آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حماد صبح
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

بالإشارة إلى شعارات انعزالية: ستظل سوريا عربية الهوية والموقف


حماد صبح

تقترب سوريا مسرعة من السيطرة على كامل أراضيها بعد الانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري وحلفائه ، وأحدثها تحريره ل80 % من  محافظة درعا ، واستعادة الدولة السورية لمعبر نصيب على حدودها مع الأردن والعراق . الأسئلة كثيرة هذه الأيام داخل سوريا وحول سوريا ، منها سؤال كيفية إعادة الإعمار بعد ما يزيد على سبع سنوات من التخريب الطاحن الجارف الذي عم كل نواحي الحياة في البلاد في مؤامرة عالمية الأبعاد قل شبيهها في التاريخ . ومن تلك الأسئلة الكبيرة سؤال حول مستقبل هوية سوريا الوطنية والقومية التي ستترتب عليها مواقفها ، تلك المواقف التي كانت أهم مستهدفات المؤامرة . نقرأ أن في سوريا تيارا يجنح إلى الانعزال والالتفاف على الذات في البعد العربي بعد غدر وخيانة من كانوا يصنفون أشقاء ، ومحالفتهم لإسرائيل وأميركا في تخريب سوريا وتقطيعها دويلات عرقية ومذهبية . وإلى جوار هذا التيار تيار قوي يصر على التمسك بهوية سوريا عروبة وموقفا . فما توقعات غلبة أي التيارين للآخر ؟! نرجح أن التيار العروبي سيكون هو الغالب ، وأن سوريا ، روح العروبة ، ستظل عربية الهوية والموقف ، وبراهين ما نرجحه كثيرة .

ـ أولا : حتى التيار الانعزالي ، ورغم شرعية ألمه الكبير من غدر الأشقاء الأكبر ، لا يجنح إلى الانعزالية هوية وموقفا ، يجنح إليها وسيلة للتفرع لإعادة إعمار  البلاد ، ويرى تجنب الانغمار في القضايا الخارجية جزءا من هذه الوسيلة .

ـ ثانيا : انتصار سوريا الذي يقترب من اكتماله أسهمت فيه قوى عربية أكبرها حزب الله الذي وقف مع سوريا موقفا سيحفظه التاريخ مثالا على الإخلاص والتضحية من أجل الأمة العربية والإسلامية ، وسيحفظ روعة حكمة أمينه العام سماحة الشيخ حسن نصر الله ، ونفاذ رؤيته حين بشر في ثقة واقتناع راسخين بأن سوريا لن تسقط ، وكان ذلك في مستهل انفجار المؤامرة وضراوة عنفها ، وغزارة الأصوات التي تسابقت في تحديد موعد سقوطها . وقاتلت قوى فلسطينية مع الجيش العربي السوري ، منها الجبهة الشعبية _ القيادة العامة ، وجيش التحرير الفلسطيني _ جناح سوريا ، وقوى شعبية عراقية . وفي انتصار سوريا بعد إسلامي هو البعد الإيراني ، ونراه بكيفية ما ، تعزيزا للبعد العربي ، وإن استهدف أعداء العروبة والإسلام تفسيره من زاوية ضيقة مضللة ، وفيه بعد عالمي مثله موقف روسيا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ، وموقف الصين سياسيا ودبلوماسيا ، أي : إذا كان هناك من “عرب الاسم  ” من غدر بسوريا فإن هناك من وقف معها عربيا وإسلاميا وعالميا ، وهذه هي طبيعة صراعات القوى الدولية على مدى التاريخ .

ـ ثالثا : سوريا إذ هي قلب العرب الحي ، هي واسطة عقد الشام المؤلف منها ومن فلسطين والأردن ولبنان ، والقيادة السورية تحفظ هذه الحقيقة في القلب ، والشام كله اسمه سوريا الكبرى ، ولا تمييز في سوريا بين دمشق والقدس أوبين حمص وحيفا .

ـ رابعا : في الثقافة السورية وعي عميق بتاريخ المنطقة ، ولب هذا الوعي المتجذر في ثمانية آلاف عام أن انتماء سوريا لم يكن إلا لإقليمها ، وإنها كانت دائما تقصي الغرباء عن هذا الإقليم ، وزمن الحروب الصليبية بقيت دمشق وحلب مستعصيتين على الصليبيين.

ـ خامسا : دمشق متيقنة أن عزلها عن عروبتها وإسلامها هوية وموقفا هو لب العدوان عليها إسرائيليا وأميركيا ، وهي لن تمنح إسرائيل وأميركا بالسياسة ما أخفقتا في انتزاعه بالنار والقتل والتخريب . وليس  مفاجئا أن نسمع في هذه الأيام حديث إسرائيل عن فرص سلامها مع سوريا ، وأن يقول رئيس وزرائها أنه ليس لها مشكلة مع الرئيس الأسد . إنها مع أميركا تسعى لعزل سوريا عن حلفائها وأصدقائها تمهيدا لتقليص دورها القومي ، ولا يتوقف إصرارهما على إخراج إيران منها لتستفردا بها ، وتفرضا عليها رؤيتهما في علاقة سلام جديدة مع إسرائيل تبدأ بحل معين لمشكلة الجزء المحتل من الجولان طمعا في تكرار ما حدث مع مصر في اتفاقية كامب ديفيد حين أصرت إسرائيل _ مدعومة بضغط أميركي على مصر _ في المادة السادسة من الاتفاقية على أن تكون لها ، للاتفاقية ، أولوية الالتزام بها إذا اختلفت مع أي اتفاقية عقدتها مصر مع أي دولة ، فقضي على موقف مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بضربة واحدة . ولهذا نتوقع أن تكون حرب السياسة حول سوريا أشرس من حرب النار والقتل فيها . القوى المعادية للأمة العربية والإسلامية ، ونواة هذه القوى إسرائيل وأميركا ، لا تيأس بسهولة ، وتدخل كل حرب جديدة  بأساليب تلائمها .

ـ سادسا: الغالبية الكبرى من الشعب السورية عربية ، أكثر من 90 % ، ومن حقها أن تكون دولتها عربية الاسم والهوية والموقف ، هل تخرج من ذاتها ؟! وسوريا كانت أفضل مثال واقعي على تماسك مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية والثقافية ، وهذا التماسك أحد مسببات انتصارها على المؤامرة التي استهدفت تمزيقها ، ومحو هويتها الكلية .

سوريا ستظل عربية الهوية والموقف ، فهذا ما تحكم به خلاصة تاريخها وموقعها الجيو سياسي ، والمعتدون لن يصنعوا لها هوية على هوى أطماعهم المجرمة ، ومن الفكاهة السوداء أن تنشط إسرائيل للعبث  بالهويات الراسخة في المنطقة وهي الدولة الملفقة في كل خيط من نسيج  كيانها الهش في جوهره  .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/07/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد