آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

لماذا معركة إدلب والاتفاق النووي استوجبا وجود إيران في سورية؟


د. عصام نعمان

كل الأنظار تتجه الآن إلى إدلب. متى تبدأ المعركة الأكثر خطورة في حرب السنوات السبع السورية؟ ما تداعياتها، محلياً وإقليمياً؟ ما مطالب الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة فيها مباشرةً أو مداورةً؟

تلتقي أطراف عدّة في مساعٍ حثيثة لتفادي معركة دموية مدمّرة لن تنتهي قبل قتل وجرح عشرات الآلاف، وتهجير ما لا يقلّ عن مليون.

سورية ما عاد في مقدورها استيعاب المزيد من المهجّرين فوق مئات آلاف المشردين حاليّاً في مختلف مناطقها. لذا تراها حريصة على إجراء مصالحات محلية مع سكان بعض البلدات والقرى لتفادي مفاعيل الاشتباكات الضارية.

تركيا تتخوّف من تدفق المزيد من اللاجئين إلى ديارها حيث يتآوى نحو مليونين من أقرانهم السوريين الهاربين من أهوال الحرب.

أوروبا قلقة هي الأخرى من احتمال اتجاه آلاف اللاجئين إلى دولها المرهقة بآلافٍ منهم منذ سنوات.

أميركا تريد أن تتدارك انعكاسات نجاح الجيش السوري في استعادة إدلب على وجودها العسكري في شمال شرق سورية، حيث حلفاؤها الكرد المعادون لتركيا من جهة والمعارضون للحكومة السورية من جهة أخرى.

«إسرائيل» تخشى أن يؤدي انتصار الجيش السوري في إدلب إلى تدعيم سلطة الحكومة المركزية في دمشق وترسيخ تحالفها مع إيران ووجودها العسكري في بعض مناطق البلاد.

روسيا تضع في حسبانها مخاوف سائر أطراف الحرب في سورية وعليها، لكن يهمّها، في الدرجة الأولى، مستقبل وجودها العسكري في سورية ودورها السياسي في المنطقة.

كل هذه المخاوف والهواجس والمصالح والمطالب مهمة لأصحابها. لكن أهمها هو الوجود الإيراني في سورية الذي يتصل بثلاث قضايا رئيسة كان وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان قد حدّدها بقوله: «إيران لا يمكنها أن تتفادى مفاوضات في شأن ثلاثة ملفات كبرى تثير قلقنا هي مستقبل الالتزامات النووية بعد سنة 2025 تاريخ انتهاء مدة الاتفاق النووي ومسألة الصواريخ البالستية، وحقيقة أن هناك نوعاً من الانتشار البالستي من جانب إيران، والدور الذي تضطلع به في المنطقة».

هذه القضايا الثلاث الكبرى لا تقلق دول أوروبا فحسب بل تقلق أيضاً، وربما أكثر، كلاًّ من أميركا و«إسرائيل». فالولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، تعتقد أن في وسع إيران امتلاك أسلحة نووية بقدراتها الذاتية حتى قبل انتهاء مفاعيل الاتفاق النووي سنة 2025. الأمر الذي يهدد نفوذها ومصالحها في الشرق الأوسط وغرب آسيا. «إسرائيل» ترى هي الأخرى أن امتلاك إيران صواريخ بالستية للمدى البعيد يهدّد أمنها القومي، ولا سيما إذا ما قيّض لوجودها العسكري أن يبقى راسخاً في سورية.

مكمن الخطورة في هذه القضايا الثلاث الكبرى أن لا أميركا ولا روسيا ولا دول أوروبا في مقدورها حمل إيران على سحب وجودها العسكري من سورية، ولا إيران يسمح أمنها القومي بالتخلّي عن خيارها الاستراتيجي في بناء صناعة صاروخية بالستية.

ذلك كله يطرح سؤالاً بالغ الخطورة: هل ينجرف أصحاب الرؤوس الحامية في إدارة ترامب مع ضغوط «إسرائيل» ونفوذها القوي في الكونغرس، فيشيرون على الرئيس الأميركي المعروف بنزقه وتهوّره بضرورة شن الحرب على إيران في عمقها، كما في مواقع انتشارها في الخارج بغية تدميرها وإضعافها وجعلها عاجزة عن بناء صناعة نووية أو صناعة صاروخية بالستية؟

هذا خيار جنوني. لكن الأرجح ألاّ يقترن بقرارٍ أكثر جنوناً. مع ذلك لا بد لإيران وسورية، كما لروسيا، من أن تضع في حسبانها إمكانية أن يركب ترامب ومستشاروه المتهورون رؤوسهم فينزلقون إلى حربٍ ستصبح بالتأكيد عالمية وكارثية.

ماذا تفعل إيران؟

لا سبيل، على ما يبدو، إلى أن تتراجع إيران عن قرارها الاستراتيجي ببناء صناعة صاروخية بالستية لسبب جوهري هو أن الاتفاق النووي للعام 2015 منعها من بناء صناعة نووية حربية في حين أنه ترك «إسرائيل»، ومن ورائها أميركا، حرّة وقادرة على إنتاج واستعمال أسلحة نووية دونما قيود. والحال أن «إسرائيل» تعتبر إيران عدواً موصوفاً ولا تنفك تدعو الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات اقتصادية عليها وصولاً إلى إضعافها وإسقاط نظامها السياسي، كما لا يتوانى بعض قادتها عن دعوة إدارة ترامب إلى شن الحرب عليها لتدميرها وإخراجها نهائياً من حلبة الصراع الإقليمي.

إزاء تحديات معقدّة وبالغة الخطورة كالتي تحتدم حاليّاً في منطقة غرب آسيا، لا يسع إيران إلاّ أن تعوّض افتقارها إلى سلاح نووي بتوفير قوة نارية هائلة لردع أعدائها، قوة لا يمكن امتلاكها وبالتالي استعمالها إلاّ بحيازة صواريخ بالستية بعيدة المدى لنقلها إلى أعماق أراضي أعدائها. صحيح أنه من الممكن حيازة هذه الصواريخ وإطلاقها من داخل إيران إلى داخل «إسرائيل»، مثلاً، لكن امتلاك قواعد لإطلاقها في سورية المجاورة للكيان الصهيوني يقصّر المدى المطلوب لدقة التصويب، ويُنتج فرصاً أكثر لتحشيد عدد كثيف منها ما يؤمّن لإيران كما لسورية فاعلية ردعية أكبر وأقوى.

إلى ذلك، تتيح قواعد الصواريخ البالستية الإيرانية في سورية حجة وازنة لدمشق لتقول لـِ «إسرائيل» وراعيتها أميركا إن لا سبيل إلى إنهاء قواعد إيران الصاروخية البالستية في سورية قبل إنهاء الاحتلال الصهيوني للجولان السوري.

هكذا يتضح أن خروج أميركا من الاتفاق النووي مع بقاء «إسرائيل» مدجّجة بأسلحة نووية لا يحول دون خروج إيران من سورية فحسب، بل يُحتّم أيضاً بقاء قواعدها الصاروخية فيها لدواعٍ ردعية مشروعة…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/09/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد