آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

تجزئة معركة إدلب لسحب ورقة اللاجئين من يد تركيا؟


د. عصام نعمان

الصراع على أشده في غرب آسيا. الولايات المتحدة تشن هجوماً سياسياً مقروناً بعقوبات اقتصادية ومناوشات عسكرية على امتداد المنطقة من شواطئ البحر المتوسط غرباً إلى شواطئ الخليج شرقاً. روسيا تتصدى للهجوم الأمريكي بالسياسة، كما بالمناورات العسكرية المحسوبة على مدى جغرافي واسع، يمتد من شعاب الشرق الأوسط إلى أصقاع الشرق الأقصى، إلى الدولتين العظميين، ثمة لاعبون إقليميون أقوياء يتبارون في ملاعب بلاد الشام وبلاد الرافدين ويحاول كلٌّ منهم التحكّم بكرة المصالح لصالحه.

العنوان العريض للصراع تجميعُ أوراق القوة، لاستخدامها من قبل أطراف الصراع في المكان والزمان المناسبين. أبرز أوراق القوة قضيةُ اللاجئين السوريين. تركيا أردوغان تمسك بهذه الورقة وتهدد بها أوروبا وتبتز سوريا وإيران وروسيا. تقول لأوروبا أن هجوم الجيش السوري على إدلب سيؤدي إلى تهجير مئات آلاف المدنيين ولجوئهم تالياً إلى تركيا وتاليا إلى دول القارة العجوز. تقول لسوريا وإيران وروسيا إنها بحاجة لمزيد من الوقت لفصل تنظيمات المعارضة السورية المعتدلة عن الفصائل الإرهابية («النصرة» وغيرها) لتسهيل القضاء على هذه الأخيرة.

الواقع يؤشّر إلى أغراض أخرى مريبة، ذلك أن تركيا حشدت قوات برية ومدرعة على طول الحدود مع سوريا، ولاسيما بين محافظة إدلب وولاية اسكندرون المتجاورتين، بل هي عززت قواتها في نقاط المراقبة حول منطقة «خفض التصعيد»، أيّ داخل المحافظة نفسها. فوق ذلك، تتحسب دمشق لقيام حكومة أنقرة بإخضاع محافظة إدلب لترتيبات إدارية وأمنية مشابهة لما فعلته في منطقة عفرين السورية المحتلة، حيث فرضت التداول بالعملة التركية، واعتماد المناهج التركية في التدريس والتعليم، وإقامة بنى تحتية خاصة بها. باختصار، ثمة دلائل ناطقة بوجود مخطط متكامل لوضع مناطق واسعة في شمال سوريا وشمالها الغربي، كما الشرقي تحت سيطرة تركيا بدعوى تفعيل مكافحة الفصائل الإرهابية ومنع الكرد السوريين الانفصاليين من إقامة كيان مستقل لهم في تلك الأصقاع.

أمريكا تبدو مرتاحة إلى ما تقوم به تركيا. سرّها تصريح أردوغان بأن الهجوم السوري على إدلب معناه الاقتراب من حدود تركيا التي هي «حدود أطلسية». أليست تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ إلى ذلك، يثابر ترامب على التهديد بأن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي سيحمل الولايات المتحدة على الرد عليه بعنف، بل هو يذهب إلى أبعد بقيام قواته المتمركزة في منطقة التنف السورية على الحدود مع العراق بتدريب فصائل إرهابية ودعمها لمهاجمة المواقع والقوات السورية في بادية الشام الجنوبية الشرقية. باختصار، ترامب يتعاطى مع سوريا في إطار حملة صهيو- أمريكية متصاعدة ترمي إلى إبعاد الوجود الإيراني عن سوريا بشتى الذرائع والوسائل.

روسيا، كما إيران، تدركان أبعاد التحركات التركية والأمريكية والإسرائيلية في غرب آسيا، وتضعان في الحسبان ظروفا حساسة لدى بعض الدول والقيادات، ولاسيما بالنسبة لترامب في موسم الانتخابات النصفية الأمريكية التي ستجري مطلعَ شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتحرصان تالياً على تفادي ممارسة ضغوط ميدانية شديدة قد تحمل الرئيس الأمريكي على اتخاذ مواقف متطرفة لحفظ ماء الوجه والظهور بمظهر الرئيس القوي بغية التأثير في الانتخابات الماثلة والبالغة الحساسية في بلاده.

غير أن «مراعاة» ترامب تكتيكياً لا تتطلب من روسيا بالضرورة تعريض مصالحها، وأمن قواتها في سوريا للخطر. فالتنظيمات الإرهابية في إدلب المرتبطة بالولايات المتحدة تمويلاً وتسليحاً تقوم بمهاجمة القوات الروسية في قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية بالطائرات المسيّرة. كما تهدد بفتح جبهة في غرب حماة وحلب في سياقٍ يؤدي، وفق تقديرات موسكو ومخاوفها المتصاعدة، إلى محاولة العودة إليهما. لذلك تتجهه روسيا إلى تبني موقف دمشق المتبصر والرامي إلى تجزئة معركة إدلب بحصر الاشتباك، بادئ الأمر، بمناطق جسر الشغور وسهل الغاب وأعالي جبال اللاذقية المحاذية لجنوب محافظة إدلب، حيث تستطيع روسيا تبرير مساندتها المنتظرة للجيش السوري المهاجم، بأنه تدبير تقتضيه حماية أمن قاعدتيها القريبتين في حميميم وطرطوس.

اعتماد تكتيك التجزئة في مقاربة معركة إدلب، لا يعني البتة أن سوريا، كما روسيا، بصدد التهاون في القضية الأساس وهي استعادة وحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني بكل الوسائل المتاحة، عاجلاً أو آجلاً.

في هذه الأثناء، تضاعف روسيا جهودها لحمل تركيا ودول أوروبا على التسليم بأن حل قضية اللاجئين حاليّاً، كما المدنيين المحتمل نزوحهم من محافظة إدلب جرّاء ضراوة القتال، يكمن في اتفاق جميع الأطراف المعنيين بهذه المشكلة على إنهاء وجود الفصائل الإرهابية في إدلب، بقطع الدعم اللوجيستي عنها ومحاصرتها وضربها لضمان سيطرة كاملة للجيش السوري، واغتنام مناخ التوافقٍ بين أطراف مؤتمر أستانة من أجل تمكين السوريين «المهاجرين» إلى إدلب وغير الراغبين في العودة إلى مناطقهم الأصلية لدواعٍ أمنية من البقاء حيث هم ومساعدتهم اجتماعياً.

ظاهر الحال يؤشر إلى أن لا تطور حاسم سيجري في إدلب قبل انتهاء الانتخابات النصفية الأمريكية مطلعَ نوفمبر المقبل.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/09/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد