آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

الحاضر يهدد الغد العربي: الأمة محتلة بالنفط وإسرائيل تحت المظلة الأميركية!


طلال سلمان

تتهاوى الدول العربية، وكأنها من كرتون، ملحقة أشد الأذى بفكرة “العروبة” وبالأحلام السنية بالوحدة والتقدم والعدالة الاجتماعية.

ولقد أخذ الضعف بل التهالك معظم الدول العربية إلى احضان “الاستعمار” ولو جديداً، بجواز سفر أميركي تسقط معه حواجز العداء مع “إسرائيل”، كدولة عادية وكيان استيطاني طارد لأهل الأرض الذين كانوا دائماً أهلها: الفلسطينيين.

يكاد يصبح “الاستقلال” من الذكريات، والوحدة من الأحلام، أما الاشتراكية والعدالة الاجتماعية فحديث خرافة يا أم عمرو..

سادت الكيانية محتمية، مرة أخرى، بالقوات الأجنبية تحت الراية الأميركية، واندثرت أو تكاد الروابط السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الشعوب العربية التي كانت ترى نفسها امة واحدة يجمعها الطموح إلى الحرية والاشتراكية والوحدة.

صارت لقاءات القمة العربية محطات للتوافق على مزيد من التنازلات عن الحقوق الوطنية العربية بعنوان “فلسطين”، وبالتالي على مزيد من القبول بل الاستسلام للكيان الإسرائيلي الذي أسقطت عنه دمغة العداء، وصار حليفا لبعض الأنظمة العربية ضد الأمة بماضيها وحاضرها ومستقبلها..

صار القرار العربي أميركيا، في الغالب الأعم، وبالتالي إسرائيليا.

اندثرت جامعة الدول العربية والمؤسسات المنبثقة عنها والتي كانت تجسد ـ ولو بعناوينها ـ الطموح العربي إلى الحد الأدنى من الوحدة، من السياسة إلى الاقتصاد بمجالاته المختلفة (الصناعة والزراعة والتجارة) وصولاً إلى اللغة بقواعدها ومحاولة تحديثها بالحذف والإضافة..
تباعد أهل النظام العربي إلى حد الاحتراب..
واستقوى أهل الثروة من العرب على أخوتهم الفقراء فأذلوهم واستتبعوهم وفرضوا عليها مواقف كانوا يرفضونها وسياسات وتحالفات كانوا يقاتلونها.

أسقطت القاهرة بضربة كمب ديفيد والصلح مع العدو الإسرائيلي، على حساب العرب أجمعين ودماء الشقيق السوري ـ الشريك في الحرب التي كادت تنتصر ثم أجهض انتصارها بوقف السادات القتال تاركاً لإسرائيل فرصة الاندفاع بقوتها مجتمعة ضد الجيش السوري..

تاهت الثورة الفلسطينية، التي كانت قيادتها ماكيفيلية، بين متاعب الكفاح المسلح المفتوح على المجهول وإغراءات “السلطة” ولو مجتزأة ومرتهنة للاحتلال، وعلى بعض الأرض لدويلة أسيرة مقابل التنازل عن كل الأرض لدولة قوية بذاتها وبالسند الأميركي الذي يراها طليعة اجتياحه الأرض العربية، مستغلاً خصومات الأسر المالكة وخلافات الأنظمة وبُعدها عن ناسها..

تحولت الأنظمة الجمهورية إلى ملكيات فقيرة تنافس ـ بلا جدوى ـ الملكيات والإمارات الغنية، فإذا ما تصرفت معها بمبادئ الأخوة ردت عليها.. باللغة الانكليزية ذات اللكنة الأميركية.

ثم تقدم الاستعمار الجديد خطوة حاسمة، بعد حملة تخويف ضارية من “الخطر الإيراني” معززاً بخطر صدام حسين، فلما اجتاح الأميركيون العراق تعاظم النفخ في الخطر الإيراني، لا سيما بعد تفجير الوضع في سوريا بالحرب فيها وعليها، وبعد نجاح “حزب الله” في لبنان في مقاومته الباسلة والطويلة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في أيار العام 2000، ثم في صد الاجتياح الإسرائيلي في حرب تموز 2006، وهكذا صورت إيران ـ الثورة الإسلامية وكأنها أخطر من العدو الإسرائيلي والاستعمار الغربي بالعنوان الأميركي، معاً.

وهكذا، ونتيجة ظروف متعارضة، غيبت الدول العربية ذات التاريخ المضيء والدور البارز في التقدم والتحرر ومواجهة العدو الإسرائيلي وتصدرت دول النفط المشهد العربي، فارضة على الجامعة العربية التراجعات المتوالية في موضوع فلسطين خاصة، بل أنها تمكنت، ذات يوم، من “طرد” دولة مؤسسة لهذه الجامعة منها، بتحريض قطري واستجابة خليجية وسائر الأنظمة الملكية، مع تحفظ جزائري يتيم وصمت عراقي وحرج لبناني لم يصل إلى حد الاعتراض، وان كان في تلك اللحظة، لا يجدي.

غيبت المشكلات الداخلية وأخطرها الفقر مصر، ثم جاء إجهاض الانتفاضة بالجيش، الذي وفر للإخوان الفرصة للانقضاض على الحكم وتسلم الرئاسة، لكن هذا الجيش نفسه سرعان ما انقلب على الأوضاع، فاعتقل الرئيس الإخواني وجاء بواحد من ضباطه ليكون “الرئيس” لفترة أولى ثم لفترة رئاسية ثانية، وقد التقى على تأييده واحتوائه الأميركيون وأهل النفط والإدارة الأميركية.

لكن التنافس بين أهل النفط والغاز على الزعامة سرعان ما أعاد إلى السطح خلافات قبلية كامنة، وتقدمت قطر بثروتها الهائلة والطموح غير المشروع لقيادتها، وهو بين ما أخذها، أخذها إلى العدو الإسرائيلي قبل شركائها ـ الأعداء، مظللة بالرضا الأميركي وبعض الحماية التركية، والإفادة الإيرانية، والفرح الإسرائيلي بهذا التصدع العربي الجديد بين أهل الثروة من العرب بعد اختفاء أهل الثورة… كل ذلك جعل العرب يتقهقرون حتى حافة الخروج من التاريخ.

تصاغرت الدول العربية الكبرى وذات التاريخ المجيد في حركة الثورة العربية، وتضاؤل نفوذ مصر المكبلة بفقرها الذي جعلها مرتهنة للنفوذ الأميركي والحاجة إلى “الدعم” المباشر والمكلف من أهل الثروة، وأخفى الاحتلال الأميركي العراق عن مسرح التأثير على القرار العربي، وغُيبت سوريا تحت ركام مدنها المهدمة نتيجة الحرب فيها وعليها.

وهكذا دخل “العرب” في غيبوبة كادت تخرجهم من التاريخ، وأعادت دولهم إلى أحضان التبعية الاستعمارية، بالقيادة الأميركية ـ الإسرائيلية.
ولسوف يطول انتظارنا فجر الغد العربي، الآتي بلا شك، مهما طال الزمن!

صحيفة رأي اليوم وتنشر بالتزامن مع السفير العربي

أضيف بتاريخ :2018/04/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد