آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعود بن هاشم جليدان
عن الكاتب :
كاتب سعودي

معظم العالم يتنفس هواء فاسدا


سعود بن هاشم جليدان

يهدد الهواء الملوث مختلف أنواع الحياة البشرية والحيوانية والنباتية على سطح الكرة الأرضية. وترتفع مستويات تلوث الهواء في أماكن كثيرة حول العالم، خصوصا في المدن الكبيرة والتجمعات السكانية القريبة من مصادر الانبعاثات الضارة، كالصناعات الثقيلة ومولدات الطاقة المحرقة للوقود الأحفوري. وتتعاظم مخاطر الهواء الملوث في البيئات الفقيرة وأماكن تركز الشرائح السكانية المهمشة.

وقد أصدرت، أخيرا، منظمة الصحة العالمية بيانا صحافيا تؤكد فيه أن 90 في المائة من سكان العالم يتنفسون هواء ملوثا. وأشار البيان إلى أن نحو ثلاثة مليارات شخص، معظمهم أطفال ونساء، يتنفسون هواء خطرا من المواقد والوقود الخطر المستخدم للطبخ داخل المنازل. وحذرت المنظمة بأن التراخي في التعامل مع معضلات التلوث سيعوق مسيرة التنمية المستدامة في دول العالم.

تقدر منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات السنوية الناتجة عن الهواء الملوث بنحو سبعة ملايين شخص، حيث يتسبب تنفس الهواء الملوث في زيادة عدد المعانين أمراض القلب والجلطات وسرطان الرئة وأمراض التنفس. ووصل عدد الوفيات التي يعتقد أن تلوث الهواء الخارجي مسؤول عنها إلى نحو 4.2 مليون إنسان في 2016، بينما يفقد الباقون أرواحهم من التلوث داخل المنازل، الذي تسببه عادة تقنيات تقليدية وقديمة باعثة للغازات الضارة بكثافة. وتحدث معظم الخسائر البشرية الناتجة عن التلوث في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، خصوصا في إفريقيا وآسيا، وبنسبة تفوق 90 في المائة من الإجمالي العالمي.

توفر منظمة الصحة العالمية بيانات عن مستويات تلوث الهواء الخارجي في أكثر من أربعة آلاف مدينة حول العالم. وتضمنت قاعدة البيانات معلومات عن مستويات التلوث في ست مدن سعودية، هي الجبيل والدمام والرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة. وهذا لا يعني أن جميع المدن والتركزات السكانية الباقية تتنفس هواء نقيا، ولكن لا تتوافر معلومات عنها. وتعاني المدن الست الواردة في قائمة منظمة الصحة العالمية ارتفاع مستويات تلوث الهواء الخارجي، ولكن تحظى الرياض والجبيل والدمام بمستويات تلوث مرتفعة جدا مقارنة بالمستويات الآمنة، وتحتضن المدن الست ما يقارب 60 في المائة من سكان المملكة. ولا يعرف بالضبط نسبة المتنفسين لهواء ملوث في المملكة، ولكن ورود المدن الرئيسة الست في المملكة ضمن قائمة المدن العالمية التي ترتفع فيها معدلات انبعاثات الهواء الملوث، يعني أن نسبة مرتفعة من سكان المملكة تتنفس هواء ملوثا.

ولو طبقنا معدلات الوفيات العالمية الناتجة عن تلوث الهواء الخارجي على سكان المملكة، فسيصل عدد الوفيات إلى ما يزيد على 16 ألف شخص في السنة. أما بالنسبة لعدد المتأثرين بالهواء الملوث داخل المنازل، فأعتقد أنه منخفض في المملكة، حيث تستخدم معظم الأسر تقنيات طبخ عصرية تنخفض فيها انبعاثات الغازات الضارة، ولهذا، فإن عدد الخسائر البشرية الناتجة عن التلوث داخل المنازل منخفض وأفضل بكثير من المتوسطات العالمية، خصوصا متوسطات الدول النامية. وعلى العموم، فإن عدد الوفيات المتوقع الناتج عن الهواء الملوث في المملكة ليس بالقليل، بل يفوق عدد الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية بعدة مرات. ولا يقتصر تأثير التلوث على الأشخاص المفقودين بسببها، ولكن ترتفع معدلات عديد من الأمراض التنفسية، التي تسبب خسائر جسيمة في مجالات العمل والتحصيل الدراسي ودخول الأسر.

إن التصدي لظاهرة الهواء الملوث وآثاره الضارة الجسيمة على المجتمعات، ليس من أمور الرفاهية كما يظن بعضهم، لكنه من ضروريات الحياة والتنمية المستدامة والعيش الرغيد. وللتعامل مع إشكالية تلوث الهواء، علينا في البداية وقف زيادة انبعاثات الغازات الضارة في هواء مدننا الرئيسة المتأثرة، ثم وضع وتفعيل برنامج طويل الأجل لخفض تركز الانبعاثات الضارة في الهواء. وهنا، يمكن الإشارة إلى أن زيادة أسعار بعض أنواع الوقود قد رفع تكاليف الطاقة على الأسر، ولكنه سيساعد في خفض معدلات نمو الانبعاثات الضارة في الهواء. في المقابل، ينبغي الإشارة إلى أن رفع سعر وقود معين، كالبنزين، مع إبقاء أسعار وقود آخر، كالديزل، منخفضا، لن يساعد كثيرا في خفض مستويات التلوث، حيث سيزداد استهلاك الوقود الرخيص الملوث للهواء بدرجة أكبر، ما يعني زيادة انبعاثات الهواء الضارة.

عموما، يتطلب خفض مستويات تلوث الهواء برنامجا طويل الأمد يفرض معايير صارمة وغرامات مالية على انبعاثات الغازات الضارة من وسائل النقل والآلات والمصانع والمزارع، والحد من فوضى أنشطة الإنشاءات ومشاريع البنية الأساس، ورفع جودة الوقود البيئية وزيادة كفاءة استخدامه، والتحول قدر المستطاع نحو استخدام الطاقة الخضراء، وتطوير وسائل النقل العام، وخفض كثافة استخدام الوقود الأحفوري وتحفيز تنمية القطاعات المقللة من استهلاكه، ونقل الصناعات الأكثر تلويثا للهواء بعيدا عن التركزات السكانية، وجمع ونشر بيانات التلوث وثقافة التصدي له في المجتمع.

صحيفة الاقتصادية

أضيف بتاريخ :2018/05/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد