آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل سَنَصْحُو مِن النَّوم على ضَرَباتٍ صاروخِيّةٍ أمريكيّةٍ تَستَهدِف دِمشق تحت ذَريعة الأسلحة الكِيماويّة في الغُوطة؟وكيف سَيكون الرَّد الرُّوسي..؟


عبد الباري عطوان

من يُتابِع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي حَمَّل فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران مَسوؤليّة استخدام أسلحة كيماويّة في مَدينة دوما، ودعم الرئيس بشار الأسد الذي وَصَفَهُ بـ”الحيوان”، وتَوعَّد هؤلاء جَميعًا بِدَفع ثَمَنٍ باهِظ، يَخْرُج بانطباعٍ شِبه مُؤكَّد بأنّ هُجومًا صاروخِيًّا أمريكيًّا ربّما يَستَهدِف العاصِمة دِمشق هذهِ المَرّة باتَ وَشيكًا جِدًّا.

الاتّحاد الأوروبي بادَر فَورًا استصدار بَيانٍ رسميّ حَمّل فيه “نِظام الأسد” مَسؤوليّة هُجوم الغُوطة الكِيماوي، ومن غَير المُستَبعد توالي البَيانات المُماثِلة عن حُكومات أُوروبيّة وكنديّة وأستراليّة، مِثلما جَرت العادة لتهيئة الرأي العام لهذهِ الهَجمات، وقَبل أن تَبدأ التَّحقيقات الدوليّة المُحايِدة لمَعرفة الحَقيقة وتَوجيه أصابِع الاتّهام إلى الجِهَةِ المَسؤولة.

فريق الرئيس ترامب للأمن القومي يَعقِد اجتماعًا الليلة (بتوقيت أمريكا) لبَحث الرَّد على هذا الهُجوم الكِيماوي، فالقَرار أُتُّخِذ والمَسألة لا تحتاج إلى بَحث، وإذا كان هُناك بحث، فإنّه سَيُركِّز على حَجم هذهِ الضَّربة ونَوعيّتها، والأهداف التي ستَستهدِفها داخِل سورية، ولا نَستبعِد أن نصحوا فَجرًا على أنباء القَصف الصَّاروخي المُتَوقَّع.
***
توماس بوسرت، مٌستشار البيت الأبيض للأمن الدَّاخِلي ومُكافَحة الإرهاب، أكّد في مُقابَلةٍ مع برنامج “ويك إند” أو نِهاية الأٌسبوع، في مَحطَّة “أي بي سي” اليوم الأحد أنّه “لا يَستبعِد شَيئًا”، وأنّ الإدارة الأمريكيّة “تَدْرُس الهٌجوم في الوَقت الحالي.. وصُور الحَدث الكِيماوي مُرَوِّعة”.

وزارة الخارجيّة السُّوريّة نَفَت أيَّ استخدامٍ لأسلحةٍ كيماويّةٍ في الغُوطة، واتّهمت الأذْرُع الإعلاميّة لـ”جيش الإسلام” بِفَبركة هذهِ الرِّواية لاتّهام الجيش السوري الذي يُحَقِّق تَقدُّمًا مُضطّرِدًا في الغُوطة الشرقيّة ويُوْشِك على تَصفِية جُيوب المُسلَّحين فيها، وتَوصَّل إلى اتِّفاقٍ مع مُسلَّحِي “جيش الإسلام” على مُغادَرة مَواقِعِهم في مدينة دوما آخر مَعاقِله إلى جرابلس أو إدلب مُقابِل الخُروج الآمن، والإفراج عن 3500 مُعتَقَل وأسير.

سيرغي لافروف تَوقّع قبل أُسبوعين ما وَصَفَه بـ”فبركة” الجَماعات المُسلَّحة لاتّهامات باستخدام السُّلطات السُّوريّة لأسلحةٍ كيماويّة لتَقديم الذَّرائِع للرئيس ترامب لتَوجيه ضَرباتٍ لأهداف سُوريّة، وهَدَّد الرئيس الفَرنسي إيمانويل ماكرون أنّ فرنسا ستتدخَّل عَسكريًّا في حالِ حُدوث أيِّ استخدامٍ لأسْلِحَةٍ كِيماويّة.

وكالة الأنباء السُّوريّة “سانا” نَقَلت عن مَصدرٍ سوريّ رسميّ قوله “الجيش يتقدّم بسُرعة بإرادة وتَصميم في الغُوطة وليس بحاجة إلى استخدام أي نَوع من المَواد الكيماويّة كما تَدَّعي وتُفَبرِك بعض المَحطّات التَّابِعة للإرهاب”، مُضيفًا ” لم تَنفَع مسرحيّات الكيماوي في حلب ولا في بَلدات الغُوطة الشرقيّة، ولن تَنفَع الإرهابيين ورُعاتِهم اليوم، فالدَّولة السوريّة مُصَمِّمَةٌ على إنهاء الإرهاب في كُل شِبرٍ من أراضيها”، إنّه حَديثٌ يَنطوي على الكَثير من الثِّقة بالنَّفس، ولا بُد أن هُناك ما يُبَرِّرْها.

السُّؤال الأهم بالنِّسبةِ إلينا لا يَتعلَّق بالضَّربات الأمريكيّة التي باتت شِبه مُؤكَّدة، وإنّما كيفيّة التَّعاطي الرُّوسي مَعَها، بمعنى هل ستتصدَّى لها الصَّواريخ الرُّوسيّة مِن طِراز “إس 400” مِثلما هَدَّد قائِد هيئة أركان الجيش الرًّوسي، عِندما حَذَّر مِن أنّ هُناك قُوّات روسيّة تتواجَد في قواعِد ومُؤسَّسات عَسكريّة وأمنيّة في العاصِمة السُّوريّة دِمشق التي من المُرجَّح أن تَكون الهَدف الأمريكي القادِم؟

لا نَمْلُك أي إجابة على هذا السُّؤال المَشروع، ولا نَعتَقِد أنّ غَيرنا يَمْلُكها أيضًا، لأنّها تُصَنَّف في خانَة الأسرار العَسكريّة العُليا، لكنّه لن يَكون مُفاجِئًا بالنِّسبة إلينا على الأقل، إذا ما تَصرّفت القِيادة الرُوسيّة بِطريقةٍ مُختَلفة هذهِ المَرّة، اللَّهم إلا إذا كانت الضَّربات الأمريكيّة “استعراضيّة” على غِرار ما حَدث في العامِ الماضي، عندما أطلقت البَوارِج الأمريكيّة في البَحر المُتوسَّط 59 صاروخ كروز لقَصف قاعِدة الشِّعيرات الجَويّة قُرب مَدينة حمص، في أعقاب اتّهامات باستخدامها لانطلاق الطَّائِرة التي قِيل أنّها قَصَفَت مدينة خان شيخون في ريف إدلب بقُنبلة كِيماويّة، وكانَت نتائِج هذا القَصف خسائِر مادِيّة لا تَكاد تُذْكَر.
***
أمريكا تَكبَّدت هَزيمةً كُبرى على الأرض السوريّة، اعترف بِها الرئيس ترامب علانِيةً عندما قال قبل أيّام أنّه سيَسحب كُل قُوّاتِه من سورية، لأنّ بِلاده خَسِرَت 70 مِليار دولار فيها والمَكاسِب في المُقابِل كانت صِفْرًا.

الرئيس الامريكي يَتصرَّف مِثل الثَّور الهائِج الجَريح الذي يَتخبَّط، ويَضْرُب يَمينًا ويَسارًا، دُون وعي، وربّما يَستَعِد لارتكاب حَماقَةٍ كُبرى في سورية للثَّأر من هَزيمَتِه ومَشروعِه على أرضِها، لمَصلحة خَصْمِه الرُّوسي، والأمْر المُؤكِّد أنّه قد يَزيد من نَزيف جِراح هَزيمَتِه السِّياسيّة والعَسكريّة، وسيَدفَع ثَمنًا باهِظًا هذهِ المَرّة، هو وحُكومة الحَرب العُنصريّة التي تُحيط بِه، وتُشَجِّعُه على المَزيد من التَّهوُّر.. والأيَّام بَيْنَنَا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد