آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

في عالم المتغيرات والتحولات السريعة أصبحت الامبراطوريات تموت بسكتة قلبية.. الاتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة لاحقاً وإسرائيل معها بتحصيل حاصل

 

 د. عبد الحي زلوم

في عالم المتغيرات والتحولات السريعة أصبحت  الامبراطوريات تموت بسكتة قلبية، الاتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة لاحقاً وإسرائيل معها  بتحصيل حاصل.

ليس ما نقوله هنا هو من باب التمني وإنما بناءً على استقراء دقيق للتاريخ وتحليل موضوعي بدأته بأبحاث عن العولمة باعتبارها الاسم المستعار للاستعمار الجديد وذلك قبل 20 سنة في كتابي (نذر العولمة – 1998) والذي استنتجت خلاله أن امبراطوريات هذا العصر تموت بسكتات قلبية مفاجئة كان مثالها الاتحاد السوفياتي وستتبعها الولايات المتحدة بأقرب من ما يتصوره الكثيرون . ولقد أتْبعتُ بحثي بكتاب أخر اسمه (أزمة نظام – الرأسمالية والعولمة في مأزق) بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 ، ثمّ بكتاب آخر قارن ما جاء في كتابي الأول عن العولمة وكان بعنوان (نذر العولمة بعد عشر سنين) أعدت تأكيد  أن الولايات المتحدة متجهة لا محالة إلى مصير الاتحاد السوفياتي.

قبل محاضرة لي في جامعة هارفارد بتاريخ18-3-2008 ببضعة شهور كان هناك محاضرة لمن اسموه بمؤرخ القرن العشرين Eric Hobsbawm اريك هوبسباوم حيث قال في محاضرته :”لربما تسبب الإمبراطورية الأمريكية الفوضى والبربرية بدلاً من حفظ النظام والسلام”. وقال “إن هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً”، ثم أضاف “هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الإمبراطورية البريطانية أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد صممت من أجلها ؟”. إن ما قامت به الولايات المتحدة من حروب وخصوصاً في العالم الإسلامي هي الفوضى والبربرية التي تحدث عنها هوبسباوم .
فشل مبدأ بوش ومشروع القرن الأمريكي الجديد للأحادية:

نتيجةً لتسارع الأحداث وتعقيدها استعان الانسانُ وخصوصاً الولايات المتحدة بالذكاء الاصطناعي عن طريق الكمبيوترات في وضع الخطط والبرامج . وبالرغم من قدرة هذه الأدوات الهائلة إلا أنها تبقى بدون أحساس مما يفقدها نبض الشارع والأمم فتصبح أرقام فارغة من محتواها . وهكذا انتهت الكثير من برامج ومخططات الولايات المتحدة إلى فشل ذريع لأنه بدون فهم مكونات الشعوب العاطفية والدينية والعقائدية ما يقدم إلى الكمبيوترات ينطبق على مبدأها وهو (أدخل معلومات خاطئة تأخذ أجوبة خاطئة) . وهكذا فشلت في خططها لفرض أحاديتها وهيمنتها على العالم كما جاء في ما اسموه (النظام العالمي الجديد) والذي لخصه جورج دبليو بوش سنة  2002 في ما تم تسميته (مبدأ بوش ) وهو أحادية أمريكية وهيمنة مطلقة ومنع بروز أي قوة أو تحالف يتحدى أي من سياسات الولايات المتحدة في أي مكان في العالم وان مبادئ الراسمالية الأمريكية المتوحشة صالحة لكل زمان و مكان وأن على العالم أن يكون معها أو ضدها وويل لمن يتحداها.  وأعطت أمريكا الحق لنفسها بشن الحروب الاستباقية بموافقة الأمم المتحدة أو بدونها.

فشلت هذه السياسة فنشأت دول وتكتلات تتحدى الأحادية والهيمنة الأمريكية كدول بريكس وكدول شنغهاي بل وقامت الصين بالتعاون مع روسيا ودول أخرى بإنشاء أدوات بديلة عن أدوات الاستعمار الأمريكي الجديد كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووضعت الخطط للخروج من منظومة الدولار الأمريكي.  وخسرت الولايات المتحدة حروبها فأصبحت حرب أفغانستان الأطول في التاريخ الأمريكي،  ولم يحقق غزوها للعراق أهدافه بالرغم من أنها كادت أن تطيح بالنظام الاقتصادي الأمريكي . وكذلك فشلت في سوريا .

خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران بينما بقيت جميع الدول الأخرى متحديةً بأنها ستفرض عقوبات مقابل أي عقوبات أمريكية على شركاتها. اختلفت الولايات المتحدة مع جارتيها الشمالية والجنوبية (كندا و المكسيك ) مع أنهما يتشاركان مع الولايات المتحدة مع منظمة التجارة الحرة لدول شمال أمريكا (NAFTA).

 وكذلك اختلفت مع الاتحاد الأوروبي وفرضت الرسوم الجمركية على بعض منتجاته مما حدا بتلك الدول برفع شكوى ضدها لمنظمة التجارة العالمية . واختلفت مع دول الناتو الأوروبية وكذلك مع تركيا وإيران وفرضت الجمارك على الصين مما دفع الصين لفرض رسوم مشابهة على البضائع الأمريكية لم يبقى للولايات المتحدة صديق إلا نتنياهو وبعض صهاينة العرب،  وبمثل هؤلاء الأصدقاء فهي لا تحتاج إلى أعداء.

هذه نتائج العولمة الكارثية :

في الداخل الأمريكي : بسعر الدولار الثابت لم يتغير دخل الفرد الأمريكي عما كان في سبعينات القرن الماضي وتمّ انتقال الوظائف الصناعية إلى المكسيك وأمريكا الجنوبية ثم إلى شرق أوروبا ثم إلى جنوب شرق أسيا والصين . كذلك استثمرت الشركات الأمريكية  رؤوس أموالها في الخارج وأبقت أرباحها هناك وامتنعت عن الاستثمار في البنية التحتية في الولايات المتحدة مما سبب تخلفها حتى عن مثيلاتها في بعض الدول الناشئة .

كتب الدكتور ديل أركر Dale Archer   مقالين في مجلة فوربس Forbes  الأمريكية المحافظة بعنوان :” فروقات الثروة: هل ستقود إلى ثورة ؟” ومجلة فوربس ليست مجلة يسارية ولا ثورية بل محافظة تملكها أحدى أغنى العائلات الأمريكية فائقة الثراء . جاء في المقال الأول بتاريخ 4/9/2013 :

” كل الكلام عن تفاوت الثروة في السنتين الأخيرتين يستحضر السؤال : هل ستقود فروقات الثروة هذه إلى ثورة ؟… أن أغنى واحد بالمئة يمتلكون 40 بالمئة من ثروة الأمة المقدرة بـ 54 تريليون دولار.  هذا يترك فقط 7 بالمئة لثمانين بالمئة من المواطنين . ولنضعها بشكل آخر فإن أغنى 400 أمريكي يمتلكون أكثر من ما يمتلكه  150 مليون أمريكي أي أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة …”

كذلك انتفخ الدين على الحكومة الأمريكية ليزيد عن 20 تريليون دولار وهو رقم لو قيس إلى الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي لتم تصنيف الولايات المتحدة بأقل من تصنيف صندوق النقد الدولي للأردن مثلاً!

أما خارج الولايات المتحدة فتم استعمال أدوات العولمة الحديثة كصندوق النقد الدولي كمصائد للديون على الدول بحيث أصبح اقتصاد تلك الدول يعمل ليل نهار لصالح الشركات العابرة للقارات وسداداً لفوائد القرض. نتج عن ذلك فقدان الدول لسيادتها الاقتصادية وبالتالي السياسية  .

في مقدمة كتابي نذر العولمة أعطيت اقتباساً نقلاً عن مجلة تايم بتاريخ 1 حزيران 1998  عن عبودية الديون.

 جاء في الاقتباس:

–         “11 دولاراً : هو المبلغ الذي تدفعه الدول النامية على صورة خدمة الديون مقابل كل دولار تحصل عليه على صورة مساعدات.”    وعن عبودية الشركات العابرة للقارات جاء في الاقتباس :”
–        30.000 شخص هو عدد الموظفين الأندونسيين لمصنع نايكي “NIKE” للأحذية الرياضية ، والذين يقل أجمالي رواتبهم السنوية عما يتقاضاه نجم كرة السلة الأمريكي مايكل جوردان(Michael Jordan) لقاء ظهوره في الإعلان عن هذه الأحذية.”

أنت تريد وأنا أريد والله فعال لما  يريد :

دعنا نرى أن ميكانيكية التكاثر ومضاعفة ديناميكية الحركة وتزاحم الاختراعات العلمية والتكنولوجية في أخر قرن من الزمان قد أثرت تأثيراً عميقاً على المجتمعات ومكوناتها بل وقراءة تأثيراتها على الإنسان والمجتمع والدولة والعالم.وكانت هذه التحولات تسير بوتيرة لوغاريتمية وتراكمية بحيث عجز عن تأثيراتها حتى أولئك الذين ساهموا في صنعها واختراعها. وهكذا انحرفت بوصلة الامبراطوريات . ودعنا نعطي بعض الأمثلة :

–        قال تشارلز هـ. ديويل  مفوض مكتب براءات الاختراع الأميركي 1899 “أن كل ما يمكن اختراعه قد اخترع”.
–        (مذكرة داخلية من شركة Western Untion  عام 1876) “أن هذا (الهاتف) ينقصه الكثير ليمكن اعتباره وسيلة للاتصالات . وهذه الأداة غير ذات قيمة في نظرنا.”
–        اللورد كيلفن رئيس رويال سوسايتي 1895 – قال “أن الأجسام الأثقل من الهواء يستحيل أن تطير.”
–        المارشال فيرناند فوش ، أستاذ الاستراتيجية، سوبرير دي كور – Marshal  Ferninand Foch, Professor of Strategy, Supperieure de Guerre  .
قال “أن الطائرات هي العاب مسلية ولكن ليست لديها أية قيمة عسكرية”
–         قال ثوماس واطسون Thomas Watson رئيس مجلس إدارة شركة آي بي امIBM عام 1942 عند اكتشاف الكمبيوتر “اعتقد أن هناك سوقاً عالمية لخمسة كمبيوترات فقط “
–         أما كين اولسين Ken Olsen رئيس شركة Digital Equipment Corp. فقد قال في عام 1977 “انه لا حاجة لأي شخص كي يمتلك جهاز كمبيوتر في منـزله”.

4- نهاية الكيان الصهيوني:

هناك ثلاثة اسباب رئيسية ستجعل من سقوط هذا الكيان أمراً حتمياً :
أولها أنه كيان استيطاني استعماري وسيسقط كما سقطت كل مثل هذه الكيانات . سقط الصليبيون بعد حوالي مئتي سنة وسقطت سلطة فرنسا في الجزائر بعد 132 سنة واغلب الظن أن الكيان الصهيوني سيسقط قبل مثل هذه المدة . وثاني الأسباب هو الارتباط العضوي بين الكيان والامبراطورية الأمريكية الآيلة للسقوط . وثالث هذه الأسباب هو أن الكيان الصهيوني هو جزءٌ من كيانات سايكس بيكو وهذه الكيانات هي ضمن منظومة متكاملة من كيانات وظيفية تنتهي بانتهاء وظائفها وقد سقطت جميع الأقنعة عن الوجوه ، وهي كيانات افتراضية اعتباطية تمّ تصميم حدودها على أسس جيوسياسية وجيولوجية (النفط وطرق إمداداته )وستزول هذه الكيانات بعد انتهاء وظائفها .

  والخلاصة :

عاشت الدولة العثمانية 500 سنة وعاشت الامبراطورية البريطانية أقل من ذلك . وعاشت الامبراطورية السوفياتية حوالي 70 سنة وستعيش الامبراطورية الأمريكية أقل من ذلك.  قبل أن تعتمد الولايات المتحدة مهمتها كامبراطورية العصر بعد الامبراطورية البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية كان هناك تيار يدعو بأن تتقوقع الولايات المتحدة داخل حدودها لكن أصحاب رؤس الأموال العالمين عبر أدواتهم في الولايات المتحدة اختاروا خيار العولمة . إن قدوم ترامب للسلطة لم يكن عفوياً أو صدفةً بالضرورة بل ولربما جاء لإسكات ما تخشى منه المؤسسة الحاكمة الدائمة من ثورة للأسباب التي ذكرتها مجلة فوربس بالاقتباس أعلاه. نجد أن الفئات التي انتخبت ترامب هي الفئات المهمشة في المجتمع الأمريكي والعنصريون و الانجيليون الذين تم إقناعهم بتحمل عبوديتهم الاقتصادية والاجتماعية وطلب الخلاص في الآخرة والذين يحاولون استعجال قدومها عبر (إسرائيل) لعل في ذلك خلاصٌ لهم.

إن النظام الرأسمالي الأمريكي المتوحش هو نظام ظالم لمواطنيه والآخرين وهو يحمل بذور فناءه بداخله .

عندما ضاقت الدنيا في وجه الرئيس المكسيكي Porfirio Díaz بورفيريو دياز نتيجة تدخلات شركات النفط في المكسيك بعد اكتشافه بداية القرن العشرين قال : “مسكينة هي المكسيك لقربها من الولايات المتحدة وبعدها عن الله “.فهل هذه هي مشكلتنا هذه الأيام ؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/08/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد