آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

مِن تحجيم دور إيران في سوريا إلى إنهاء دور «إسرائيل»


د. عصام نعمان

الواقعات الجيوسياسية في سوريا هي على النحو الآتي:

«إسرائيل» تحتل الجولان السوري منذ عام 1967، والولايات المتحدة تحتل مناطق سورية واسعة في الجنوب الشرقي (التنف) وفي الشمال الشرقي (الرقة والحسكة) منذ عام 2016.

«إسرائيل» ضمّت الجولان إليها وترفض تالياً الانسحاب منه، بل تطالب الولايات المتحدة بالاعتراف بشرعية واقعة الضم.

الولايات المتحدة ترفض الانسحاب من مناطق احتلالها في سوريا، مبرّرةً بقاءها بأنه لضمان هزيمة «داعش» في بلاد الشام وبلاد الرافدين.

«إسرائيل» متخوّفة من وجود إيران في سوريا وتعتبر استمراره تهديداً لأمنها القومي، وتطالب تالياً بسحبه (مع تشكيلات حزب الله المقاومة للإرهاب) من جميع إنحاء البلاد.

الولايات المتحدة اختارت، بعد انسحابها من الاتفاق النووي، أن تضغط على إيران وأن تستنزفها في الساحة السورية بواسطة «إسرائيل». سوريا وقوى المقاومة ردّت على أعدائها الناشطين ضدها بتحرير غوطة دمشق الشرقية، ثم مناطق جنوبها الغربي بمحاذاة الجولان المحتل، وأخذت تُعدّ العدّة لتحرير محافظة إدلب، حيث السيطرة لجبهة «النصرة» والفصائل الموالية لتركيا.

تحسّبت «إسرائيل» لمخاطر نجاح الجيش السوري في إدلب، وتداعيات استعادته وحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني وانعكاساته على موازين القوى الإقليمية، فحرّضت الولايات المتحدة على مضاعفة ضغوطها على إيران وحلفائها، وكعادتها استجابت إدارة ترامب (ومعها حكومتا فرنسا وبريطانيا) بتهديد سوريا علناً بضربة ثأرية، إن هي لجأت إلى استعمال السلاح الكيميائي ضد أعدائها في إدلب.

سوريا (بدعمٍ من روسيا وإيران والمقاومة) تجاهلت هذا التهديد وتابعت استعداداتها لتحرير إدلب، الأمر الذي حمل ترامب على إيفاد مستشاره للأمن القومي جون بولتن إلى «إسرائيل» لمناقشة طرائق المواجهة، كما إلى جنيف للتباحث مع سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، في مسألة الضغط لسحب الوجود الإيراني من سوريا، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن روسيا.

باتروشيف صارح بولتن بعدم قدرة بلاده على حمل إيران على الانسحاب من سوريا. فهي هناك بطلب من سوريا، ولا يمكن إخراجها إلاّ بموافقة الدولة التي أذنت لها بالدخول.

أوساط إسرائيلية وأمريكية أشاعت أن روسيا عرضت على أمريكا تحجيم الوجود الإيراني في سوريا، بحمل طهران على التراجع بقواتها مسافة 85كيلومتراً عن «إسرائيل» (أي عن حدود فلسطين المحتلة) وأن تل أبيب رفضت العرض.

ناطقة باسم الخارجية الروسية كذّبت مداورةً المزاعم الإسرائيلية والأمريكية عن العرض سالف الذكر، بدعوتها الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من سوريا كون دخولها ووجودها لم ولا يحظيان بموافقة الحكومة السورية.

إنه حقاً لمشهد (وحوار) عجيب غريب: دولة، هي الولايات المتحدة، تحتل أراضي سورية وتُطالبُ دولةً أخرى، إيران، كانت استأذنت سوريا بتوضيع بعض مستشاريها ومعداتها في مواقع محددة في أراضيها، بالانسحاب منها بدعوى أن وجودها يهدد أمن دولة أخرى، «إسرائيل»، كانت احتلت، وما زالت، أرضاً سورية.

الأغرب والأعجب هو العرض الروسي في حال ثبوت صحته: أن تنسحب القوات الإيرانية عشرات الكيلومترات عن تخوم الجولان السوري الذي تحتله «إسرائيل» مقابل وعد أمريكي برفع العقوبات عن روسيا!

أيّاً ما كان العرض والعارض، فإن الحاضر ينطق بحقيقةٍ نافرة: «إسرائيل» متمسكة باحتلالها الجولان، وأمريكا متمسكة باحتلالها مناطق سورية، وكلاهما يهدد سوريا بإطالة أمد الحرب فيها وعليها، التي ما زالت دائرة في شرقها وغربها. فوق ذلك، تقوم أمريكا بإعادة تسليح وتجهيز مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق، كما تُعدّ عناصر جبهة «النصرة» و»الخوذ البيضاء» في إدلب لتكرار مسرحية استعمال السلاح الكيميائي واتهام الجيش السوري بذلك، تمهيداً للرد بضرب مواقع سورية حسّاسة.

أما آن الأوان للخروج من هذه الدوامة؟

أرى أن ثمة مقاربةً، وبالتالي قراراً، من شأنه رد كيد أمريكا و»إسرائيل» إلى نحرهما. ذلك أن «إسرائيل» هي التي تقف وراء كل هذا الصَلَف الأمريكي ضد إيران وروسيا، وهي التي تطالب بإقصاء إيران وقوى المقاومة عن سوريا، كما تحرّض أمريكا على قصف مواقع ومؤسسات سورية، بدعوى الاقتصاص منها لاستعمالها السلاح الكيميائي. أما وأن الأمر كذلك، فلماذا لا تحزم القيادة الروسية أمرها فتقرر تنفيذ قرار قديم لها بتزويد سوريا منظومة دفاع جوي من طراز S-300؟ بل لماذا لا تزوّدها دونما إبطاء منظومة S-400 كالتي سلّمتها لتركيا؟

لم تخشَ روسيا أمريكا ولا حلف «الناتو» ولم تراعهما عندما قررت تزويد تركيا، العضو في «الناتو»، منظومة S-400. فهل يعقل أن تخشى روسيا «إسرائيل» أو أمريكا إذا ما قررت تزويد حليفتها سوريا التي تحتضن قواعد جوية روسية في حميميم، وأخرى بحرية في طرطوس، بمنظومة دفاع جوي مماثلة للتي في أيدي الأتراك؟

إن مجرد إعلان موسكو قرارها بالإفراج بلا إبطاء عن منظومة S-400 لسوريا كافٍ بحدِّ ذاته لحمل «إسرائيل» ومعها أمريكا على التراجع عن سياسة العربدة في سماء سوريا وعلى أرضها، ذلك أن تل أبيب تعلم علم اليقين أن وجود هذه المنظومة المتطورة عالية الكفاءة بين أيدي السوريين كافٍ لإلغاء دور سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء سوريا ولبنان والعراق، بل لتجذير وجود إيران في سوريا وجعله بمأمن من أيّ تعدٍّ صهيوني، وبالتالي لتحجيم دور «إسرائيل» في المنطقة.

هذه الحقائق تعلمها روسيا فلماذا تتردد وتُحجم؟

صحيفة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/08/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد