آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

كيف تنزع شعوبنا سيكيولوجية الاستعباد.. وتتخلص من حالة “المواطن المستقر”


فؤاد البطاينة

الحلقة تضيق على شعوبنا بالموت البطيء ذلا واضطهادا وجوعا . وبالموت سريعا بسفك الدماء عزا وكرامة وشهادة لمن يحاول الوقوف .والهدف هو تركيع هذه الأمة والنيل من عقولها ومفاهيمها وثقافتها ، وشطب أوطانها ومقدراتها من سجل عقار التاريخ وصولا لجعلها تعيش رعايا في بلادها عبيدا مدجنين للصهيونية . تماما كما حاول الغرب فعله بمتهودي الخزر، وفشل عندما قاوموه قرونا بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة إلى أن ظهرت الصهيونية من صلبهم وجاءت بحل تشاركي أسقطت بموجبه تجربتهم على حسابنا بالشراكة مع الامبريالية الغربية .

ليسمح لي القارئ بالتذكير بحالتنا الحقيقية التي نجحوا بصنعها فينا وجعلنا شعبا خانعا .لأنها حالة نفسية ، ومعرفتها والقناعة بها وحده الأساس في خروجنا منها . ومع أني كتب فيها كما كتب بها البعض قبلي إلا أن ذلك كان في سياقات ليست على الوجع . إنها حالة طرحت قبل ستة قرون من مفكر فرنسي . تتقبل فيها أجيال الشعوب المستهدفة الظلم والاستبداد والاستحمار وفقدان الحرية والحقوق فداء لاستقرار وضع تتحقق فيه حاجتها البيولوجية ، ( الطعام ، وتأمين حاجة الأبناء ) . وتصيب هذه الحالة المرضية الشعوب كنتيجة لاستمرار وتواصل قمعها واضطهادها وإرهابها لعقود . وهو ما جرى ويجري عندنا . وتسمى بحالة ” المواطن المستقر” الذي أصبح يعيشها هذا الجيل .

فالمواطن المصاب بهذه الحالة المرضية ، وشعبنا مصاب . يصبح فيها أسيرا للحفاظ على سيكيولوجية الاستعباد المرتبطة عنده بالحفاظ على نمط حياته وحاجته البيولوجية المحددة ، وشرطها الاستقرار كما يفصله الطغاة . ولا يعود المواطن يفاوض عليها ، ويرتكب على مذبح بقائها كل أنواع النفاق والكذب والفساد والموبقات ويتخلى عن حقوقه الإنسانية والوطنية والسياسية تحت هاجس الخوف مما يهددها أو ينطوي على حرمانه أو فقدانه لها ، وحتى لو تفاقم وضعه فإنه يُقدِم على الانتحار ولا يُقدم على المواجهة كالخروج في مظاهرة أو الاحتجاج على موقف السلطة مثلا .

وحيث أن الطبيعة الإنسانية لها متطلبات ذات خصوصية وللمواطن أولويات كإنسان ، فإنهم يواظبون على جعل أولوية المواطن الأساسية في قوته وتنشئة أطفاله في خطر وتهديد دائمين حتى يضَحي بما سواها في سبيل الحفاظ عليها .ويوجهون بنفس الوقت هذه الشعوب لأولويات واهتمامات بديلة لتحقيق ذاتها وما ينقصها في مسائل أخرى كوسائل الرياضة والترفيه من كرة القدم إلى هز الردفين .. ويتحول الدين عند المواطن في هذه الحالة إلى طقوس وعمل ميكانيكي معزول . ولا يتولد عنده الشعور بالذنب من فعل الموبقات والخروج عن رسالة الإسلام بل يتولد عندما يفوته موعد الصلاة .

نعلم بأن حكام العرب هم الماسكون بالحلقة ويسوقون وينفذون السياسة الصهيونية المشار إليها بحالة “المواطن المستقر” .ويرى المراقب أن هذه الحالة التي تُكرس مفهوم العجز والاستسلام وسد الأبواب في وجوه شعوبنا نجحت في كل الأقطار العربية تقريبا.. لكنها فشلت في فلسطين ومع الفلسطينيين لعدم تلوث شعبها بالثقافة السايكوسبيكية التي ولدت الإقليمية والجهوية وسياسة الثنائيات، ولعدم تمكن الصهيونية من فرض حاكم وكيل ناجح في فلسطين ، أو يقوى على تنفيذ سياسة القمع والتطويع وحشد سلاطين الفتاوى ، فبقي الشعب الفلسطيني هو ضمير الأمة الحي ، عربيا وإسلاميا . وهذا قدره من الله .

فما هو مصدر قوة هؤلاء الحكام وثباتهم وقدرتهم على تنفيذ السياسة الصهيونية المتمثلة “بالمواطن المستقر ” وعلى تأدية رسالة الصهيونية بنجاح وكيف الخلاص .

وبداية لقد جعل العدو هؤلاء الحكام شركاء مأجورين له في نهب شعوبنا ومالها العام ومقدراتها لحساباتهم الشخصية . والمأجورية هنا تأتي بالاتفاق المباشر وغير المباشر أو بالإيحاء بالضغوطات إلى أن يصبحوا عملاء أسرى للصهيونية كأي مواطن تحول بالمال والضغوطات إلى عميل حتى ينفق .ومن هنا كان حافز الحكام لتفعيل أسباب ثباتهم .

أما قدرتهم فقامت على ازدواجية الخطاب السياسي والعزل السياسي الوطني وإشاعة ثقافة الفساد. وتوسيع جهاز الدولة وجعل الوظيفة مصدر رزق وحيد ، والموظف مرتزقا تحت ضغط الابتزاز . واستخدام العسكر والجيوش الوطنية وجعلها من طبقتين عليا تدجن بالمال الفاسد والامتيازات التي لا سند وطني أو ميداني لها ، وصغرى واسعة من فقراء الشعب لتصبح طبقة مرتزقة . وبما يعني ارتباط مصالح العسكر بالأنظمة وبالتالي التحالف معها وتغيير عقيدتها القتالية لتصبح باتجاه حماية الأنظمة . أي إلى أدوات قمع للشعب . حيث تمكن هؤلاء الحكام من تغييب الديمقراطية وإرادة الشعب وفرض الدكتاتورية على النمط القديم ” أنا الدولة والدولة أنا ” ويعتبره “المواطن المستقر” المخَلص وفي مصاف الآلهات .

أما كيف الخلاص ، فعلينا أن نسبعد قدرة أمريكا والصهيونية من ذلك . فحال هؤلاء الحكام وأنظمتهم من الهشاشة ما يُعجِز أمريكا والصهيونية من فعل شيء لهم في أية مواجهة شعبية سلمية . والكرة ستنتقل إلى ملعب الشعوب والأهداف ستكون محققة إذا وقفت هذه الشعوب على حالتها المرضية وعلى أسباب وكيفية فرضها عليهم ومآلاتها المدمرة ، وعلمت بان الاستقرار المطلوب الذي يعتقدونه هو على مقاس الحكام وزمن حكمهم وعلى مقاس العدو الأجنبي وأهدافه ، وهو استقرار هش وخادع وملغم وأمنه لا يحقق الأمان لها ، ويتعارض مع مستقبل أمنها الغذائي والإجتماعي والسياسي ويهدد مستقبل أولادهم وأحفادهم وأوطانهم ومفاهيم الحق والخير والسعادة . فلا مصلحة خاصة تتحقق لمواطن ولا أمن واستقرار يتحقق له بمعزل عن الأمن العام القائم على أسسه والمصلحة الجماعية.

نحن بأمس الحاجة في هذا الظرف وهذه الحالة لأنْ يترك الشعب التمسك بالقشور السياسية والاجتماعية والدينية وتسويقها والتراشق بها صباح مساء ، وفي تهاني الجمع والأعياد لإخفاء عجزه وتقصيره والهروب من اللب الذي تكمن فيه الحقيقة التي يجب أن نتراشق بها . فلا مبرر لها نظيف ومقبول ورسالة الإسلام وثقافته وراء ظهورنا غائبة ، ومقدساتنا وأوطاننا مدنسة ومحتلة . لنستبق ونتعظ من نتائج حالة “المواطن المستقر” التي نشاهدها في أرجاء الوطن العربي وننقلب عليها . وبعد، من أي طينة أصبحنا وأية طاعات مجتزأة يتقبلها الله منا وإلى أين نحن ذاهبون ونحن نشاهد طفلا فلسطينيا ينطق بالشهادة وقدم الصهيوني على رقبته بيده السكين . إنه مشهد يهتز له الميت والحجر ، لا بارك الله فيكم حكامنا ولا بأولادكم ولا بأموالكم . لنترك كل خطاب زيف ودعاء عجز ونفاق تهنئة ونقف ساعة تأمل مع النفس ونتوحد على خطاب عنوانه “حيا على صحوة الضمير ، حيا على النهوض والعمل ” .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد