشطة في جوار الجولان السوري المحتل، وتريد معرفة هوية القوات التي ستحل محلها إذا ما استوجبت التسوية السياسية المقبلة انسحابها من مناطق انتشارها.

– الترتيبات السياسية والأمنية التي ستعتمدها أميركا في سياق مخططها الرامي إلى منع إيران من الانتشار عسكرياً في سورية، ولا سيما في جنوبها. ذلك أن هذا الأمر يهم «إسرائيل» مباشرةً والسعودية مداورةً.

– الترتيبات التي ترغب أميركا في اعتمادها لضمان مشاركة «إسرائيل» والسعودية، كما روسيا وإيران وتركيا بطبيعة الحال، في المفاوضات الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية للحرب الدائرة في سورية وعليها.

فوق ذلك، لا يمكن فصل تصريحات ترامب وممارساته عن الحرب الباردة التي اندلعت مؤخراً بين دول الغرب الأطلسي من جهة وروسيا الاتحادية من جهة أخرى، واقترنت بطرد عشرات الدبلوماسيين بين أطراف الصراع. فهل يُعقل أن يبقى الصراع مضبوط الإيقاع ومحدود الأثر إذا ما تأكدت صحة الخبر الذي أوردته صحيفة أميركية عن أن ترامب قال لبوتين في آخر اتصال هاتفي بينهما: «إذا كنتَ تريد سباق تسلّحٍ، فليكن؟».

كم هو صعب ومقلق وخطير أن يتصارع الكبار -وأحدهم نَزِق ومتهوّر على حافة الهاوية.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/04/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد