التقارير

تقرير خاص: ’’أريد إبني وإن كان جثمانا’’!!.. صوت والدة الشهيد #علي_آل_ربح في ذكراه الثالثة

 

رحمة عبدالله
عينان واسعتان حين تتأمل فيهما يتراءى حجم براءة الطفولة مهيمناً عليهما.. يأخذك الحنين حيث تلك النظرات المشرقة بالأمل لمن في مثلِ جيله.. لا شيء سوى الكتب الدراسية والطاولة المستطيلة هي العنوان الأبرز في مجريات يوميّات أي طالب عاشق للعلم بلوغ حياة أفضل يحلم بها.. تلك هي صورة الشهيد الفتى "علي آل ربح"..

"صورة علي" تستذكرها والدته "السيدة زهراء حسن" اليوم حيث تحل الذكرى الثالثة المفجعة لاستشهاده قسراً وظلماً وقتلاً دونما شفقة ورحمة ولا مراعاة لعمره الصغير، وصوت الوالدة يعلو عنان السماء يفطر قلب الحجر فيتشقق خشوعاً لها .. أريد ’’استعادة إبني وإن كان جثمانا’’!! 

إنها قصة تروي جزءاً من مقصلة السعودية فتختصر تاريخها وإرثها التي قامت وتأسست عليه..لا أحد يكتب عنها ولا يتقول عليها.. بذاتها لاتزال تكتب والتاريخ يسجل.. وليس البشر وحدهم يشهدون إنما الحجر بل المناشير الصماء باتت تنطق دماً قانياً.

الذكرى الثالثة للمجزرة..

تمر الذكرى الثالثة على استشهاد علي الربح مع رمز الحراك المطلبي القطيفي الشيخ الشهيد نمر باقر النمر وشابين اثنين آخرين هما محمد الشيوخ ومحمد صويمل لمطالبتهم بالإصلاح في بلدهم ككل ومنطقتهم بالأخص لما تعانيه من تمييز وتهميش وإقصاء منذ عصور قديمة.. 

ولأن الشهداء حاضرون مدى الزمن ويجتازون حدود المكان والزمان فحينما تحل ذكرى شهادتهم تتراءى صورهم في الفضاء ولفضاء "خبير" حديث خاص مع والدة الشهيد "آل ربح" التي تناجي من خلال هذا المنبر فلذة كبدها قائلة: "علي قمري المغيب وشهيدي الحاضر.. ستبقى أبد الدهر خالداً يا فخر أمك وكرامتها و فردوس جناتها"... "سلام على القلب الحنون، سلام على دمائك الحانية، سلام على فردوس الجنان، سلام على الروح الزاكية؛ ورود حمراء هي دمائك حين تدفقت.. سلام من الله عليك يا علي".. وهل كان فتى بعمر الورد يحمل غير السلام والحب؟.

  حبه مساعدة الجميع ..

 وعن الفضائل والمميزات التي حظِي بها "علي" ليتوّجه الله شهيدا وشاهدا على الأمة تذكر والدته: "علي" تميز بابتسامة جميلة لا تفارق محيّاه، كان نبعا من حنان .. شهما وكان شجاعا .. كان يسارع لمساعدة الجميع".
وحين اعتقل ازداد حبه للمساعدة لمن معه، فقدم لهم كل مايستطيع كان يقدم النصح لهذا و يسلّي ذاك.. بحسرة تستذكر "الوالدة": مرة أخبرنا أنه كان يُصبّر معتقلا معه محكوما بالسجن لعدة سنين فكان يسليه وهو المحكوم ظلماً بـ (الإعدام)".

 انفرادي وحرمان من كتاب الله!

وتضيف: ازداد تعلقا بالله وما آلمه كثيرا حرمانه كتاب الله في انفرادي بسجن الحاير لمدة أربعة شهور..
  
خداع القاضي..

وبكبرياء وعزة وفخر تواصل والدة الشهيد حديثها: "وهل  تُنسى حياة العظماء؟" ذكرت سابقا الكثير عن علي.. علي ذلك الفتى الذي عشق الحرية بكل ماتعنيه وأبى أن يعيش مقيدا ذليلا".. "علي الذي اختار الحرية والكرامة ولم يرضَ بالمذلة و المهانة أبدا".. وبينما تعاهد ابنها المذبوح على ذكراه وتستذكر حكاياه تتابع: سأذكر هنا (شيئا من صبر علي) ..وتقص بدموعها: " علم بعد الاستئناف أن القضية ستعاد ولم يتغير شيئ في الحكم،  وحين تمت المصادقة على الحكم وتلقاه هو بكذبة القاضي .. وبعد 3 أسابيع من النطق بالحكم كان أول اتصال لنا بعلي .. ونحن نعلم بتصديق الحكم الجائر بحق إبننا، تبين لنا أنه لم يكن يعلم .."
 دار الحوار بينه وبين والده فسأله والده عن مجريات الجلسة فقال ( كلام القاضي)  رفعت للاستئناف للمرة الثانية ولم يتغيّر أي شيء، لكن لا أعلم لم "للآن مارجعونا المباحث؟" يستفهم "علي" من والده.. فأخبره الوالد والعبرة تخنقة بتصديق الحكم .. بعدها طلب علي محادثة والدته..

لا تخافوا عليّ (أنا ماسويت شي أخاف منه..)

 تنقل والدته عنه: "قال لي بالحرف الواحد بعد السلام والاطمئنان على أحوال الجميع  (لن يصيبنا إلا ماكتبه الله لنا) أماه لا تخافوا عليّ أنا ماسويت شي أخاف منه". وقال لي ( أبلغي سلامي لأخواني و جميع الأهل و الأحباب وكل من يسأل عني وأسأليهم إبراء ذمتي إذا غلطت في حق أي أحد فيهم )..  وقتها ورغم الوجع  والألم و الخوف والقلق على حياة ولدي علي قد استشعرت طمأنينة قلبه وكأني أرى ابتسامته بعيني" ..   تتابع قولها: "كان كالجبل في صلابته (قوته وصبره وثباته في ازدياد فالحمد لله كثيراً)" والسؤال الذي يدور بالذهن فتى بهذا العمر يسأل كل من حوله السماح بقلب مسلم مسالم أيحمل السلاح بوجه أحد فضلا بوجه آلة السلاح المدججة!.. السلاح الذي خاف منه هؤلاء الجنود وزعماؤهم (سلاح الكلمة الحق من تخرج فتفضحهم).

البداية كما النهاية 4 شهور انفرادي وتعذيب!
تواصل والدة الشهيد.. "تم اعتقال "علي" بطريقة بشعة من مقعده الدراسي ثم وجهت له العديد من التهم وهو ابن 17 من عمره (أي أنه كان قاصرا ) .. قضى أربع سنوات في السجون ظلما ابتدأها بأربعة أشهر في السجن الانفرادي وتعرض فيها لشتى أنواع الظلم والتعذيب النفسي والجسدي الذي ظل يعاني منه إلى يوم استشهاده"..
 
كما اختتمها أيضا بأربعة شهور مماثلة في سجن الحاير بالرياض قضاها بين الحرمان من أبسط الحقوق وبين الظلمة الموحشة والوحدة القاسية والانتظار القاتل .. 

في تلك الأثناء جرت المحاكمة الظالمة ..أيعقل أن تبتدئ تلك المحاكمة بتسليمه الحكم الصادر في حقه ( قبل جلسات المحاكمة) أيعقل ذلك ؟ على أي أساس تم إصدار الحكم ؟! وأي قانون ذاك الذي يدين المتهم قبل إثبات التهم؟ بتلك الإستفهامات والأسئلة الحائرة تستنكر والدة الشهيد علي مجريات المحاكمة الصورية بحق ابنها وأباحت دمه ودماء الكثيرين أمثاله..

طلب إثبات التهم الموجهة إليه!..

لم ييأس علي ولم يصمت حتى وهو محروم من الحرية عن المطالبة بالعدل والإصلاح، حيث طالب بإثبات تلك التهم المنسوبة إليه ظلما لكن دون جدوى حرم من حقه في الدفاع عن نفسه وحرم من حضور أهله وحضور المحامي، تؤكد والدته بذلك وتقول "أكثر جلساته كانت سرية .. أي عدل هذا ؟"!.

 لقاء أخير على أمل اللقاء ..

وأردفت: "جلساته انتهت بالنطق بالحكم  الظالم (الإعدام) لم يبالي علي ولم يكن خائفا كخوفنا نحن عليه والقلق الذي كان يقتلنا في كل لحظة" .. بعدها بـ 6 شهور تقريبا أدخل برنامج المناصحة و أنهاها بالإمتياز كما قالوا له أيضا، أخبروه بأنه سيخرج من السجن بعد 3 شهور ولكن طلبوا منه أمرا رفض تنفيذه رفضا قاطعا .. لذلك بعدها بمايقارب 5 شهور تم تصديق الحكم ضده دون علمه (أخبره القاضي بأن القضية ستعاد للاستئناف) وهي مصدقة .. أي قضاء هذا؟ .. "! قضى أربعة شهور في انفرادي الحائر رأيناه مرة واحدة فقط 45 دقيقه فقط  .. ودعنا بإبتسامته التي استقبلنا بها على أمل لقاء قادم و فرج قريب .. "! 

طالب بحقه حتى اختفى صوته من الوجود!

وأيضا حرم علي من آخر اتصال، فجميع من معه من المحكومين قد اتصلوا بأهلمهم، إلا هو، فقد منعه الظالمون لكنني أعلم أنه لم يستسلم بل كان يطالب بتلك الدقائق الخمس بأعلى صوته حتى اختفى صوته من الوجود.

جثامين مقيدة..

وما يدمي القلب أكثر أن السلطات السعودية لاتزال تحجتز عشرات جثامين الشهداء رغم مطالبة الأهالي مراراً برفاتهم الطاهرة كحق شرعي وقانوني مكفول في القانون الدولي فضلا عن الإسلامي! وتؤكد "السيدة زهراء": "نعم تمت المطالبة بجثمانه الطاهر برفع خطاب رسمي باسم العائلة (آل ربح) إلى وزارة الداخلية السعودية  لاستعادة جثمان الشهيد، كما تم رفع خطاب من قبل المنظمة السعودية الأوربية لحقوق الإنسان، وكذلك قمنا بزيارات متعددة للمباحث ولكن دون جدوى". 

أيام قليلة ونسمع بصدى الفاجعة الذي زلزل العالم بأسره ولكن الذي لا أعلمه مالذي فعلوه بك يا علي حينما طالبت بحقك في الاتصال؟ و لماذا اختفى صوتك منذ ذلك اليوم؟ ( كان الثلاثاء اتصالك و تم التنفيذ الجمعة و أعلن عنه السبت)، تقول الوالدة.

"والآن و في الذكرى الثالثة للمجزرة المروعة لازال جثمانك محتجزا ولا ندري هل دفن  أم بقي بلا غسل و كفن .. بلا صلاة و دفن .." 

وفي ختام مناجاة الوالدة لفلذة كبدها ترفع يدها للسماء شاكية: "اللهم إني قد قصدتك شاكية ظلامة ولدي فاحكم بيننا وبين كل من تسببوا في ماجرى عليه من ظلم وتعذيب وقتل وتغييب للجثمان .. يارب".

وثيقة:

أضيف بتاريخ :2019/01/02