آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. شهاب المكاحله
عن الكاتب :
خبير في الشؤون الجيوإستراتيجية

دبلوماسية الحرير الصينية وراء الخلاف مع واشنطن


د. شهاب المكاحله

تعتبر الصين لاعباً دولياً قوياً باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي المنافس الوحيد للولايات المتحدة تكنولوجيا واقتصاديا. واليوم، بدأت الصين  بشكل كبير في تحديث جيشها. مع وجود دلائل على أن الولايات المتحدة ستتراجع عن دور قيادي تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب المتخبطة.  دبلوماسية الخيط الرفيع الصينية أو ما أطلق على تسميته في محاضراتي وندواتي بدبلوماسية الحرير الصينية — بصفتها أحد دعائم الاقتصاد العالمي– قد مهدت لها لتتربع على كرسي الزعامة العالمية بلا منازع. وهذا الأمر بات مفروغا منه وما عاد الموضوع سوى سنوات قليلة لتحتل المكانة التي تستحقها باعتبار أنها مركز جذب عالمي.

لكن ما هي بالضبط وسائل الصين في ممارسة نفوذها العالمي؟ في العقد الماضي ، التزمت الحكومة الصينية بتعزيز مصالحها في الخارج حيث عملت بيجينج على تطوير شبكة إعلامية دولية وإنشاء مراكز دراسات ثقافية حول العالم ناهيك بزيادة حجم المساعدات الصينية للدول النامية ومنها الأفريقية. بالطبع لا يوجد مساعدة من دولة لدولة بالمجان حتى تلك التي تكون تحت بند  المساعدات الإنسانية ولو كانت في حالة الطوارئ والكوارث الطبيعية واللبيب من الإشارة يفهم.

لقد بدأت الصين الاستثمار في القوة الناعمة في تسعينات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي إذ عملت على وتر دبلوماسية الحرير ولأول مرة في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني السابق هو جينتاو في العام 2007 أمام المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني إذ قال حينها: “إن تحديث الأمة الصينية سيرافقه بالتأكيد ازدهار الثقافة الصينية.” وهنا الثقافة لا تعني الكتاب فقط بل الحضارة والإعلام. وهو الأمر الذي ساهم في وضع الصين على خارطة العالم سياسيا وثقافيا وإعلاميا واقتصاديا وعسكريا. ومنذ العام 2007 بدأت المخاوف الأميركية من التنين الصيني.

لعل السبب الرئيس للخلاف بين واشنطن وبيجينج هو أن القيادة الصينية تؤمن بالنهضة السلمية للبلاد بناء على مجتمع متناغم لمواجهة رواية الغرب من أن الصين تشكل تهديدا للنظام الدولي الحالي.

في العلاقات الدولية، لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم. ونحن في العالم العربي نضع كل بيضاتنا في سلة واحدة والمعنى معروف. نضعها  مع معرفتنا بأن مصالحنا ليست في تلك السلة بل في سلال كثيرة غيرها. ولكن:
 قد أسمعت لو ناديت حيا        ولكن لا حياة لمن تنادي

نحن أصبحنا كالقطط لا تحب إلا من يخنقها. هذه هي الصياغة الصحيحة لما يجري.
قال شي جين بينغ، الزعيم الصيني الحالي في العام 2014: “علينا أن نزيد القوة الناعمة للصين ، وأن نعطي رواية صينية جيدة ، وأن نوصل رسالة الصين إلى العالم بشكل أفضل”، داعيا إلى بذل جهد قومي أقوى لربط شعبية الصين وإمكانياتها لزيادة صعودها. أين نحن في العالم الإسلامي وليس العربي فقط من هذا الكلام؟ سياستنا الناعمة هي القتل وإلصاق تهم الإرهاب فينا لتشويه الدين الحنيف والتعاليم والتقاليد التي تربينا عليها وهي التقاليد الصحيحة لا تلك التي انتقلت إلينا من مجتمعات زادها لحوم بشرية وشرابها دماء آدمية.

 فهل نجحت الصين في الحصول على كل ما تريده في وقت قياسي؟ الجواب نعم. وليتنا نقتدي بالنموذج الصيني او الحلم الصين لنحقق الحلم العربي ليكون لنا كيان يتمتع بمقومات دولية وله حق النقض الفيتو مثل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

كيف يمكن لنا التعلم من الصين. يقول العالم الأميركي ديفيد شامبو من جامعة جورج واشنطن إن الصين تنفق ما يقارب من 10 مليارات دولار في السنة. فكم  مليارات ننفقها نحن في الشرق الأوسط على الحروب والتسلح، إنفاق لا طائل منه؟ تلك القوة الناعمة الصينية أخرجت مئات الملايين من الشعب الصيني من الفقر بل وزادت من عدد أصحاب الملايين من الشباب الذين أراهم في كل عواصم العالم يتجولون ويشترون ما لذ وطاب لهم. ونحن قوتنا الناعمة في العالم العربي أفقدتنا الكثير من الموارد وآسفاه.

إن سر الخلاف الأميركي الصيني هو أن الصين تسعى إلى الجمع بين الحزام الاقتصادي الناري لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري من خلال شبكة واسعة من السكك الحديدية والطرق وخطوط الأنابيب والموانئ والبنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية التي من شأنها تعزيز التكامل الاقتصادي من الصين ، عبر آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا ، إلى أوروبا. لقد أنفقت الصين مبلغ 50 مليار دولار أمريكي من حصتها في بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية في العام 2016، أي ما يعادل نصف رأس المال الأولي للبنك. كما تعهدت بيجينج بتقديم 40 مليار دولار لصندوق طريق الحرير البري، و 25 مليار دولار لطريق الحرير البحري، و 41 مليار دولار أخرى إلى بنك التنمية الجديد (الذي أسسته دول بريكس: البرازيل ، وروسيا ، والهند ، والصين ، وجنوب أفريقيا).

إن وكالات الصحافة والأنباء العالمية لها مكاتب في عدد من الدول ولكن لا يزيد ذلك عن 120 مكتبا في كل الدول. واليوم وصل عدد مكاتب وكالة أنباء الصين الرسمية، شينخوا ، إلى 170 مكتبا في دول أجنبية وتخطط الصين لرفع العدد إلى 220 مكتبا بحلول عام 2020. إنها الدبلوماسية الناعمة أو دبلوماسية الحرير الصينية.

الصين لديها إستراتيجية ثلاثية المحاور: الأولى: تقوم على تطوير محتوى القوة الناعمة الصينية. والثانية هي دعم الحركات الثقافية من فن وموسيقى وأدب وطب تقليدي صيني والتعاليم الكونفوشية والثالثة هي تطوير آليات تستطيع الصين من خلالها إبراز هذه القوة الناعمة التي تشبه المغناطيس الذي يجذب الآخرين إليها.

فعلى الرغم من أن الصين لها إسهامات قليلة نسبيا في الشمال الأفريقي مقارنة بالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مع تواضع العلاقات التجارية بينها وبين شمال أفريقيا إلا أن علاقتها مع دول شرق البحر الأبيض المتوسط كبيرة وخصوصا في العراق وسوريا ودول الخليج العربي. إن  حجم التجارة بين الصين والدول العربية ارتفع بنسبة 11.9 بالمائة خلال 2017 إذ وصل في نهاية عام 2017 إلى 191 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل بين الصين والدول العربية إلى أكثر من 300 مليار دولار في العام 2018. وهذا هو لب القصيد وهذا هو سر الخلاف بين واشنطن وبيجينج على العالم العربي. فالصين شريك أساسي للشرق الأوسط ينافس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد