آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

لغز خاشقجي أم أزمة خاطفيه؟


د. سعيد الشهابي

أين جمال خاشقجي؟ ما توفر معلومات يشير إلى أن سيناريو «المهدي بن بركة» قد تكرر معه حلقة حلقة. سيظل هذا التساؤل يتردد على الألسن لفترة قد تمتد عقودا، وقد تقصر فيما لو انتهى لغز اختفائه، وأن كان الأرجح أنه رحل إلى ربه مظلوما. فما تزال التساؤلات تتردد عن ما حدث لمعارض سعودي آخر قبل أربعين عاما، يقال أن منظمة التحرير الفلسطينية سلمته للسلطات السعودية فاختفى أثره حتى اليوم. ومع أن استهداف المعارضين ممارسة تقوم بها الأنظمة القمعية عادة، إلا أن اختفاء المعارضين أما خطفا أو سجنا يبقى مثارا للتساؤلات والجدل، بينما تتلاشى عادة أنباء من يتعرضون للقتل تعذيبا أو اغتيالا أو إعداما.

فعدم وضوح مصير الإنسان يبقي قضيته غضة في نفوس أهله وأصدقائه، لأن الإخفاء القسري تصاحبه نظريات تتصل بالمؤامرة والتواطؤ والصفقات السياسية، وتنطوي على شيء من الظواهر البوليسية والمغامرة والصفقات السرية. فمثلا بقيت قضية مردخاي فعنونو، المعارض الإسرائيلي الذي اختطفته عناصر الموساد الإسرائيلي في 1986 حاضرة في وسائل الإعلام العالمية حتى أطلق سراحه في العام 2004 بعد أن قضى 18 عاما وراء القضبان بتهمة كشف أسرار خطيرة. وكان فعنونو موظفا فنيا في القطاع النووي الإسرائيلي و «ناشطا من أجل السلام». وكان قد تحدث للصحافة البريطانية حول المشروع النووي الإسرائيلي وكشف معلومات اعتبرتها السلطات الإسرائيلية أسرارا. استدرج فعنونو إلى ايطاليا وهناك اختطفته عناصر تابعة للموساد الإسرائيلي، وعرض على محكمة خاصة نظرت في قضيته في جلسات مغلقة ثم أصدرت حكما بسجنه. وبعد إطلاق سراحه تعرض لاعتقالات عديدة بتهمة مخالفته لشروط الإفراج.

ولتوضيح أهمية خطف الإعلامي السعودي جمال خاشقجي يجدر طرح جرائم خطف مماثلة:

ففي عام 1965 اختطفت المخابرات المغربية المعارض الاشتراكي المهدي بن بركة، فأحدث ذلك ضجة في الأوساط السياسية خصوصا أن أجواء العالم العربي آنذاك كانت تعج بالإيديولوجيات الثورية والتحررية والقومية. كان المهدي بن بركة على موعد مع مخرج سينمائي فرنسي أمام مطعم ليب في شارع سان جيرمان في قلب العاصمة الفرنسية، لإعداد فيلم حول حركات التحرر، وكان هذا المخرج مشاركًا في سيناريو الاختطاف. تقدم رجلا شرطة فرنسيان إلى بن بركة وطلبا منه مرافقتهما في سيارة تابعة للشرطة. اختفى أثر بن بركة ولم يعرف عن مصيره شيء إلا ما أدلى به الشرطيان أمام المحكمة، حيث اعترفا أنهما خطفا بن بركة بالاتفاق مع المخابرات المغربية وأنهما أخذاه إلى فيلا تقع في ضواحي باريس. وهناك شاهدا الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربية آنذاك ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية وآخرون من رجاله، وأن بن بركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه. وتعددت الروايات عن مصير جثمانه، فمن قائل أنه دفن بالقرب من نهر السين، أو أنه نقل إلى المغرب، حسب ما قاله في 2001 أحمد البخاري، الذي كان قريبا من المخابرات المغربية.

وهناك قصة المناضل التركي، عبد الله أوجلان، الذي اختطفته المخابرات التركية في العهد السابق عام 1999 من مطار العاصمة الكينية نيروبي. يومها كان بولنت اجاويد رئيسا للوزراء. فقد هبطت طائرة خاصة برجل أعمال تركي تم تغيير معالمها لتشبه طائرة القائد الكردي عبدالله أوجلان الذي كان سيغادر من نيروبي باتجاه هولندا لإلقاء خطاب أمام جمع من الجالية التركية هناك. بعد لحظات وصل موكب عبدالله أوجلان بسيارته المصفحة إلى ساحة المطار واتجه للطائرة التركية بدون أن يعلم لا هو ولا مرافقوه أنه تم تغيير طائرته بطائرة تركية شبيهة لها تماما.

ما إن دخل أوجلان حتى سحبه للداخل أربعة رجال من الاستخبارات التركية، وأغلقوا الباب فورا ودفعوا مرافقيه إلى خارج الطائرة التي أقلعت فورا مغادرة الأجواء الكينية لتصل بعد حوالي خمس ساعات إلى قاعدة عسكرية في منطقة باندرما شمال غربي تركيا.

يروي الكاتب جوردان تومس في كتابه «أسرار الموساد» تفاصيل العملية قائلا: «طلب رئيس وزراء تركيا (بولند أجاويد) من رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها (بنيامين نتنياهو) المساعدة في القبض على عبدالله أوجلان الذي تسبب بصداع للسلطات التركية، وكان يتنقل بين البقاع اللبناني وألمانيا وإيطاليا وموسكو، واستطاع التخفي بدون أن تتمكن المخابرات التركية من القبض عليه، وأضاف قائلا إن مكتب الموساد في العاصمة الإيطالية روما لعب دورا محوريا في تتبع أوجلان، حين تلقى معلومة عن توجهه من هولندا للعاصمة الكينية نيروبي بطائرة خاصة هربا من الملاحقات.

أرسلت المعلومة لمكتب الموساد في نيروبي لمراقبة وصول أوجلان الذي لجأ فور وصوله إلى السفارة اليونانية، تم رصد حركته حتى قرر الخروج من كينيا مبلغا مرافقيه أنه سيتوجه لهولندا مرة أخرى، مررت المخابرات الإسرائيلية المعلومة للأتراك الذين بدورهم جهزوا على عجل طائرة بديلة، تم فيها آخر فصول القصة الطويلة والمثيرة.

وفي العام 1984 حدثت محاولة لخطف وزير نيجيري سابق اسمه عمر ديكو من لندن لإرساله إلى نيجيريا. الوزير وقف ضد الحكم العسكري بقيادة محمد بوهاري، وهرب خارج البلاد، ولكن الإسرائيليين الطامعين في نفط نيجيريا عرضوا على العسكر عملية الخطف فتمت الموافقة. وتم خطف الرجل من منزله وسط العاصمة البريطانية وتخديره ونقله في صندوق إلى مطار ستانستيد، ولكن ديكو استيقظ وبدأ يتحرك فلاحظ عمال الجمارك ذلك وافشلوا المحاولة.

واعتقل منفذو جريمة الخطف وقدم بعضهم للمحاكمة. وكشف ممثل الاتهام (جورج كورمان) عن تورط الموساد في العملية برمتها منذ التخطيط لها في لاغوس إلى مراحل التنفيذ في لندن.. انتهاءً بالإخفاق على أرض مطار (ستانستيد)، كما كشف عن الدور الذي قام به ضابط المخابرات الإسرائيلي (ألكسندر باراك) في إدارة العملية الفاشلة هو وزميلاه بموافقة مباشرة من رؤسائه في رئاسة جهاز الموساد. وأنهم تلقوا مبالغ مالية من ضابط المخابرات النيجيري محمد جوسوفو.

الإسرائيليون الذين خرقوا قوانين العالم باحتلالهم فلسطين وتنكيلهم بأهلها ورفضوا الانصياع للإرادة الدولية بفتح مشروعهم النووي لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يواصلون تلك الانتهاكات بدون توقف. واستخدموا خبراتهم الأمنية للتصدي للنشطاء الفلسطينيين ليس داخل الأراضي المحتلة فحسب بل خارجها كذلك. الإسرائيليون يختطفون مناوئيهم من الإسرائيليين، مثل فعنونو، ولكنهم يغتالون الفلسطينيين خارج الحدود، ولا يختطفونهم عادة. نعم اختطفوا في العام 1960 ادولف ايخمان، أحد الضباط النازيين، من قرب منزله بالأرجنتين، ونقلوه إلى تل أبيب. وبعد محاكمة علنية صدر حكم الإعدام بحقه، فشنق ثم احرق وجمع رماده ورمي في البحر. وكان من آخر من اغتيل من الفلسطينيين، محمود المبحوح الذي اغتيل في أحد فنادق دبي، وربما كان ذلك بداية التعاون الأمني بين الإمارات والكيان الإسرائيلي. وشملت اغتيالاتهم عددا كبيرا من رموز المقاومة الفلسطينية واللبنانية منهم أبوجهاد وأبو أياد وفتحي الشقاقي، وقبلهم سعيد حمامي. هذه الجرائم جميعا تعتبر قتلا خارج القانون، وتكفي لإدانة مرتكبيها بالخروج على القانون الدولي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ولكن في عالم يحكمه ذوو القوة العسكرية المفرطة، أصبح القانون والتشبث به سلاح الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه. أما ذوو القوة المادية فيسعون لفرض ما يريدونه، معتبرين أن «القوة هي الحق».

أما القصة الأخيرة فهي تسليم فرنسا في 1986 شخصين معارضين للنظام العراقي، هما فوزي حمزة وأنها قصة مختلفة تماما، لأنها أدت لحدوث ضغط دولي على حكومة الرئيس ميتران الذي طلب من العراق إعادة الشخصين إلى باريس، وهذا ما حدث.

هذا الإعلامي المعروف اختفى قبل أسبوع بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، تاركا خطيبته بانتظاره خارج المبنى. ومن المؤكد أن شكوكا كبيرة كانت تساوره وهو يدخل المبنى، وربما اعتقد أن بقاء خطيبته خارج المبنى سيوفر وسيلة لإنقاذه فيما لو حدث له مكروه. ولكن فاته أن من يخطط لخطف شخص مرموق مثله قد وضع ذلك الاحتمال في حسبانه، ورسم إجراءاته وفق ذلك. المرأة المذكورة قامت بمهمتها وأخبرت السلطات الأمنية التركية، ولكن بعد فوات الأوان.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/10/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد