آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

أوروبا ستواجه كارثة لو ألغت طهران تعاونها الأمني معها

 

صالح القزويني

لم تسلط وسائل الإعلام العالمية الضوء الكافي على الحدث الذي وقع يوم الأربعاء الماضي 23/1/2019 وهو إطلاق السلطات الأميركية سراح مذيعة قناة PRESS TV الإيرانية مرضية هاشمي، والتصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في ذات اليوم عندما أعلن أن آلية التبادل التجاري مع إيران سيتم تنفيذها قريبا.

ربما يعود سبب ذلك إلى انشغال وسائل الاعلام بالحدث الأبرز وهو الأزمة في فنزويلا، أو إلى أن الكثير من وسائل الإعلام لا تريد اسباغ صفة المنتصر على صورة إيران في أية قضية، أو لإنها لا تعرف قيمة الحدث والتصريح ووزنهما لذلك تجاهلته ولم تمنحه القدر الكافي من الأهمية، ولكن لا أبالغ إذا قلت أن طهران سجلت نقطتين في يوم واحد خلال نزالها مع واشنطن عبر إطلاق سراح هاشمي وتصريح لودريان.

قد يقلل البعض من أهمية إطلاق سراح هاشمي ليقول أن اعتقالها وإطلاق سراحها ليست وراءه دوافع سياسية وإنما يأتي في إطار السياقات القانونية وأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات والقانون هو الذي يسود فيها وهناك تفكيك للسلطات وأن القضاء لا شأن له بسياسة الرئيس الأميركي تجاه إيران وبالتالي فانه لا تسجيل نقاط ولاهم يحزنون، ويمكننا أن نحتج بهذا الرأي على الذين يقولوه، فنقول بما أن أميركا دولة مؤسسات والقانون هو الذي يسود فهل من المعقول أن تقدم السلطات فيها على توقيف مذيعة دون أن تعرف من هذه المذيعة وأين تعمل؟ وأن القضية وقعت بالصدفة وليس عن تخطيط سابق؟ ثم أن التبرير الذي ساقه القضاء في اعتقالها عندما أعلن أنها معتقلة كشاهدة في قضية فدرالية؛ أسوأ من الاعتقال نفسه.

كل الدلائل تشير إلى أن الإدارة الأميركية كانت تريد استخدام هاشمي وسيلة للضغط على إيران وانتزاع تنازلات منها سواء في سياساتها الاعلامية أو العسكرية أو في أدنى الحالات مبادلتها بالمعتقلين في إيران المتهمين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول أخرى، ولكن في نهاية المطاف اضطرت واشنطن إلى إطلاق سراحها نتيجة الحملة الإعلامية التي قامت بها طهران في هذا الإطار.

أما فيما يتعلق بتصريح لودريان فإنه يعد ضربة موجعة أخرى للسياسة التي ينتهجها ترامب تجاه إيران والتي تتمثل بممارسة المزيد من الضغط على طهران وتضييق الخناق عليها واقناع كافة دول العالم بضرورة محاصرة إيران وفرض عزلة كاملة عليها، خاصة أن التصريح جاء بعد التهديد الإيراني لأوروبا.

ففي التاسع من الشهر الجاري نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن مصدر دبلوماسي لم تكشف عن هويته أن طهران تعتزم إعادة النظر في تعاونها الأمني مع أوروبا، ويأتي الموقف الإيراني هذا بعد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على عدد من المسؤولين الإيرانيين، ومن المؤكد أن من لا يعرف تفاصيل التعاون الأمني بين إيران وأوروبا فانه سيستخف بالتهديد الإيراني.

ومرة أخرى لا أبالغ  إذا قلت أن الدول الأوروبية ستواجه كارثة لو ألغت طهران تعاونها الأمني معها، ويدور التعاون في إطار قضيتين اساسيتين هما مكافحة المخدرات والحد من الهجرة، ووفقا لمسؤولين إيرانيين فإن الوجهة الرئيسية لجانب كبير من عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان إلى إيران هي الدول الأوروبية، ولا يمر أسبوع إلا وتنشر وسائل الإعلام الإيرانية أنباء عن ضبط كمية كبيرة من المخدرات قادمة من أفغانستان أو باكستان أو دول أخرى، فضلا عن الاشتباكات المسلحة التي تقع بين الشرطة الإيرانية وعصابات المخدرات، وبالتالي فإن إيران تمثل موقع متقدم لصد عمليات تهريب المخدرات إلى أوروبا.

وإذا كانت إيران توظف إمكانيات هائلة وتنفق الأموال الطائلة وتعرض حياة أبنائها لمخاطر مكافحة المخدرات التي تعتزم العصابات تهريبها إلى أوروبا فمالداعي من كل ذلك في الوقت الذي تنخرط فيه الدول الأوروبية في سياسة الضغوط التي يمارسها ترامب ضد إيران وبدل أن تكون عونا لطهران فإنها تشارك في العدوان عليها؟

وبخصوص اللاجئين والمهاجرين فيكفي أن ترخي طهران من إجراءاتها الأمنية في هذا الموضوع آنذاك سنرى أن سيلا من المهاجرين الإيرانيين والأفغان وبلدان أخرى سيشقون طريقهم إلى أوروبا عبر إيران، وكل متابع يعلم جيدا أن تركيا سلت سيف المهاجرين السوريين بوجه أوروبا وخاصة ألمانيا عندما أرادت ممارسة الضغوط عليها.

طهران لا تريد أن يصل التوتر بينها وبين الدول الأوروبية إلى هذا المستوى ولكن اذا تنكر الاتحاد الأوروبي للاتفاق النووي وامتنع عن تنفيذ آلية التبادل فإن طهران ترى من حقها الدفاع عن مصالحها، ويبدو أن أوروبا استوعبت التهديد الإيراني فأعلن لودريان أن آلية التبادل سيجري تنفيذها قريبا.

لاشك أن الدول الأوروبية تسعى إلى ابتزاز طهران قبل تنفيذ الآلية وتريد منها تقديم التنازلات، وفي هذا الإطار يمكن تفسير تصريح وزير الخارجية الفرنسي يوم أمس، حينما دعا إيران إلى التفاوض بشأن قدراتها الصاروخية، كما أن الاجراءات التي اتخذتها الدنمارك والنمسا وبولندا ضد إيران تدخل في هذا الإطار، ولكن لو وصلت إيران إلى طريق مسدود مع أوروبا فإنه من المؤكد أنها ستنفذ تهديدها.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد