آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

في فلسطين وسوريا باب التسوية مغلق في وجه إسرائيل


د. عصام نعمان

أوفد دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر ومستشاره جيسون غرينبلات إلى تل أبيب والقاهرة والرياض وعمان، لوضع اللمسات الأخيرة على «صفقة القرن». محمود عباس رفض مقابلة الموفدين الأمريكيين، لأن لا جدوى من ذلك، بعدما عطّلت واشنطن دورها كوسيط، بموافقتها على أن تكون القدس عاصمةً لإسرائيل.

الصفقة باتت جاهزة بحسب كوشنر، وهي تتضمن وفق ما جاء في صحيفة «هآرتس» (2018/6/27) النقاط الآتية:

*تكون «أبوديس» عاصمة الدولة الفلسطينية المكوّنة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
*نقل الإشراف على الأماكن المقدسة في القدس من الأردن إلى السعودية في حال امتنع الملك عبدالله الثاني عن اعتماد الصفقة.
*إلى أن يرحل محمود عباس عن هذه الدنيا، يُصار إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لإنشاء حكم ذاتي منفصل فيه.
*عدم المسّ بالمستوطنات (المستعمرات) الصهيونية في الضفة الغربية، مع إمكانية تبادل الأراضي بين الطرفين.
*الإشارة إلى سلسلة القرارات والتصريحات السابقة كمبادرة السلام العربية، وقراري مجلس الأمن 242 و338، وخرائط الطرق التنفيذية، لاعتمادها مرجعية لأي اتفاق مستقبلي.

من المنطقي أن يمتنع عباس عن المشاركة في مفاوضات من أجل صفقة لا تعطيه، رغم تنازلاته المتكررة، شيئاً ذا قيمة. لذلك استشاط كوشنر غضباً لموقفه وأطلق تهديداً فارغاً: «إذا لم يعد عباس إلى طاولة المفاوضات، فسنُخرج خطتنا إلى العلن»! عباس، وغيره كثيرون، يعرفون مضمون الخطة، أي الصفقة وتفاصيلها ولا يمكنهم الموافقة عليها، ولا يجدون تالياً جدوى من العودة إلى طاولة المفاوضات، ربما تأكد كوشنر أخيراً ما سبق لمسؤولي الكيان الصهيوني أن استخلصوه، وهو أن لا شريك فلسطينياً في التسوية التي يريدونها للقضية الفلسطينية. أجل، لا يمكن لأي فلسطيني يحترم نفسه ويحترم إرادة شعبه أن يقبل بأي تسوية للصراع تنطوي على تصفيةٍ للقضية.

موقف قادة سوريا مماثل لموقف قادة فلسطين، ولاسيما بعد حرب 1973. فقد عرض المسؤولون الأمريكيون صيغاً شتّى على سوريا لتسوية صراعها مع إسرائيل قوبلت برفض متواصل من الرئيس الراحل حافظ الأسد، كما من خلفه الرئيس بشار كونها انطوت دائماً على اغتصاب لحقوق سوريا في أرضها ومياهها، وعلى تصفيةٍ لقضية فلسطين.

حاولت أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الإقليميون ليّ ذراع سوريا، من خلال تسليط تنظيمات الإرهاب التكفيري عليها والسيطرة على مساحات واسعة من ترابها الوطني. غير أن صمود سوريا، قيادةً وجيشاً وشعباً، وقيام إيران وروسيا وقوى المقاومة العربية بدعمها، مكّنها من تحرير معظم تلك المساحات، وصولاً إلى مناطقها الجنوبية المحاذية للجولان السوري المحتل. هذا التطور الميداني اللافت قضّ مضاجع قادة إسرائيل وحملهم على مطالبة أمريكا وروسيا بالضغط على إيران لسحب قواتها من سوريا. روسيا رفضت الانسياق في ما حاولت أمريكا مساومة سوريا بإبداء استعدادها لسحب قواتها من شرق سوريا وشمالها الشرقي، مقابل قيام دمشق بمطالبة إيران بسحب قواتها من أراضيها. سوريا لم تكتفِ بالرفض، بل بادرت أيضاً إلى شن حملة سريعة ناجحة لتحرير ما تبقّى من مناطقها الواقعة تحت سيطرة تنظيمات مسلحة مدعومة من العدو الصهيوأمريكي.

أمريكا كما إسرائيل أدركت أن لا وجود لشريك سوري في التسوية التي عرضتها، فكان أن أوفد ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون إلى موسكو للتفاهم مع فلاديمير بوتين على لقاء في هلسنكي في 16 يوليو الحالي للبحث في «واقع العلاقات بينهما وآفاق تطويرها».

ما جدول أعمال اللقاء المنتظر؟

لعلهما سيبحثان في كل المسائل التي تتسبّب بتوتر واحتكاك بينهما على مستوى العالم، ولاسيما في غرب آسيا وعلى وجه الخصوص في منطقة الهلال الخصيب، أو الكئيب الممتد من الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط إلى الشواطئ الشمالية للخليج. ترامب تهمّه مصالح بلاده بطبيعة الحال، لكن تهمه أيضاً، وربما بالأهمية ذاتها، مصالح إسرائيل. سوريا تدرك ذلك، وكان سبق لحافظ الأسد أن واجه المسؤولين الأمريكيين الذين حاولوا مساومته في أعقاب حرب 1973 بموقفٍ أصبح قاعدة ذهبية في نظرة سوريا إلى أمريكا: «لا سياسة لأمريكا في الشرق الأوسط، بل سياسة لإسرائيل تنفذها أمريكا».

همُّ إسرائيل في المرحلة الراهنة إخراج إيران من سوريا في سياق السياسة الصهيوأمريكية الرامية إلى محاصرة الجمهورية الإسلامية وإنهاكها بالعقوبات الاقتصادية بقصد إضعافها، أملاً بتقويض نظامها. لذا سيسعى ترامب إلى إقناع نده الروسي بمقاربةٍ لتسوية الحرب في سوريا قوامها الإبقاء على الرئيس بشار الأسد، ودعمه لاستعادة وحدة بلاده وسيادتها من قبضة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك مناطق جنوبها الغربي المحاذية للجولان المحتل، شريطة إخراج القوات الإيرانية منها، والحؤول دون إقامة جسر لوجيستي بين طهران وبيروت عبر بلدة البوكمال على الحدود السورية ـ العراقية مقابل سحب القوات الأمريكية من شرق سوريا وشمالها الشرقي.

روسيا ملتزمة رسمياً سياسة سوريا الرامية إلى استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، فلا يُعقل أن تنخرط في أي سياسةٍ تعرقل كفاحها لاستعادة حقوقها وسيادتها كاملةً، كما يُستبعد أن تناوئ سياسة إيران في سوريا، كونها تلتقي معها في أمورٍ عدّة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي وجه أمريكا تحديداً. لذا قد يواجه بوتين نده الأمريكي بمقاربة مغايرة قوامها استعــداد روسيا لوقـف تزويد سوريا بمنظومة S-300 أو S-400 للدفاع الجوي، شريطة التزام أسرائيل بأربعة موجبات:

*وقف دعم التنظيمات المسلحة جميعاً في المناطق السورية المحاذية للجولان المحتل ما يمكّن الجيش السوري من تحريرها وبسط سيادة بلاده عليها.
*الامتناع عن دعم أي جماعة سورية اثنية (كردية) أو مذهبية تعمل لإقامة كيانات سياسية منفصلة عن حكومة سوريا المركزية.
*الامتناع عن استباحة الأجواء السورية واللبنانية بسلاحها الجوي لقصف قواعد أو منشآت أو مؤسسات داخل سوريا ولبنان.
*سحب القوات الأمريكية من منطقة التنف في جنوب سوريا الشرقي، كما من قواعدها في محافظات دير الزور والرقة والحسكة، وامتناعها عن دعم الكرد السوريين الساعين إلى إقامة كيانات سياسية في شمال البلاد منفصلة عن حكومتها المركزية.

في حال نفّذت أمريكا وإسرائيل الشروط آنفة الذكر، فإن موسكو تتعهد بإقناع دمشق وطهران بسحب القوات الإيرانية من سوريا، إذ لا يعود من حاجة إلى وجودها.

من المرجّح أن تتناول محادثات ترامب وبوتين في هلسنكي هذه الأمور وغيرها من المسائل الخلافية العالقة. لكن من الأكيد أن سوريا لن تكون، مباشرةً أو مداورةً، شريكاً في أي تسوية مع إسرائيل، تمسّ بوحدتها وسيادتها، أو بوحدة فلسطين وحق شعبها في التحرير والعودة وإقامة دولته المستقلة.

في فلسطين وسوريا، باب التسوية مغلق في وجه إسرائيل.
جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/07/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد