التقارير

تقرير خاص: الجزية النفطية.. أخر إبداعات #ترامب بابتزاز #المملكة


مالك ضاهر..

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضجة إعلامية وسياسية عالمية بعد إعلانه أن الملك سعودي سلمان بن عبد العزيز قد وافق على طلبه بزيادة إنتاج النفط في المملكة بمقدار مليوني برميل يوميا، لتعويض الخسائر الناجمة عن تخفيض الإنتاج في كل من فنزويلا وإيران"، ما استدعى تدخلا أمريكيا من قبل "المتحدثة باسم البيت" سارة ساندرز التي حاولت التوضيح والتبرير لزلة لسان ترامب بأن "الملك السعودي أكد فقط إمكانية استخدام احتياطيات إنتاج النفط لموازنة الأسواق".

وحاولت ساندرز التأكيد أن كلام ترامب لن يؤثر على "الالتزام بسوق طاقة عالمية سليمة ومستقرة لصالح جميع البلدان"، وشددت على "ترامب وسلمان اتفقا على أن توازن سوق النفط العالمية ضروري لضمان الوصول إلى طاقة موثوقة وبأسعار معقولة للناس في جميع أنحاء العالم"، كما حاولت المتحدثة إلصاق الأمر بالمملكة السعودية عبر قولها إن الملك سلمان هو من أكد أن بلاده "لديها إمكانية إنتاج إضافي يبلغ مليوني برميل يوميا عند الحاجة، وسيكون من الحكمة استخدامه إذا كان ذلك ضروريا لضمان توازن واستقرار السوق".

كلام ترامب والمصالح السعودية..

وهذا الكلام الصادر عن ترامب والموافقة الكاملة والسريعة من الملك السعودي يطرح العديد من التساؤلات المتعلقة بعمل منظمة الدول المصدرة للبترول(أوبك) ومدى القدرة على تجاوزها عبر التدخلات السياسية من قبل بعض الدول على رأسها الولايات المتحدة ومن ثم المملكة السعودية وغيرها، فهل يُقبل أن يتم التوافق بين دولتين على تجاوز كل الدول المنضوية تحت لواء "أوبك" وتقرير رفع الإنتاج دون الرجوع إليها؟ ولماذا يجب على باقي الدول الالتزام بقرارات المنظمة بينما يعمل البعض على ضرب هذه  القرارات وفقا لمصالحه الخاصة؟ ومن جديد تطرح التساؤلات عن هذا الرضوخ السعودي الكامل والقبول الذي يقدم على بياض بخصوص كل الطلبات والرغبات الأمريكية؟ وهل فعلا من مصلحة المملكة السير بالرغبات الأمريكية بهذا الخصوص أم من المصلحة السعودية الالتزام بقرارات المنظمة والقبول بما يصب بالمصلحة الدولية في هذا المجال وعدم مخالفة رأي الأغلبية وقرارات المنظمة المعنية؟

الحقيقة أن كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض على الرغم من توجيهه بوصلة الاتهام برفع الإنتاج إلى المملكة لإبعاد الشبهات عن الولايات المتحدة الأمريكية ما هو إلا دفع بالمسؤوليات عن ظهر ترامب لتحميل المسؤولية للملك سلمان، وبالتالي هو جزء من التبعات التي ستجد نفسها المملكة السعودية تدفعها وتتحمل مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي نتيجة هرولتها بهذه الطريقة خلف الإدارة الأمريكية من دون البحث والمناقشة فيما ينفعها أو يضرها فعلا، ومن دون أن يحافظ السعوديون على كيان خاص بالمملكة ككيان قائم بصفتها دولة ذات سيادة.

الالتزامات المسبقة ودفع الجزية..

والواقع أن المملكة السعودية تجد نفسها يوما بعد يوم رهينة الالتزامات السياسية التي قطعتها للإدارة الأمريكية وتجد نفسها موضعا للابتزاز المستمر من قبل ترامب وفريق عمله، فالرجل يواصل تحصيل الجزية التي وعد خلال حملته الانتخابية الرئاسية أن تدفعها الدول التي تحصل على الحماية الأمريكية في مختلف أرجاء العالم وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد أكثر من أنظمة الخليج وعلى رأسها النظام السعودي، وهذه الجزية التي قبض ترامب بعض نماذجها كمبالغ دفعت له نقدا أو عبر صفقات استثمارية داخل الولايات المتحدة أو اتفاقات لشراء أسلحة بأسعار خيالية، وذلك خلال زيارته إلى المملكة في العام 2016 أو عبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن مؤخرا أو ما سبقها من زيارات، واليوم نرى ترامب يحاول سحب المزيد من الخيرات العائدة للسعوديين والتي تدفع من جيوب المواطنين عبر إنتاج إضافي وخيالي للنفط خارج كل الالتزامات الدولية والأعراف المعمول بها في "أوبك".

وبذلك تضاف "الجزية النفطية" التي تدفعها المملكة إلى فتح أبوابها أمام الشركات الأمريكية التي تريد الاستثمار وتحقيق الأرباح الخيالية عبر المشاريع والرؤى التي يقودها ابن سلمان لنقل البلاد من حال إلى حال وزيادة الوجهات السياحية في البلاد وبناء المصانع والمؤسسات خارج إطار النفط والبترول وكلها بالتالي ستؤدي بشكل أو بآخر إلى تحقيق المصالح الأمريكية عبر الشركات التي يرسلها ترامب وصهره جيراد كوشنير إلى الجزيرة العربية لحمل الثروات الطائلة إلى بلاد "العم سام" بدل أن تصرف فعلا ويتحقق عبرها النمو في البلاد حيث يوجد الكثير من نقاط الضعف والثغرات في بالعديد من المجالات والتي تتنوع بين زيادة نسب البطالة وارتفاع معدلات الفقر والحاجة في كثير من المناطق إلى التنمية والتطوير والمدنية.

الرضوخ.. والأثمان السياسية

واللافت أن ترامب لا يتوقف عن ابتزاز المملكة عبر تحميلها مسؤولية الخطوات التي تقوم بها إدارته بخصوص الخروج من الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة دول(5+1) وإيران، وبالتالي هو يريد قبض ثمن هذا الخروج من قبل الخزينة السعودية، خاصة أن الجميع كان يسمع التحريض السعودي الذي كان يقوده ولي العهد وفريقه السياسي والإعلامي لدفع الأمريكيين للخروج من الاتفاق، وكيف قاد نفس الفريق جولة الترحيب بالخروج عند حصوله، ولذلك جاء الموعد كي يدفع هذا الفريق -من جيوب السعوديين بالطبع- ثمن مواقفهم السياسية، لأن ترامب لا يعمل عند أحد ولا يقدم خدمات مجانية لأي طرف كان وهو اليوم يريد الاستثمار في كل ما فعله في الملف النووي.

وبالسياق، جدد الرئيس الأمريكي دعوته للمملكة السعودية إلى زيادة الإنتاج لمستوى قياسي جديد، وحثها على "ضرورة مساعدة الولايات المتحدة في خفض أسعار الوقود في الوقت الذي تساند فيه واشنطن الرياض في صراعها مع طهران"، وتابع "يجب ألا ننسى أن الجانب السلبي الوحيد في الانسحاب من اتفاق إيران هو أننا نخسر الكثير من النفط وعليهم تعويض ذلك"، وسأل "من هو عدوهم الأكبر؟ إنها إيران نعم.. سيتعين عليهم القيام بذلك، سيتعين عليهم ضخ مزيد من النفط "، في إشارة واضحة إلى اقتناعه التام بحتمية الرضوخ السعودي للطلبات الأمريكية بزيادة إنتاج النفط.

التكاليف الاقتصادية للسياسات الخاطئة..

وكانت الرغبات السعودية الأمريكية تأمل أن تتضرر إيران لوحدها من عملية تخفيض إنتاج النفط بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات أحادية الجانب إضافية على طهران، إلا أن الظروف أدت إلى حصول إضرار للعديد من الأطراف الدولية ومن بينها الرياض وواشنطن خاصة مع ارتفاع المخاوف من خروج كميات كبيرة من النفط من الأسواق العالمية(نتيجة العقوبات ضد إيران) بينما يرتفع الطلب العالمي على الخام، كل ذلك دفع ولي العهد السعودي إلى السفر للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بزيادة الإنتاج إلى مليون برميل يوميا لتخفيف الخسائر التي تتكبدها المملكة، قبل أن ترتفع أسعار النفط مؤخرا ما دفع بترامب للتهجم على "أوبك" مطالبا إياها بضرورة الكف عن التلاعب بأسواق النفط العالمية، كما زاد من الضغط على المملكة السعودية لزيادة الإمدادات من أجل تعويض انخفاض الصادرات من إيران.

كل ما جرى يؤكد المؤكد أن المملكة السعودية تخضع لابتزاز أمريكي مفتوح ومكشوف نتيجة سياساتها المتبعة من قبل الملك وولي عهده والفريق المحيط بهما، هذا الأداء السعودي إذا ما استمر بنفس الوتيرة سيجلب الأضرار للآخرين في العديد من المجالات وبينها الملف النفطي، كرمى لطموحات فردية لأفراد يريدون حماية مصالحهم بالوصول إلى السلطة وتملكها أكثر فأكثر، ولكن هذا الذي تقبله المملكة على نفسها لن تسير معها فيه بقية الدول التي تبحث أولا وأخيرا عن مصالحها الوطنية العامة لا على مصالح هذا الأمير أو ذاك الرئيس.

أضيف بتاريخ :2018/07/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد