آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

التدخل الأجنبي يعقد الأزمات


د. سعيد الشهابي

حرب أخرى دقت طبولها، وبلد عربي يتعرض للمزيد من الدمار البشري والمادي، وأطراف «عربية» فتحت خزينتها لتمويل العدوان. تتم التضحية بالحجر والبشر من أجل تلبية نزوات شيطانية لدى البعض، فيما يتواصل الاستخفاف بالعقول والعواطف معا. سبعون عاما هو عمر الاحتلال الإسرائيلي لأرض المعراج ومهد كنيسة القيامة، وملتقى أديان السماء، وبدلا من جمع الكلمة ورفع صوت عربي وإسلامي واحد يطالب بتحرير هذه الأرض المقدسة التي يجثم عليها الاحتلال، تتواصل الحروب بأشكالها العديدة: البينية بين أبناء الملة الواحدة، والخارجية التي تستهدف بلدان العرب والمسلمين.

الطغيان وحين يتحالف الاستعمار مع الاستبداد تنشأ الحروب وتتمزق الشعوب وتدمر الأرض ومن عليها. بالأمس اجتمعت في الكويت الدول التي دمرت العراق تحت عنوان «إعادة الإعمار» ولم يحصد العراق من ذلك المؤتمر سوى وعود بقروض تضمن بقاءه في قبضة «الدول المانحة»، وفي مقابل ذلك يصادر موقفه السياسي وحريته في إدارة شؤونه بدون تدخلات خارجية. أما سوريا فما تزال بحاجة للمزيد من التدمير بعد سبعة أعوام ما بين مطرقة الاستبداد وسندان التدخل الأجنبي بالحرب أو الإرهاب. فمتى سيبدأ «إعمار» مدن الأشباح التي نعق الغراب عليها بعد أن دمر الحجر وقتل البشر. وماذا بقي من غزة التي دمرها الاحتلال مرارا؟ أهلها ما يزالون تحت الحصار، محرومين من المنازل ومعرضين للعدوان بين الحين والآخر. أما المعابر القليلة فتخضع لإرادة العسكر الذين يحكمون أكبر بلد عربي تم تحييده وأبعاده عن دائرة الصراع مع المحتل. وما يزال ما بقي من الإنفاق عرضة للاقتحام من طرفيها لمنع تسرب الطعام والدواء إلى أهل غزة. وتتضاعف المأساة حين يتضح أن هذا المحتل يستقبل بالترحيب في بعض العواصم العربية، بل أنه هو الذي يضع إستراتيجية الحرب والسلام في المنطقة، ويقرر الأهداف للعدوان الأجنبي. والأنكى من ذلك كله أن هذا العدو هو الذي يمد أنظمة الاستبداد بالخبرات الأمنية للتصدي لدعاة الحرية وعشاق الأرض وداعمي فلسطين. هذا العدو مسموح له أن يقتل أطفال فلسطين وشبابها العزل عندما يتظاهرون سلما على الحدود، مستذكرين النكبة المشؤومة التي حدثت قبل سبعين عاما. وما أن أعلنت الأمم المتحدة أنها ستبدأ تحقيقا في جرائم القتل التي ارتكبها ذلك المحتل، حتى أطفئ المذياع الذي ينقل أخبار القمع الصهيوني، وتم تبديل الموجة في غضون أيام قليلة ليبدأ الحديث عن حرب جديدة ضد بلد عربي آخر. فبعد أن استطاعت سياسات التحالف العربي ـ في تحييد العراق تماما، وإبعاده عن دائرة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإخضاعه، ولو مؤقتا، لنفوذ ذلك التحالف، توجهت الأنظار إلى سوريا لتكون ميدانا لحرب جديدة يشنها التحالف الأنكلو ـ أمريكي وتمول بالمال النفطي الخليجي. ذلك المال الذي استقدم القوات الأجنبية في 1991 لضرب العراق هو الذي استقدمهم مرة أخرى في مثل هذه الأيام قبل 15 عاما لإكمال مشروع التغيير السياسي في ذلك البلد. هذا المال نفسه هو الذي استقدم تلك القوات لضرب ليبيا، واستطاع جرها للمشاركة في الحرب على اليمن، واليوم يعلن استعداده لدفع تكاليف الحرب على سوريا. الأمر المؤكد أن نظام بشار الأسد ليس ديمقراطيا ولا يراعي القيم الإنسانية في تعاطيه مع معارضيه، ولكن هل تختلف الأنظمة العربية عن النظام السوري؟ هل عسكر مصر أكثر ديمقراطية؟ أم حكام السعودية أو الإمارات والبحرين؟

وماذا بقي من ليبيا التي احتوشها التحالف الشرير الذي تدخل بطريقته فكانت النتيجة تمزق البلاد وانتشار الإرهاب والتطرف في بقاعها؟ وماذا عن اليمن؟ هل حققت الحرب التي قادتها السعودية والإمارات نتيجة ايجابية سوى الدمار والخراب والموت؟

لقد أثبتت التجارب المعاصرة أن التدخلات الأجنبية والحروب لا توفر حلولا للمشاكل الداخلية، بل تؤدي لتدمير البلدان وربما تمزيقها وتعميق الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد. هذا ما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن. والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا لا يتم التدخل لحماية الشعب الفلسطيني؟ لماذا لم يتصد هذا العالم للحروب المتكررة التي شنتها «إسرائيل» على غزة أو لبنان؟ لماذا لم يتحدث أحد عندما اغتالت «إسرائيل» المناضلين الفلسطينيين خارج الحدود (خليل الوزير (أبوجهاد) 1988، وصلاح خلف (أبو أياد) 1990 في تونس، وفتحي الشقاقي في مالطا 1995، ومحمود المبحوح في دبي 2010، وقبلهم غسان كنفاني (بيروت 1972)، وائل زعيتر (أكتوبر 1972، روما)، محمد همشري (8 ديسمبر 1972، باريس)، حسين البشير (24 يناير 1973)، باسل الكبيسي (6 ابريل 1973، باريس). وفي 9 ابريل 1973 قام عملاؤها بإنزال سري في بيروت واغتالوا كلا من محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. واستمر الإسرائيليون في جرائم الاغتيال في العقود اللاحقة. وفي 1978 اغتالت المخابرات الإسرائيلية المناضل والمفكر الفلسطيني، سعيد حمامي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. كان يومها جالسا بمكتبه فانهالت عليه رصاصات عملاء «إسرائيل». لماذا تبقى «إسرائيل» ذات حصانة مطلقة مهما كانت جرائمها حتى إذا شنت الحروب وقتلت الأطفال؟

في مطلع الشهر أعلن الرئيس الأمريكي أنه سوف يسحب القوات الأمريكية من سوريا، وأوعز إلى جنرالاته الإسراع بوضع خطط لسحب القوات خلال الشهور المقبلة. واستدرك لاحقا بأن على الآخرين أن يدفعوا إذا أرادوا منا البقاء. ولذلك جاء إعلانه بشن الحرب على سوريا مفاجئا للكثيرين. وكان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد قضى ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة التقى خلالها العديد من الشخصيات البارزة من بينهم الرؤساء السابقون وأعضاء الكونغرس وأصحاب شركات العلاقات العامة ووسائل الإعلام. ويتوقع أنه تعهد للأمريكيين بدفع نفقات الحرب، علاوة على الصفقات العسكرية العملاقة التي وقعها مع الشركات الأمريكية. هذا الاعتماد على التدخل الأمريكي ليس جديدا. ففي العام 1991 استدعت السعودية قوات أجنبية بقيادة أمريكا لضرب القوات العراقية التي كانت قد اجتاحت الكويت، وحدثت أكبر حرب أمريكية منذ فيتنام. ويعيد الإصرار السعودي على بقاء القوات الأمريكية في المنطقة إلى الأذهان إصرار حكام أبوظبي على بقاء القوات البريطانية في الخليج بعد أن قررت بريطانيا في 1968 سحبها بحلول 1971. وعندما طرح البريطانيون أن تكلفة بقاء تلك القوات تبلغ 12 مليون دولار سنويا، تعهد الشيخ زايد بدفع ذلك المبلغ لكي تبقى القوات. ولكن ذلك لم يحدث لأن القرار البريطاني كان استراتيجيا. وفي الأسبوع الماضي افتتحت القاعدة البحرية البريطانية في البحرين بعد أربعة أعوام من بدء العمل في بنائها. وكان حاكم البحرين قد طلب من البريطانيين إعادة قواتهم إلى البلاد بعد مرور أكثر من أربعين عاما على الانسحاب، وتعهد بدفع تكاليف بناء القاعدة. وجاء ذلك بعد أن استنكر على البريطانيين الانسحاب من الخليج في 1971 قائلا في محاضرة ألقاها في اكسفورد قبل ثلاثة أعوام: من طلب منكم الرحيل؟

أليس هناك رجل رشيد في هذا العالم ينطلق بإرادة إنسانية لإنهاء هذه المهازل التي تتسم بالكثير من النفاق والقليل من الإنسانية؟

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/04/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد