التقارير

تقرير خاص: نزول القوات #السعودية في #سوريا.. مخاطر جمة وأثمان باهظة


مالك ضاهر..

ما أن شاعت الأنباء عن رغبة الإدارة الأمريكية بسحب قواتها المنتشرة في شمال شرق سوريا واستبدالها بقوات عربية، حتى سارعت المملكة السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير للتعبير عن نيتها بإرسال قوات إلى هناك لتحل محل نظيرتها الأمريكية ولاستلام زمام الأمور بدلا عنها، علما أن الرياض كانت قد أعربت سابقا عن استعدادها للمشاركة بالحرب السورية تحت الإمرة الأمريكية، لكن اليوم بات الأمر وكأن المملكة السعودية ستعمل لوحدها هناك أو بالتعاون مع قوات أخرى خليجية أو إماراتية أو عربية أخرى.

وقد طرحت المواقف الأمريكية والردود السعودية جملة من التساؤلات حول أسبابها وخلفياتها الحقيقية وتوقيت طرحها للتدوال ومدى جديتها سواء من الأمريكيين أو من السعوديين؟ وهل فعلا هناك نية أمريكية جدية بالانسحاب من سوريا وترك الاستثمارات المختلفة الممكنة من قبل الرئيس ترامب لهذا التواجد؟ وهل فعلا هناك رغبة سعودية بالذهاب إلى سوريا؟ وهل هذه الرغبة لها أي أصداء مع ذهاب الراعي الأمريكي وترك القوات السعودية وحيدة تواجه المخاطر المحدقة بها؟ وهل المملكة ستعمل على تكرار تجربة اليمن عبر تحالف عربي أو إسلامي أو تحت مسميات أخرى في سوريا؟ ولكن هل تجربة اليمن تبشر بالخير في هذا المجال؟ وماذا عن الخسائر المحتملة في سوريا بمواجهة قوات متنوعة إيرانية وسورية وقوات حزب الله وغيرهم من الفصائل ومن خلفهم التواجد الروسي؟ هل من تكبد كل هذه الخسائر ضد أنصار الله في اليمن قادر على تحمل أضعافها المحتملة في سوريا؟ والأهم من كل ذلك أين المصلحة السعودية بالذهاب للقتال إلى سوريا؟

مناورة واستثمار.. وخضوع سعودي

الحقيقة أن الأمريكيين بقيادة دونالد ترامب باتوا اليوم يمارسون أعلى درجات المناورة والمتاجرة في شتى القضايا عند تعاطيهم مع السعوديين، ولذلك لا ينبغي البحث مع الطروحات الأمريكية المختلفة من دون التفتيش عن المصلحة المالية والتجارية المباشر التي يسعى لتحقيقها الرئيس الأمريكي، الذي كان واضحا جدا عندما قال للسعوديين أنه إذا كنتم تريدوننا أن نبقى في سوريا فعليكم أن تدفعوا...، ولذلك علينا التنبه أن الأمريكي لم يذهب إلى سوريا عبثا بل توجه إلى هناك بقواته مباشرة وتمركز في عدة مناطق لأن له مصالح معينة في ذلك وليس من أجل أي طرف من الأطراف التي تقاتل في سوريا أو لمصلحة أي جهة إقليمية أو دولية، ولذلك إن قرر الرحيل فعلا فهو سيكون لديه من الأسباب والمصلحة التي توجب عليه ذلك، وبكل الأحوال سيحاول الاستثمار والاستفادة إلى أقصى حد من البقاء أو الرحيل وسيحصل على الأموال السعودية التي وعد بدفعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولذلك يرجح أن يكون قد سرب معلومة الخروج واستبدال قواته بقوات سعودية أو غيرها لممارسة المزيد من الضغط على ابن سلمان الذي طلب صراحة وفي وسائل الإعلام من الأمريكيين البقاء في سوريا وعدم الانسحاب.

وبالسياق، اعتبرت مصادر مطلعة أن "كلام الوزير الجبير يعطي إشارات واضحة للأمريكيين، بأننا نسير معكم بكل ما تقرروه في الملف السوري، فإن أردتم استبدال قواتكم بقواتنا فنحن جاهزون وإن قررتم البقاء فنحن على العهد باقون أيضا لدفع كل ما تريدون من جزية"، ولفتت إلى أن "واشنطن تقرر والمملكة تتبعها في كل الملفات وخاصة في سوريا وفي هذا الإطار جاء الترحيب السعودي ومن خلفه الترحيب الخليجي للعدوان الثلاثي على سوريا".

وأضافت المصادر أنه "بالأساس يجب اتخاذ القرارات أيا كانت من قبل المملكة سواء بالذهاب إلى سوريا من عدمه على أساس مصلحة المملكة وليس بناء لمصلحة أي أحد أخر"، وأشارت إلى أن "ما يجري في هذا المجال أيضا ينصب في خانة الفوضى والعشوائية التي تدار بها الأمور في المملكة عبر اتخاذ القرارات المتسرعة وغير المدروسة إرضاء لهذه الجهة أو تلك والسير بشكل أعمى مع الأمريكيين من دون أي حساب للمصلحة السعودية والأكلاف التي ستترتب عليها"، ولفتت إلى أن "طريقة اتخاذ القرارات بشكل فردي من ولي العهد السعودي والانصياع إلى رغبات ترامب وصهره جيراد كوشنير ومن خلفهما ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من الأمور التي ستؤدي بالمملكة السعودية إلى التورط بمزيد من المشاكل والمستنقعات كمستنقع حرب اليمن الذي غرقت به منذ أكثر من 3 سنوات".

مخططات خطيرة.. وصعوبات عديدة

لكن الخطير في قضية الطروحات الأمريكية الجديدة هو ما يثار عن إمكانية وجود مخططات لجر المملكة السعودية ومن معها(مصر، الإمارات وغيرهما من الدول) لمواجهة مفتوحة مع إيران ومحور المقاومة في سوريا، ما يعني جر المنطقة ككل إلى حرب استنزاف طويلة الأمد هدفها ضرب القوى المتناحرة بعضها ببعض، بما يصب أولا وأخيرا بمصلحة الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي ويخدم بشكل كبير إلهاء الجميع عن القضية الفلسطينية التي تقع فريسة سهلة أمام الوحش الإسرائيلي للقضاء عليها وتصفيتها، ولذلك ينظر إلى الذهاب السعودي إلى سوريا ومن سيذهب معها من دول عربية أو إسلامية بأنه سيكون خدمة سعودية مجانية للمشروع الأمريكي الصهيوني الجديد لتدمير المنطقة الذي تنظّر له بعض الشخصيات الموالية لـ"إسرائيل" في الإدارة الأمريكية من أمثال مستشار الأمن القومي الجديد في الولايات المتحدة جون بولتون.

وقبل الانجرار خلف أوهام البعض والسقوط في مشاريع ورهانات خاسرة من جديد، لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط منها:

-أن المملكة السعودية تقود حربا على اليمن ولم تستطيع من حسمها حتى الساعة، والخسائر تزداد يوما بعد يوم على مختلف الصعد البشرية والمادية وتنعكس سلبا على سمعة المملكة، والدخول من جديد في نموذج مشابه لذلك في سوريا سيعني المزيد من الخسائر والأثمان الباهظة التي سيتحملها أولا وأخيرا المواطن السعودي كرمى لمشاريع سياسية لبعض الأفراد.

-العقدة التركية المتمثلة برفض وصول قوات سعودية أو إماراتية أو غيرها للعمل بالقرب من حدود تركيا مع سوريا، خاصة في ظل العلاقات المتوترة وغير الصحية بين الرياض وأبو ظبي والقاهرة من جهة وأنقرة من جهة، كل ذلك سيؤدي إلى مزيد من الصعوبات بوجه المشروع السعودي الجديد.

-الرفض السوري للحديث عن استبدال قوات محتلة بأخرى، ما يعني أن السوريين سيواجهون بقوة الاحتلال الجديد ولو كان من قبل قوات عربية ما سيرتب المزيد من الخسائر سعوديا، ناهيك عن تعميق الخلاف مع دولة عربية شقيقة مهما حاول  البعض الهروب من هذا الواقع نتيجة مصالحه السياسية.

 -ما صدر مؤخرا عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما خاطب الأمريكي أن من سيواجهه في سوريا والمنطقة هم الشعوب وليس الدول والأنظمة، بما يعني أن المقاومة الشعبية تنتظر أي قوات محتلة لأرض سوريا وغيرها من بلدان المنطقة سواء كانت هذه القوات المحتلة هي قوات أمريكية أو عربية، فلا فارق بين الأمرين.

أضيف بتاريخ :2018/04/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد