آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

«إسرائيل» تصعّد حربها الناعمة هل هي مؤشر لتهدئة أم لانفجار؟


 د. عصام نعمان

الصراعات على أشدّها في دول غرب آسيا، من الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط إلى الشواطئ الجنوبية لبحر قزوين. احتدامُ الصراعات يجد ترجمته في الحرب الناعمة التي تلف دول الإقليم بدرجات متفاوتة من الحدّة. فهل تصعيدها وسيلة ضغط لتوليد حاجة إلى التفاوض؟ أم هي مؤشر لإنفجار ينذر بسخونة غير مسبوقة؟

ثمة صراع بين تركيا وسورية في إدلب غرباً وفي الحسكة شرقاً، أمام عيون مترقّبة ومتربّصة لأميركا وروسيا، لكسب ولاء كرد سوريين تتوزّع سياسات وممارسات قياداتهم بين انحياز بعضها إلى تركيا وتحالف بعضها الآخر مع أميركا وارتباط غالبية الناس بأرضهم، وبالتالي بموطنهم ودولتهم سورية.

ثمة صراع بين أميركا ومن ورائها «إسرائيل» وإيران، أمام عيون مترقبة في عالم العرب كما في روسيا ودول أوروبا وآسيا، لتأمين مصالح شتى الدول والشعوب المتضرّرة من الحرب التجارية التي تشنّها أميركا ضدّ الجميع والعقوبات التي تخصّ بها إيران أكثر من غيرها.

ثمة صراع على الحقوق والمصالح والمصائر بين «إسرائيل» ومن ورائها أميركا وسورية وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي تدعمها إيران علناً وروسيا ضمناً أمام عيون مترقبة في العالم أجمع.

كلٌ من هذه الصراعات مرشح لمزيد من التصعيد الهادف إلى تحقيق تهدئة وبالتالي تسوية سياسية أو إلى انفجار، وبالتالي إلى انحدار من حال حربٍ ناعمة محتدمة إلى أخرى ساخنة محتملة.

أشدُّ الحروب الناعمة احتداماً وخطورة تلك التي تشنّها «إسرائيل» على الأمة عموماً، وخصوصاً على سورية وإيران وعلى قوى المقاومة العربية التي تجد نفسها في خندق واحد معهما. هذه الحرب جرى تصعيدها باعتداء «إسرائيل» على سورية وتسبّبها بإسقاط طائرة استطلاع روسية منتصفَ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي الأمر الذي أدّى إلى قيام روسيا بترفيع قدرات الجيش السوري بتزويده منظومة دفاعٍ جوي من طراز S-300.

إذ حدّت المنظومة الدفاعية المتطورّة وآليات التحرّي والاستطلاع والتصويب الملحقة بها من هامش المناورة أمام سلاح الجو الإسرائيلي، واقترن ذلك بموقف سياسي أشدّ تصلباً، فقد اندلعت في الكيان الصهيوني مناقشة مستفيضة حول ما يمكن أو يقتضي عمله لاستعادة فعالية الردع الإسرائيلي.

لعلّ أبلـغ تعبيرٍ عن المناقشة الجدّية الدائرة تجلّى في مقالتين: الأولى لـِ ايال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، في «يسرائيل هيوم» 2018/10/28 والثانية لـِ اوفيك ريمر، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، «مباط عال» 2018/10/23 .

يرى زيسر، خلافاً لإدعاءات الناطقين العسكريين، أن لا عمليات لسلاح الجو الإسرائيلي في السماء السورية بعد قيام الروس بتزويد الجيش السوري منظومة S-300، وانّ روسيا لا تعتبر إيران تهديداً وانّ وجودها في سورية لا يشكّل مشكلة لها، وانّ إيران ما زالت تالياً موجودة في سورية وتتجذّر. لمواجهة هذا الواقع يدعو زيسر «إسرائيل» إلى «أن تفكر من جديد في تغيير التوجّه بالعودة الى سياسات الماضي … وأساسُها تدفيع ثمن باهظ ليس فقط للضيف إيران بل أيضاً للمضيف، أيّ بشار الأسد».

ريمر يرى أنّ حزب الله أفلح في ترسيخ معادلة ردعٍ في مواجهة «إسرائيل» بعدما نجح، باعتراف رئيس الإستخبارات العسكرية، بإقامة مشروع إنتاج صواريخ في لبنان وتحويلها إلى نماذج أكثر دقة في التصويب، وبالتالي أكثر فعالية. وإذ يؤكد ريمر أنّ أسلوب الردّ الإسرائيلي في هذه المرحلة لم يؤدّ إلى حمل المجتمع الدولي ولا إيران ولا لبنان على وقف مشروع حزب الله لإنتاج الصواريخ الدقيقة، فإنّ «إسرائيل» «ستضطر إلى المجازفة من أجل خلق تهديد موثوق به والتلميح إلى تصميمها على إزالة الخطر الاستراتيجي من خلال توجيه إنذارات تتضمّن تهديداً واضحاً بالقيام بعملية عسكرية في لبنان، أو بضربة وقائية ضدّ مواقع الإنتاج المعروفة في أراضيه مع ما يعنيه ذلك من مخاطر تصعيد يؤدّي إلى مواجهة عسكرية واسعة».

زيسر وريمر يلتقيان، إذاً، على ضرورة قيام «إسرائيل» بتدفيع عدوّها، حزب الله، كما «المضيفَيْن»، لبنان وسورية، ثمناً باهظاً لإستضافته. فهل حكومة نتنياهو ورئيس أركان جيشها الجديد الجنرال افيف كوخافي في وارد اعتماد هذه «النصيحة» الخطيرة؟

ظاهر الحال يشير إلى العكس. فنتنياهو ما زال حريصاً ومنشغلاً بالحصول على موعد للإجتماع ببوتين رغم تهرّب الرئيس الروسي منه بشكلٍ ملحوظ. غير أنّ عدم اللقاء مع بوتين لا يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية من العمل والمناورة في مجالات أخرى. فقد أفاد تقرير تلفزيوني بثته قناة «حاداشوت» الإسرائيلية أنّ الشبكات السيبرانية الإستراتيجية الإيرانية تعرّضت قبل أيام لهجوم بعد ساعات من كشف الدولة العبرية إشراكها الدانمارك في معلومات عن «مؤامرة» إيرانية للقضاء على معارضين إيرانيين على الأراضي الدانماركية ما أدّى إلى قيام كوبنهاغن باستدعاء سفيرها في طهران.

التقرير التلفزيوني الإسرائيلي تساءل أيضاً: «هل تذكرون فيروس «سنكسنت» الذي اخترق حواسيب الكومبيوتر القطاع النووي الإيراني؟» وكان الجنرال سردار غلام زاده جلالي، رئيس وكالة الدفاع المدني في إيران، صرّح بأنّ بلاده عطّلت نسخة جديدة من «سنكسنت». وقبل ذلك، أقرّ الجنرال جلالي بأن هاتف الرئيس حسن روحاني تعرّض للتنصت وأنه جرى تزويده هاتفاً لا يمكن التنصت عليه.

ترى، هل استجابت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية لدعوة زيسر وريمر إلى شنّ ضربة وقائية ضدّ أعداء «إسرائيل»؟ أم هل تراها قامت بتصعيد حربها الناعمة المحسوبة على نحوٍ قابلٍ للتحويل إلى تهدئة أو إلى انفجار؟

ربما، لكن من الواضح أنّ الضربة السيبرانية الإسرائيلية جاءت محدودة الفعالية بدليل أنّ إيران واجهتها دونما أضرار تذكر، وإلاّ لكانت تل أبيب تغنّت بها بضجيجٍ وصخب…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/11/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد