آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

صواريخ دفاعية في خدمة سياسات كبرى!


د. وفيق إبراهيم

الصواريخ الروسية إلى سورية لن تكون الأخيرة من نوعها. فلن يمُّرُ وقت طويل قبل وصول أنواع أكثر تطوراً وذلك ربطاً بالاتجاهات التصعيدية للصراع الإقليمي والدولي في الميدان السوري، وهو يشتدّ كلما اقتربت سورية من الإمساك بسيادتها والاقتراب من شرق الفرات.

وحقق الروس قفزات جمبازية في مسيرتهم نحو المشاركة في إنتاج القرار الدولي وبالتالي حماية بلادهم من العدوانية الأميركية المصابة بجنون ترامب.

هذه المعطيات الشديدة المنطقية تستند إلى الإحباط الذي أصاب الأميركيين والإسرائيليين وتحالفاتهم الخليجية من قدرة روسيا وتركيا على احتواء »لهيب إدلب» الذي كاد أن يتحول حرباً إقليمية لها طابع دولي كان يفترض بها أن تعيد الأزمة السورية إلى بداياتها. وهذا يعني ضرب جهود سنين اشتركت في جانب منها إيران مع حزب الله في دعم الدولة السورية ووضعت موسكو في الثلاث سنين الأخيرة جهوداً جوية جبارة فتكت بالإرهاب على مساحات واسعة. هذا يُفضي إلى التساؤل حول ما إذا كان إسقاط الطائرة الروسية في اللاذقية السورية بمكيدة إسرائيلية هو السبب الوحيد لإلغاء قواعد الاشتباك بين الكيان الغاصب وموسكو بدليل أنهما كان بوسعيهما التوصل إلى إقرار قواعد جديدة تستند إلى وسائل تكنولوجية أكثر تمييزاً ودقة. الأمر الذي يؤكد وجود أسباب إضافية أكثر عمقاً وهي في مثل هذه الاعتبارات تتعلق بالدور العسكري المرتبط حكماً وأساسياً بنتائج سياسية. وإذا كانت موسكو تشارك بشكل أساسي في حماية ثلاثة أرباع سورية وتحصر الأميركيين والأكراد في شرق الفرات. ولولا قدرة الأميركيين على الربط بين هذه المناطق مع بعض المناطق العراقية الحدودية التي تقيم فيها قواعد عسكرية لكان شرق الفرات معزولاً بشكل كامل.

ضمن هذا الإطار يجب التعامل مع أحداث اللاذقية الأخيرة المنقسمة إلى طرف إسرائيلي يتعامل مع سورية، كأنها لا تزال في السنين الثلاث الأولى من أزمتها، وبين طرف روسي يتوثبُ للمشاركة في تأمين »سورية السورية» كناتج لأوضاع عسكرية جرى فيها إلحاق هزيمة كبيرة بالمحور الأميركي الخليجي الإسرائيلي، مع ما يعنيه هذا الأمر من استعداد الدولة السورية في الذهاب بعيداً للصيانة السياسية لصمودها العسكري وإصرار إيران على التصدي للنفوذ الأميركي الإسرائيلي انطلاقاً من سورية. أما حزب الله فهو من أهل البيت السوري يربح معها مكافحاً كي لا يخسرا سورية. لقد شعر الأميركيون باقتراب نهاية مشروع الشرق الأوسط »الشديد التفتت»، ففتحوا حرباً عنيفة على إيران بشكليها الاقتصادي المخيف والعسكري المرتقب. وهذا بدا قبل حادثة اللاذقية بكثير ما يؤكد أن إسقاط الطائرة الروسية والهجوم الإرهابي على الأهواز الإيرانية وحصار إيران وحشد أكبر أسطول بحري أميركي منه فقط الحاملة النووية جورج بوش التي تنقل أيضاً قائفات أف 18 و15 وصواريخ شديدة الفعالية قبالة الساحل السوري إنما تدل بوضوح شديد على تراجع المشروع الأميركي في سورية ورغبته في المساومة مع روسيا، إنما على قاعدة استعداء إيران، أليس هذا ما أعلنه مستشار ترامب جون بولتون الذي اتهم إيران بإسقاط الطائرة الروسية داعياً إلى تصحيح سلوكها لأنها تدعم إرهاباً ينفذ عمليات ويقصف السعودية بالصواريخ!

الدولة السورية ذات السيادة على معظم إنحائها لم تعد قادرة على القبول بتحويل أجوائها ملاعب للطيران الإسرائيلي المعتدي على مواقعها العسكرية أسبوعياً.

كان يمكن لهذه الاختراقات الإسرائيلية أن تستمر في السنين الأولى للأزمة، أما وأن العناصر الرابحة من الدولة السورية إلى روسيا وإيران وحزب الله يسعون إلى تحقيق النتائج السياسية، لكنها لم تعد محمولة في زمن الترجمة السياسية لمشروعين والدفاع عن دولة ثالثة مستهدفة يجتمع الأميركيون والإسرائيليون والخليجيون على محاولة تصدّيها وإسقاطها.

وللتأكيد على حقيقة الهدف الأميركي الجديد بالمساومة مع الروس عودوا إلى تصريح أدلى به منذ يومين فقط وزير خارجية فرنسا لودريان الذي اعترف بانتصار الرئيس بشار الأسد، مضيفاً بأنه انتصار لا يمكن نكرانه، لكنه وعد وبإصرار بأن الغرب لن يسمح لسورية بالانتصار السياسي إلا بحل بين الدولة والمعارضة.

وهذا يُعيدنا فوراً إلى ربط إسقاط الطائرة الروسية والتحشيد البحري الأميركي والأوروبي الأعنف من نوعه بانتصار سورية وحلفائها على الإرهاب وأن هذا العنف الغربي ليس إلا رسائل لإعادة روسيا إلى دهاليز المفاوضات، لأن الغرب يعتبر أن الدور الروسي الذي ينتصر في سورية مؤهل للبدء برحلة استعادة الفضاءات السوفياتية السابقة في مرحلة الصراع على السيطرة على مكامن الغاز والاستهلاك في العالم.

هذه إذاً دعوة صريحة إلى التحاصص تجري على حافة الهاوية في سفوح الشرق الأوسط.

وبناء عليه أرسل الروس بارجتين نوويتين ترابطان قبالة سواحل فلسطين المحتلة منظمين أكبر مناورات في التاريخ بالاشتراك مع حليفتهم الصين ومعلنين أنهم لن يسمحوا للحصار الاقتصادي الحربي على إيران من تحقيق مبتغاه بتدميرها.

العالم إذاً يتجه وبسرعة إلى بلورة تحالفات منها ما يلتحق بالأميركي لالتقاط الفتات الاقتصادي الذي يتناثر منه وهو يسطو على العالم كحالة معظم دول أوروبا أو يتغطّى به لشنّ حروب واعتداءات على منوال الكيان الغاصب الإسرائيلي.

أما الفريق الآخر السوري الروسي الإيراني بخلفية صينية وتقاطعات موسمية مع الأتراك فلديه أربعة مشاريع:

أولاً إعادة بناء الدولة السورية كاملة السيادة غير منقوصة. وهذا يشترط استعادة المناطق الشمالية والشمالية الغربية وشرقي الفرات بنظام تدريجي مستغلاً التناقضات بين الترك والكرد من جهة، وبين الأميركيين والترك من جهة ثانية، وبين السعوديين والترك والقطريين من جهة ثالثة، بالإضافة إلى الكثير من التباينات الأميركية الأوروبية الكامنة.

لذلك تبدو إعادة بناء سورية سياسياً المدخل الحقيقي لإنجاح مشروع التصدي للبلطجة الأميركية وتمهيد الطريق لتوازنات عالمية جديدة يحتل فيها الروس موقعاً متميزاً.

ثانياً آفاق الدور الروسي واسعة ولا تحتاج إلا إلى إنهاء »اتفاق إدلب» وتطبيق دقيق لحماية الأجواء السورية بما تعنيه من تحصين سياسي عميق لبناء دولة سورية قادرة وآمنة وقوية.

ثالثاً: إعادة تصحيح التوازنات الإقليمية المنهارة منذ غزو أفغانستان في 2001 والعراق في 2003. وهذا يبدأ من إعادة إنتاج الدولة السورية المتحالفة مع روسيا وإيران القوية في التأثير على محيطها العربي الأكبر. يكفي هنا أن يدفع الإيرانيون والروس نحو تنسيق سوري عراقي فاعل، حتى تتم فرملة السياسات السعودية والتركية والبلطجة الإسرائيلية. ولهذا الأمر أبعاد أخرى على علاقة بانكسار نهائي للمشروع الديني المتطرف في المنطقة، التي تتصارع فيها ثلاثة مشاريع: الدولة الوطنية والمشروع القومي والمشروع الإسلامي ويجد المشروع الإسلامي المتطرف فرصاً سانحة لسرقة أجزاء من هذه المشاريع الثلاثة فتراه يسطو على أجزاء من مكونات الدولة الوطنية منتزعاً على أساس طائفي أقساماً من القوميين متلاعباً بمشاعر المسلمين المعتدلين ومتمكناً من جذب أنواع منهم.

لذلك يأتي دور الدولة الوطنية السورية صاحبة المشروعية التاريخية على قسم من الشرق الأوسط ببعدي السورية والعربية وأحياناً الإسلامية قادراً على إفشال المشروع الإرهابي ومؤسساً لتحالفات إقليمية وعربية كبرى وانسجاماً مع الدور الروسي الصاعد.

أما عن النتيجة الرابعة فمرتبطة بتبلور حلف عالمي يبدأ من سورية وروسيا ليشمل منظمة شانغهاي بما يؤسس لخلق حالات من التمرد عند الدول المتأذية من السياسات الأميركية.

أجمعت تركيا والهند والصين واليابان وألمانيا وصولاً إلى كندا للوقوف في وجه مدرسة تأديب أميركية تتركز أهدافها على منع التطور الاقتصادي للأعداء وحلفائها أيضاً فيبدو الأميركي مدرساً ابتدائياً يحمل كرباجاً يجلد به من لا ينحني اقتصادياً أمام اليانكي الذي يسطو على قطارات العالم.

لذلك فإن صواريخ أس 300 ليست قيمة عسكرية على أهميتها. أنها الحصانة لمشروع سياسي يتصدى لإسرائيل بخلفيتها الأميركية الترامبية معززاً سيادة سورية بأفق تشكيل تحالفات دولية تُنقِذ العالم من الجنون الأميركي.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/09/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد