آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
وسام سباعنة
عن الكاتب :
مدير مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية

حتى يعود «اليرموك» إلى أهله: خطوات في انتظار العودة الكبرى


  وسام سباعنة

واهم من يعتقد أن هناك خطة جاهزة، أو قيد التفكير، لإعادة إعمار مخيم اليرموك في الوقت الراهن. فهذا الأمر أبعد ما يكون عن الواقع، وهو تائه في دهاليز السياسة والاقتصاد والحرب أيضاً.

فلا منظمة التحرير الفلسطينية، كما ادّعى بعض ممثليها، تملك الإمكانات والكفاءة ولا حتى الصلاحيات، لإعداد خطة لإعادة إعمار مخيم بحجم مخيم اليرموك وأهميته، وهي التي فشلت حتى الآن، رغم التعاون مع الأونروا، في إعادة إعمار مخيم نهر البارد.

ولا حتى الأونروا في وضع يسمح لها بتحمل هذه المسؤولية أيضاً، وخاصة في ظل تقليص الدعم عنها من قبل أكبر مموّليها (الولايات المتحدة الأميركية) كخطوة أولية للقضاء عليها، تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإمرار ما يسمى صفقة القرن. وهذا حديث آخر.

كما لا يوجد أي تنظيم فلسطيني (إسلامي أو يساري) يستطيع حتى الادعاء بأنه يملك الإمكانات والكفاءة اللازمة للقيام بهذه المهمة. وكي لا يبدو الأمر استخفافاً بأحد، كما قد يدور في بال البعض، علينا الاعتراف بأن مهمة إعادة إعمار المخيم مهمة صعبة جداً وكبيرة جداً، بسبب تعقيداتها السياسية والاقتصادية والأمنية والوطنية والقانونية والاجتماعية والتعليمية والصحية.

يعدّ مخيم اليرموك عاصمة الشتات، بيد أن ثقل هذه العاصمة السياسي والثقافي والاقتصادي سقط. وعانى المخيم وأهله ما عانوه، جراء التسليح والتهجير والحصار ودخول داعش وإخوته، مروراً بالاعتقالات والإخفاء القسري، إلى حدوث الدمار، وليس انتهاءً بالغرق ورحلات اللجوء القاسية. خلال تلك الظروف كلها، قاسى أبناء اليرموك الأمرّين. وتسببت المأساة بحدوث انهيار وشرخ مجتمعي، بما حوته من أنواع العذاب والإذلال.

مخيم اليرموك لن يعاد إعماره إلا إذا توحد أبناؤه، تاركين وراءهم كل الاتهامات المتبادلة وكل الرهانات الزائفة على أي قوة أو تنظيم غير الشرفاء من أبناء شعبنا الفلسطيني والسوري.

وبناءً عليه، أتقدم بخطوات عملية للنقاش، أرى أنه يجب علينا أن نحتشد وراءها، ونحشد معنا كل من يحرص على المخيم وأهله، ومعنى وجوده، من مؤسسات وفصائل وجهات حكومية ودولية ونشطاء وأفراد، وأي شخص يسعى إلى رؤية مخيم اليرموك على قيد الحياة مرة أخرى، وهذه الخطوات هي:

1- عودة المدنيين إلى المناطق غير المتضررة كلياً. فقد أثبتت التجربة أن وجود المدنيين وتعزيز المظاهر المدنية في أي منطقة هما الضامن الوحيد لحمايتها وتفعيلها، وإعادة الحياة إليها. (حيث إن هناك قطاعات داخل مخيم اليرموك بحاجة إلى ترميم بسيط إلى جانب فتح الطرقات، وهناك مناطق هي في الوقت الحالي مأهولة ببعض المدنيين، وأهالي المقاتلين الموجودين في المنطقة، ويمكن وصل هذه المناطق بالمناطق الأخرى، وبهذا تتعزز الكتلة المدنية الموجودة داخل مخيم اليرموك).

2- عودة خدمات الدولة إلى مخيم اليرموك ممثلة بـ(الشرطة - المياه - الكهرباء - البلدية - مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين - الهاتف - الإنترنت - المحكمة - الأفران، الخ...). وعبر ترميم كل ما يتعلق بممتلكات هذه الجهات، وعودة المواطنين إليها لممارسة دورهم في إعادة تفعيل هذه الخدمات للمناطق المؤهلة، وتنظيم المناطق التي هي بحاجة إلى إعادة إعمار عبر تجهيز خدمات البنية التحتية المتضررة جزئياً، واستبدال المتضرر كلياً.

3- انتشار جيش التحرير الفلسطيني في مخيم اليرموك على كل المحاور الرئيسية، وذلك اعتماداً على نموذج مخيم خان الشيح، إذ يتمتع جيش التحرير الفلسطيني بالصدقية الأكبر بين أبناء شعبنا الموجودين في سوريا، فقد أثبتت تجربة مخيم خان الشيح نجاحها وقبولها من معظم أهالي المخيم، حيث عاد تقريباً أغلب أهله إليه بعد المصالحة وعادت الحياة لتدب في أركانه.

4- مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، هي عنوان أي عمل داخل مخيم اليرموك باعتبارها المرجعية الفلسطينية لدى الدولة السورية ويجب أن تمثل مصالح شعبنا في سوريا، فهي من سيعمل على تمثيل التحشيد والمراقبة والمتابعة على سير أي خطة أو عمل من أجل إعادة مخيم اليرموك إلى الحياة، وهي المرجعية لأي عمل في استجرار الأموال أو الهبات أو التبرعات، بالتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية والأونروا وأي جهة فاعلة أخرى.

5- عودة الأونروا وتفعيل خدماتها داخل مخيم اليرموك، وجلّ ما هو مطلوب من الأونروا في الوقت الحالي هو دخولها إلى مخيم اليرموك بأسرع وقت ممكن، وإعادة إعمار منشآتها من مدارس ومستوصفات ومركز المرأة ومركز الشباب، وإعداد برامج تتناسب مع إعادة الحياة إلى مخيمنا.

6- عودة الفصائل الفلسطينية والاتحادات والنقابات ومراكزها الخدماتية والمؤسسات الفلسطينية إلى العمل داخل مخيم اليرموك بأسرع وقت ممكن، من الكشاف إلى مراكز المرأة، والفرق الموسيقية والمكتبات والأندية الثقافية، ومراكز الهلال الأحمر والمشافي.

7- العمل على إيجاد حلول سريعة لأهالي مخيم اليرموك الموجودين في يلدا وببيلا وبيت سحم، والبدء الفوري بالعمل على إعادتهم آمنين إلى مخيم اليرموك، وإخراج الحالات الحرجة للعلاج في دمشق وإدخال المواد الغذائية والصحية إليهم في أسرع وقت ممكن.

8- العمل على تشكيل لجنة مصالحة أهلية وفصائلية وبمشاركة شخصيات مجتمعة مؤثرة تحت إشراف مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين للعمل على تهدئة النفوس، ونزع فتيل الفتنة، ويجب علينا المباشرة بالعمل والتواصل مع أكثر من قوة في هذا المجال، وإلا سنواجه مشاكل لها علاقة بالانتقامات والثأر، وكل هذه النزاعات المتربصة في المستقبل القريب.

9- تشكيل لجنة تقويم أضرار تحت إشراف مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين والبلدية في مخيم اليرموك لتقويم الأضرار العمرانية وأضرار البنية التحتية في المخيم.

10- تشكيل لجنة قانونية تعمل على مساعدة أهالي المخيم في سوريا وخارجها لتثبيت ممتلكاتهم وحل النزاعات، ونشر الوعي بالإجراءات القانونية الواجب اتخاذها لحماية ممتلكاتهم القائمة والمهدمة.

11- إقامة حملات توعية وإطلاق حملات تطوعية من المؤسسات الفلسطينية الفاعلة بين أبناء شعبنا للعمل على المساهمة في فتح الطرق، وحملات النظافة والتنمية المستدامة داخل المخيم، ولتجميل شوارعه ومعالمه الأساسية (تربة الشهداء - الملاعب - الشارع الرئيسي - الساحات).

12- تشكيل لجنة من تجار ومقاولين ورجال أعمال من أبناء مخيم اليرموك (سوريين وفلسطينيين) لوضع خطة يساهم فيها المجتمع الأهلي، لإعادة الحياة في مخيم اليرموك.

أخيراً، يجب علينا جميعاً الارتقاء إلى مستوى الكارثة التي حلت بنا، وإلا فنحن مقبلون على فصل جديد من المعاناة والألم الذي سيلحق بنا كابوساً حتى الممات، فليس هناك منّا من يريد أن يلحق مخيم اليرموك بذاكرته المنكوبة، ويتحول إلى فصل جديد من نكباتنا. فقد أمتلأت أجندتنا كفلسطينيين ولاجئين بالمآسي والمجازر والنكسات والنكبات.

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/06/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد