آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

عن “حذف” سُورَة الإخلاص في الجزائر وتزامنها مع موجة تغيير المناهج عربيّاً


خالد الجيوسي

يبدو “توقيت” مُقترح إلغاء سورة “الإخلاص” من مناهج الطور المدرسي الثاني أو الجيل الثاني ابتدائي في الجزائر خبيثاً باعتقادنا، وهو المُقتَرح الذي تزامن مع توقيت دعوات حذف بعض السور من القرآن في فرنسا، والتي تدعو إلى قتل اليهود، وهو المُقتَرح الذي قدّمه مدير مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعيّة والثقافيّة في وهران الدكتور جيلالي مساري، وذلك خلال مُداخلته بالمُلتقى الدَّولي حول تدريس التربية الإسلاميّة في المُؤسّسات الرسميّة.

المُبرِّر الذي يُقدِّمه الدكتور مساري لمُقترحه هذا، يأتي في سياق صُعوبة استيعاب التلميذ معانيها، وعدم مُطالبته حفظها، وهو في سن صغيرة، وهذا التلميذ بحسب مساري أيضاً لا يفهم معاني السورة رغم سُهولة حِفظها، والطفل برأي الدكتور يفهم الأشياء المُجرّدة، ولا يفهم مُحتوى السُّور.

لم يكتفِ الدكتور الجزائري المذكور بمُقترحه الدَّاعي إلى إلغاء السُّورةِ المَذكورة، بل دعا وخِلال نفس المُلتقى كما نقلت صحيفة “الشروق” المحليّة إلى إلغاء درس فرائض الوضوء، وبذات التبرير الذي يقول أنها صعبة على ذِهن تلميذ الابتدائي.

سورة الإخلاص كما يعلم أهل الدين الإسلامي هي سورةٌ مكِّيّة تتكون من أربعة آيات، وقد ذكر النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم عِدَّة فضائل لها، منها أنها تُعتبر قراءتها ثُلث القرآن في ليلة، ويقول جلَّ جلاله الله تعالى فيها: “قل هو الله أحد، الله الصَّمد، لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفُواً أحد”، وقد نزلت على النبيّ العربيّ الهاشميّ حين سأله أحد المُشركين عن وصف ربّه، فأنزل جلَّ جلاله الآية الكريمة.

لا نفهم أين الصعوبة في كلمات تلك الآية، وهي التي تتحدّث عن صفات رب العِباد، الواحد الأحد، ليس له ولدٌ ولم يُولد، وهذه الصفات التي يجب برأينا أن يعرفها أتباع الدِّين الإسلامي مُنذ نُعومة أظفارهم، وهي مُسلَّمات ثابتة، لا جِدال ولا نِقاش فيها، وأي دعوات لحَذفِها بحُجَجٍ واهِية، كالصُّعوبة، وعدم الفَهم، فهي مُقدِّمات لحذف وإلغاء سُوَرٍ أخرى، وتشويه لصُورٍ راسِخةٍ في ذِهن المُؤمِن، عليه أن يُدرِكها في سِن صغيرة.

وإن كان التلميذ لا يفهم معاني السُّورة، نعتقد أن هُناك من سيُوجّهه، ويُفهمه معانيها، تماماً كما يدعو البعض إلى تعليم أبنائنا وبناتنا لُغات العالم الحضاري المُتقدِّم منذ سن صغيرة، فلماذا ستَصعُب كلمات خالقنا على أطفالنا، ولن تَصعُب لُغات “العَولمة” على صِغارنا؟، أم أنّ وحده الدين الإسلامي، ورموزه القرآنيّة، وأحاديثه الشَّريفة باتت مُعوِّقات التقدُّم، بحُجَج الفهم، وحتى مُكافحة التطرُّف والإرهاب؟

لن يكون الدكتور جيلالي مساري بنظرنا، أعلم وأخبر من الله تعالى الذي وضع أحكام شريعته، وأنزل مُحكَم تنزيله، وقد دعا المُسلمين العاقِلين البالِغين إلى “تعويد” أبنائهم على الصَّلاة مُنذ الصِّغر، أي أن الله تعالى يُدرك حجم الوعي والإدراك الذي مَنَّ فيه على عبده المُسلِم منذ نُعومة أظفارِه، والتَّعويد على الصَّلاة، يبدأ من فُروض الوضوء، هذا الذي دعا الدكتور مساري أيضاً إلى إلغاء درسه، إلا إذا كانت الصَّلاة “تجوز” دون وضوء، ونحن لا ندري!

المُقترح، لَقِي جَدلاً واسِعاً في الجزائر “الشقيقة”، وكان المُعترضون كُثر، ونحن نصطف بلا تفكير مع المُعترضين على هذا المُقترح، ونَشُد على أياديهم الوقوف وقفة رَجُلٍ واحد، ومنع مثل تلك الأفكار الدخيلة على المجتمع الجزائري الذي يرتاد الآلاف من تلاميذه الصِّغار قبل سن الدراسة، المدارس القُرآنيّة، ويحفظون القرآن، وفُروض الوضوء، والصَّلاة.

نَكتُب هذهِ السُّطور ليس “تَعَنصُراً” للدِّين الإسلاميّ كوننا أحد أتباعه، وليس وقوفاً ضد العقائِد الأُخرى، كما أخطأ بعض مشائخ الجزائر البارِزين عُضو المكتب الوطني لجمعيّة العُلماء المُسلمين، حين حَصَرَ أسباب مُقترحات الدكتور مساري، في النَّوايا المُبيّتة لتعليم عقيدة النصارى كما قال أو الأُخوة المسيحيين، فحين يقول الشيخ أنّهم قَلِقون من أن يتعلّم التلاميذ أنّ الله تتَّجِه إليه الخَلائِق في حاجاتهم، وأن لا مثيل له من خلال الآية الكريمة: “ولم يكن له كُفواً أحد”، ويربط مُقترح منعها المُباشر بتحليل عقيدة المسيحيين، “الأب، والابن، والروح القُدس″، فهذا ربط وتحليل مرفوض، في مُجتمع المفروض أنّه مبني على التعايش بين أتباع الأديان والمذاهِب المُختَلِفة، وقد تترتّب عليه آثار فتنويّة، أكثر ما تترتّب عليها مُقتَرحات الحذف والإلغاء، والفِتنةُ نائمة.. لعن الله من أيقظها.

نَكتُب وكما قُلنا في مطلع مقالنا هذا، للتَّحذير من التَّوقيت “الخبيث” الذي قد تَستَغِّلُّه الحملات الغربيّة التي تدعو إلى تغيير ثوابِت الدين الإسلامي، حتى حذفها وإلغائها، بمُبرِّرات مُحاربة التطرُّف، والتي كان نِتاجها نُشوء تنظيمات وحشيّة، لا تَمُت لسماحة الإسلام بِصِلة، وهي حملات خبيثة لا تقتصر على الجزائر فحسب، فقد أثارت تلك التغييرات جدلاً في المناهج المدرسيّة الدينيّة في المملكة الأردنيّة، ويبدو أن العربيّة السعوديّة تسير على قدمٍ وساق في تطبيق تعليماتها وحذافيرها، فحذاري كُل الحذر، ومع هذا لكُلٍّ دينه وعقيدته على الآخر احترامها، حتى في الشِّرك قالها خاتم الأنبياء والمُرسلين محمد بن عبدالله: “لكم دينكم.. ولِي دين”، ولم تر سيفه مُسلَّطاً على رِقاب حتى على من أهانوه صلى الله عليه وسلم، فكيف من خالفوه؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد