آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد النوباني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

في ظل توازن الرعب والردع… هل بمقدور إسرائيل شن الحرب؟!


محمد النوباني

 لا أحد يستهين بقوة إسرائيل العسكرية فهي تملك قرابة ٣٠٠ رأس نووي وصواريخ قادرة على حملها لأهدافها في البلدان المجاورة ،ولديها أسلحة جو وبر وبحر متطورة وترسانة ضخمة من احدث أنواع الأسلحة الأمريكية المتقدمة بالإضافة إلى أقمار صناعية لأغراض التجسس والمراقبة ووسائل حرب الكترونية ومنظومات دفاع جوي وصاروخي مثل السهم والقبة الحديدية وغيرهما.

 ومع ذلك فإن إسرائيل هذه ورغم كل قوتها العسكرية تعيش
 اليوم حالة قلق وجودية لم يسبق لها مثيل وسبب ذلك أنها بنت استراتجياتها ألعسكرية والأمنية على أساس أنها تواجه عدوا عربيا وإسلاميا متخلفا وعاجزا عن استيعاب السلاح المتطور وتوظيف معطيات العلم والتكنولوجيا والمعرفة في الحروب معها من دون أن يدور في خلدها أنه قد يأت يوما تجد نفسها فيه في مواجهة عدو أخر مختلف نوعيا عن العدو الأول الذي كانت تحسم المعارك معه وتنتصر عليه في عدة ساعات أو أيام على أبعد تقدير في حروب خاطفة وسريعة تدور خارج حدودها وجبهتها الداخلية في منأى عن أي خطر.

 ويحضرني في هذا السياق أن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان عقد بعد حرب الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ مؤتمرا صحافيا عالميا في القدس تحدث فيه عن الانتصار المدوي الذي حققه الجيش الإسرائيلي على ثلاثة جيوش عربية في تلك ألحرب في غضون ستة أيام وانتهت باحتلال كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان .

 ولما فتح باب الأسئلة والأجوبة وجهت إليه أحدى الصحافيات الأجنبيات ألسؤال التالي: سيد موشيه الخطة التي اعتمدتها في تحقيق الانتصار على العرب في حرب ١٩٦٧ سبق أن تحدثت عنها تفصيلا في كتابك (حملة سيناء) الذي صدر بعد العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، الم تكن تخش أن يقرأ العرب ذلك الكتاب ويفشلون خطتك؟

فأجابها لا لقد كنت على قناعة بأن العرب قوم لا يقرأوون وأن قرأووا لا يستوعبون هذه الصورة النمطية عن القادة العرب والجيوش العربية والمقاتل العربي سكنت في العقل السياسي والعسكري الإسرائيلي ردحا طويلا من الزمن لأن الجيش الإسرائيلي. الذي كان يوصف ذات يوم بأنه الجيش الذي لا يقهر كان يواجه جيوش عربية كلاسيكية عاجزة بحكم ضعف بنائها التسليحي والعقدي والمعنوي عن خوض أية مواجهات أو معارك ناجحة معه ألا في حالات نادرة مثل معركة الكرامة في ٢١ آذار ١٩٦٨ التي انتصر فيها الفدائيون الفلسطينيون ومعهم وحدات من الجيش الأردني على القوات الإسرائيلية التي اجتاحت بلدة الكرامة الأردنية لتصفية قواعد الفدائيين آنذاك وحرب الاستنزاف التي استمرت ثلاث سنوات (١٩٦٨-١٩٧٠) بين الجيشين الإسرائيلي والمصري على جبهة قناة السويس وكانت الغلبة فيها للجيش العربي المصري من دون أن ننسى بطبيعة الحال حرب أكتوبر ١٩٧٣ التي أنتصر فيها الجيشين العربيين المصري والسوري في بداية الأمر انتصارا مدويا على الجيش الإسرائيلي لو أن خيانة السادات أجهضت تلك الحرب وحولتها من انتصار استراتيجي على إسرائيل إلى هزيمة إستراتيجية عربية.

مدوية لا زلنا نعاني من أثارها المدمرة حتى اليوم. عود على بدء فإنه ومنذ تمكن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله من تحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ وانتصارها في حرب ال٢٠٠٦ وانتصار المقاومة الفلسطينية في غزة على الجيش الإسرائيلي في ثلاثة حروب في أعوام ٢٠٠٨ ، ٢٠١٢، ٢٠١٤ باتت إسرائيل تعاني من عدم مقدرة على حسم المعارك والحروب لصالحها رغم كل الدعم الأمريكي والغربي والرجعي العربي لها. وهذا ما عبر عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حينما وصفها بأنها أوهن من بيت العنكبوت وقال جملته المشهورة :لقد ولى عصر الهزائم وجاء عصر الانتصارات”.

فإسرائيل بنيت لكي تكون في حالة حرب دائمة وحالة انتصار دائمة ولا تستطيع خسارة حرب كبيرة واحدة لأنها أولا صغيرة المساحة وعدد سكانها محدود وثانيا لأنه لا عمقا إستراتيجيا لها. وثالثا لأن مستوطنيها الذين تم استجلابهم من مختلف بقاع الأرض كوقود في خدمة مشروع كولنيالي استيطاني استعماري لا يستطيعون تحمل حروب طاحنة كبيرة وهم الذين وعدوا بالأمن الدائم وبحبوحة العيش. ولذلك فأنهم سيكونون على استعداد لمغادرة فلسطين والعودة إلى بلدانهم الأصلية إن شعروا بأن خطرا وجوديا حقيقيا يتهددهم.

ومما يضيف الصورة قتامة وسوداوية أمام حكام إسرائيل أن الجمهورية الإسلامية في إيران التي تحتفل الشهر القادم بالذكرى الأربعين لانتصار ثورتها قد تمكنت بفعل نهضتها العلمية والتكنولوجية وتطور قوتها العسكرية وتحديدا في مجال الصواريخ الباليستية ودعمها بالمال والسلاح لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن كونها صاحبة مشروع لتحرير فلسطين وتحرير العالم الإسلامي والعالم اجمع من الاستكبار الأمريكي من ملئ الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفياتي السابق وباتت دولة مواجهة لإسرائيل من خلال تواجدها العسكري في سوريا .


ومما عمق أزمة إسرائيل البنيوية أكثر فأكثر أنها بدأت تفقد المقدرة على تسويق نفسها في العالم على أنها دولة مسالمة تدافع عن وجودها في وجه عرب متخلفين يسعون إلى تصفيتها وإزالتها عن الوجود مبررة عدوانيتها على أنها دفاع عن النفس ولإنقاذ اليهود من شبح “هولوكوست” يتهددهم فيما لو رضخت لأعدائها. . ومما له دلالته بهذا الصدد أن مقالا غير مسبوق تم نشره في مجلة “نيوزويك “الأمريكية واسعة الانتشار مؤخرا هاجم فيه الكاتب سياسة القتل التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين منتقدا أعضاء الكونجرس الذين يتجاهلون ذلك بسبب رضوخهم للوبي الصهيوني كما نشر مقال أخر في “الجارديان” البريطانية يصب في نفس الاتجاه. وهذا يعني أن الناس حتى في أمريكا والغرب قد بدأووا يضيقون ذرعا بسياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين معتبرين أن الدفاع عن تلك السياسات بات مسالة معيبة ولا أخلاقية لا يجوز لها أن تستمر غير آبهين بتهمة معاداة السامية التي يمكن أن توجه لهم.. هذه العوامل مجتمعة تدفعنا للاعتقاد بان حكام إسرائيل باتوا اليوم في ورطة إستراتيجية حقيقية، فمن ناحية فانه لا مخرج لهم من الأزمة البنيوية الحادة التي يعانون منها سوى شن الحرب لتدمير أعدائهم ،ولكنهم من ناحية ثانية مردوعون ويدركون بأن أية مغامرة عسكرية لإعادة الاعتبار لقوة الردع التي فقدوها قد تؤدي إلى نشوب حرب كبرى لا يستطيعون لا ألانتصار فيها ولا تحمل نتائجها .

ولكن هذا لا يعني انحطر نشوب الحرب في المنطقة مستبعد بالمطلق فقد يؤدي أي تصرف خاطئ أو تقدير موقف خاطئ من قبل نتنياهو قبل انتخابات الكنيست في شهر ابريل القادم إلى تحقيق الوعد الرباني (أدخلوها بسلام آمنين).

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/02/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد