آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زهير أندراوس
عن الكاتب :
كاتب سياسي فلسطيني

محور المُقاومة والمُمانعة سيهزِم تحريضكم


زهير أندراوس

قال الفيلسوف الفرنسيّ فولتير: “لا أوافق على رأيك، لكننّي مستعد للموت من أجل حقك بالتعبير عنه”، ومن نوافل القول التذكير بأنّ “الرصاصة الغادرة قد تقتل شخصًا، أمّا الكلمة الخائنة فقد تقتل أمّةً كاملةً”، في السياق عينه لينين فقد حذّر من أنّه “عندما تتكرّر الكذبة بما فيه الكفاية، تتحوّل إلى حقيقةٍ”، أمّا وزير الإعلام النازيّ في عهد هتلر، جوزيف غوبلز، فقد اشتهر عندما أطلق العبارة التالية: “أعطِني إعلامًا بلا ضمير، أُعطيك شعبًا بلا وعي”، وفي ظلّ الحرب الإعلاميّة التي يخوضها العرب ضدّ العرب، لا بُدّ من الاستعانة بجورج أورويل البريطانيّ، الذي أكّد على أنّه “في زمن الخداع العالميّ، يُصبح قول الحقيقة عملاً ثوريًا”، علمًا أنّ الحقيقة باتت عملةً نادرةً في هذا الزمن الرديء، ذلك أننّا لا نُجافي الواقع والصواب، إذا جزمنا بأنّ شرائح واسعة من الإعلام العربيّ، لا يُمكن التقليل من تأثيرها، باتت مُجيّرةً لصالح أجنداتٍ تتساوق، للأسف الشديد، مع أهداف الثالوث غيرُ المُقدّس: الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة.
***
إمبراطوريات إعلام عربيّة، مُرتبطة عضويًا بالرجعيّة، باتت لاعبًا مركزيًا في المؤامرة على اليمن وسوريّة والمقاومة اللبنانيّة، المُتمثلة بحزب الله، وحركة المُقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، ولا نُبالغ إذا جزمنا بأنّها أصبحت من أهّم وأخطر اللاعبين في الحرب الدائرة في سوريّة واليمن، اللذين يتعرّضان لهجمةٍ شرسةٍ من أعداء الأمّة العربيّة، ذلك أنّ المخطط الإمبرياليّ-الصهيونيّ الشيطانيّ، الذي يعكف على إخراجه إلى حيّز التنفيذ، وكلاء هاتين الحركتين، لم يعُد يكتفِ باستباحة الوطن العربيّ، بل إنّ هدفه يكمن أيضًا في احتلال العقول العربيّة وكيّ وعيها تمامًا، بهدف استدخال الهزيمة، ذلك أنّ المهزوم داخليًا، لا يُمكنه حتى التفكير بالانتصار، فما بالكم بالعمل على تحقيقه! وهذا ما يجعل دور الإعلام العربيّ المُناوئ لسوريّة واليمن ولـ”محور الشّر”، موازيًا لدور الإعلام الإسرائيليّ والغربيّ في شيطنة محور المقاومة والمُمانعة، وتحويله إلى ألدّ أعداء الأمّة العربيّة. والأمر أصبح أكثر خطورةً في زمن العولمة، التي حوّلت العالم إلى قريةٍ صغيرةٍ، بحيث أنّ دور الإعلام الهدّام بات أكثر تخريبًا واقترب بخطى حثيثة إلى التدمير الكليّ لكلّ ما يمُت للعرب بصلةٍ.
***
بشكلٍ أوْ بآخر، تبنّت العديد من وسائل الإعلام العربيّ أوْ المُستعرِب الفلسفة السفسطائيّة، التي ظهرت في اليونان في عام 450 قبل الميلاد، والسفسطة هي حُبّ الجدل أوْ الجدل لمجرّد الجدل وليس للاقتناع بفكرةٍ أوْ مبدأ، بل رغبة في التضليل. المشكلة أوْ المعضلة مع الإعلام المُستعرِب، وهذا برأينا المتواضع جدًا، أنّ عملية طبخ الأخبار والتقارير تتّم بمهنيّةٍ كبيرةٍ للنجاح في إيصال المعلومة أوْ المعلومات إلى المشاهد العاديّ على أنّها معلومة مؤكّدة، لا لبس فيها ولا غبار عليها، أيْ أنّ عملية التضليل تسير وفق معايير سفسطائيّة، تمامًا كما كان بالنسبة إلى أهل أثينا، الذين اخترعوا السفسطائيّة، حيث لم تكن البلاغة في القول مجرد وسيلة لتجميل الكلام، بل وسيلة لا غنى عنها لإظهار الحقيقة.
***
والشيء بالشيء يذكر: يعتمد التلفزيون في المقام الأوّل على الصورة في نقل الأفكار والمعلومات. بعكس الصورة، الكلمات يُمكنها أنْ تحمل فرضيّةً أوْ تساؤلاً أوْ اقتراحًا، يُمكنكَ أنْ تقول إنّك تختلف مع عبارةٍ معيّنةٍ، ولكن ليس بإمكان أحدهم أنْ يختلف مع صورةٍ أوْ يقول إنّه يتفق معها جزئيًا. الصورة يُمكنها فقط أنْ تثير المشاعر، يُمكنك أنْ تُعجب بمشهدٍ طبيعيٍّ، تحزن لصورة شخصٍ قُتل في حربٍ، تتحمّس لرؤية صورة لعلم بلادك، ولكن لا يُمكنكَ أنْ تقول إنّ هذه الصورة خاطئة. وهنا نصل إلى نقطة لا تقلّ خطورتها عمّا ذكرنا آنفًا، فإمبراطوريات الإعلام تمتلك من الأدوات التكنولوجيّة المتطورّة والحديثة جدًا ما يكفي لتغيير الصورة، أوْ حتى خلق الصورة، وتسويقها على أنّها حقيقيّة، ضمن الحيّز الفضائيّ. وخلال السنوات الأخيرة، لجأت هذه الإمبراطوريات إلى هذا الأسلوب في تعاملها مع الأزمة السوريّة، وخلقت لدى المتلقّي العربي انطباعًا أوْ حتى شعورًا بأنّ النظام السوريّ يرتكب المجازر ضدّ شعبه، واستعملت صورًا مأخوذةً من قطاع غزّة ومن العراق، زاعمةً أنّها التُقطت في بلاد الشام، والمؤسف حقًا، كما قال مارتن لوثر كينغ “إنّه لا شيء يؤلِم الناس مثل التفكير”، ذلك أنّك عندما تُحاول النقاش حول المصداقيّة، يُواجهك الآخر بالصورة، ويقول بدون استخدام العصف الذهنيّ، ولكن رأيت الصور في هذه الفضائيّة أوْ تلك، الأمر الذي يجعل مهمتك صعبة، إنْ لم تكُن مُستحيلةً.
***

وهذا المكان وهنا الزمان للتذكير بأنّ كلّ إناءٍ ينضح بما فيه، فوسائل العلام العربيّة، التي تعمل على مدار الساعة لشيطنة النظام السوريّ وتستأسد على اليمن الفقير، وتُبرّر احتلال ليبيا وتفتيتها، هو نفس الإعلام، الذي يُواصل عمله المُثابِر من أجل إقناع الناطق/ة بالضاد بأنّ عدّو الأمّة العربيّة ليس رأس الأفعى أمريكا و/أوْ ذيلها الطويل، إسرائيل، إنمّا إيران، وهذا التوجّه خطير إلى أبعد الحدود، إذْ أنّه بعد الطائفيّة المقيتة والمرفوضة، أصبح هذا الإعلام يعزف على الوتر المذهبيّ، ويُقسّم الأمتّين العربيّة والإسلاميّة وفق المعايير المذهبيّة المرفوضة: هذا سُنيّ وذاك شيعيّ، الأمر الذي يُكرّس ويُرسّخ حالة الشرذمة ويخدم أجندة أمريكا وإسرائيل بصورةٍ مُباشرةٍ.
***
وغنيٌ عن القول إنّه من حقّ كلّ إنسانٍ على وجه هذه البسيطة أنْ يتخّذ الموقف الذي يرتئيه صحيحًا، مع ذلك، يجب توخّي الحيطة والحذر في مُتابعة فضائياتٍ عربيّةٍ، التي انتشرت كالنار في الهشيم، وعدم الانجرار وراء تعاملها بمكيالين، فمصالح الأمّة العربيّة، من المُحيط إلى الخليج، أسمى من أنْ يُلوثها مَنْ راهنوا على واشنطن وتل أبيب وما زالوا، كما أنّ َمَنْ يُطالب بحريّة الشعب السوريّ، ويُشارِك في ارتكاب المجازر الفظيعة بحقّ المدنيين في اليمن، عليه أولاً أنْ يُطلق الحُريّات في بلده، ذلك أنّ مَنْ بيته من زجاج، لا يرمي الحجارة على الآخرين.
***
أخيرًا، عندما يُصبِح العدوان الصهيونيّ ضدّ سوريّة هجومًا، والضحايا قتلى وليس شهداء، اعلموا أنّكم في الوطن العربيّ، وحين  تتساوَق الرواية الإسرائيليّة مع إعلام الاستعراب تيّقنوا أنّ التطبيع مع الكيان الغاصِب انتقل من مرحلة السريّة إلى حقبة العلنيّة، وأنْ التغلغل الصهيو-أمريكيّ في صُلب وعيْ أمّة الناطقين بالضاد أمسى القاعدة وليس الاستثناء.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/07/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد