آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

قضية اللاعب البحريني تكشف حدود النفوذ السعودي

 

د. سعيد الشهابي

 
استذكر عدد من الشعوب العربية في الشهرين الماضيين الزلزال السياسي الذي هز العالم العربي قبل ثمانية أعوام. ففي مدينة سيدي بوزيد التونسية أقيمت فعاليات متواضعة لاحياء ذكرى الشهيد محمد بوعزيزي الذي كانت نيران جسده الصاعق الذي فجر ثورات الربيع العربي، وأقام بعض المصريين في 25 كانون الثاني/يناير فعاليات بمناسبة ذكرى ثورتهم التي اطاحت يومها بحسني مبارك، كما احتفى اليمنيون في 11 شباط/فبراير بذكرى الثورة على نظام علي عبد الله صالح.
وقبل بضعة أيام مرت الذكرى الثامنة لانتفاضة شعب البحرين ضمن ثورات الربيع العربي التي اجهزت عليها قوى الثورة المضادة. وفيما خمدت كافة الحراكات الميدانية في البلدان الأخرى فقد تواصلت الاحتجاجات بنمط شبه يومي في هذا البلد العضو بمجلس التعاون الخليجي، برغم وجود ستة جيوش لحماية حكومته من السقوط. فهناك قوات سعودية وإماراتية كانت قد اخترقت الحدود في 14 آذار/مارس 2011 للمشاركة في قمع الانتفاضة، ثم استقدمت قوات باكستانية بلغ عددها 30 ألفا، ثم جيء بالدرك الأردني للمساهمة في الاجهاز على الحراك الشعبي. يضاف إلى ذلك وجود القاعدة الأمريكية التي حلت في العام 1971 مكان القاعدة البريطانية.

وقبل خمسة اعوام استدعى حاكم البحرين البريطانيين متبرعا ببناء قاعدة بحرية لقواتهم. وبرغم التعتيم الاعلامي على الاحتجاجات التي لم تتوقف يوما إلا أن سياسات حكومة ذلك البلد ساهمت في جذب الأضواء لأزمتها السياسية بين الحين والآخر. فضمن محاولاتها لإظهار الوضع الداخلي «طبيعيا» و «مستقرا» تقوم بفعاليات رياضية أو سياسية تستفيد منها المعارضة لإعادة تسليط الأضواء على الوضع الداخلي المتوتر. ومن هذه الفعاليات المتكررة حضور حاكمها سباق الخيول الملكي بمدينة وينسور البريطانية وإقامة سباق السيارات المعروف بـ «فورمولا 1» الذي أطلقت المعارضة عليه اسم «فورمولا الدم»، واستضافت «حوار المنامة» في شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام. هذه المبادرات الهادفة لتلميع صورة النظام تأتي بنتائج عكسية لأنها تشجع المعارضة في الداخل والخارج على الاهتمام بها وطرح صورة مغايرة تماما. فالإعلاميون الذين يحضرون لتغطية فعاليات سباق السيارات أو حوار المنامة يتواصلون عادة مع المعارضين الذين يشجعونهم على زيارة المناطق الملتهبة والالتقاء بعائلات الشهداء والسجناء، أو الاتصال بمن بقي من رموز المعارضة خارج السجون. هذا في الوقت الذي تحرص فيه الحكومة على منع المنظمات الحقوقية الدولية من دخول البلاد، وترفض السماح للمقررين الخاصين بزيارات سجونها التي تضم أكثر من أربعة آلاف سجين سياسي.

في هذه الفسيفساء السياسية والثورية جاءت قضية الرياضي البحراني، حكيم العريبي التي انتهت قبل أيام بخسارة حكومة البحرين معركتها لاسترداده من منفاه. فقد قضت محكمة تايلاندية باخلاء سبيله بعد اكثر من 70 يوما رهن الاعتقال. الفصل الأخير من معاناة هذا الرياضي بدأ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر عندما نزل في مطار بانكوك مع زوجته قادمين من أستراليا لقضاء شهل العسل. كان اعتقاله في البداية بموجب إشارة حمراء من الشرطة الدولية «انتربول» التي أصدرتها بناء على معلومات خاطئة من سلطات البحرين، سرعان ما تم سحبها بعد يومين من الاعتقال. وهنا بادرت حكومته لمطالبة تايلاند بإرجاعه، الأمر الذي وضع بانكوك في موقف حرج جدا تمنت أن لا تكون فيه حسب ما جاء في بيانات أصدرتها وزارة خارجيتها. هنا نشأت معركة شرسة بين طرفين كانت الحكمة تقتضي أن لا تخوضها حكومة البحرين لأنها ببساطة خاسرة. فجأة برز اسم رياضي استرالي متقاعد اسمه «كريج فوستر» كمدافع عن حكيم العريبي. في غضون أسابيع قليلة استطاع السيد فوستر تحريك العالم الرياضي ليطالب بالإفراج عن حكيم وإعادته إلى أستراليا التي كانت حكومتها هي الأخرى قد تدخلت لصالحه. وربما لم تشهد قضية فردية أخرى اهتماما بهذا المستوى، فسرعان ما تحرك تحالف عالمي من الرياضيين، والناشطين الحقوقيين، والمشجعين، نتيجة نشاط لاعب كرة القدم الأسترالي كريغ فوستر وزملائه، إلى جانب «الفيفا»، الهيئة المنظمة لكرة القدم، و«اللجنة الأولمبية الدولية» لحث البحرين على إسقاط الدعوى وتايلاند على السماح للعريبي بالعودة إلى أستراليا. أصدرت الهيئتان بيانات بنبرة قوية، تطالب علنا بالإفراج عن العريبي، كما حضر فيديركو أدييكي، رئيس الاستدامة والتنوع في الفيفا، جلسة استرداد العريبي في بانكوك.

هذه القضايا أصبحت مصدر قلق لحكومة البحرين التي أصبحت تورط نفسها في مشاريع لتلميع صورتها وهي تعلم أنها لن تستفيد من تلك المحاولات كثيرا لأن ضحاياها سيواصلون جهودهم للاستفادة من الظروف التي يوفرها حضور جهات رياضية إلى البلاد

بعد انتهاء قضية الرياض حكيم العريبي، تضاعف قلق حكومة البحرين من تبعات محتملة لتلك القضية منها ما يلي:

أولا: دعوات من أطراف رياضية عديدة لطرد البحرين من الاتحادات الرياضية الدولية. فالتعامل مع حكيم من قبل حكومة البحرين يكشف مدى اضطهاد الرياضيين في هذا البلد.

ثانيا: هذه الحقيقة دفعت الذين تصدروا لقضية حكيم لفتح ملف الرياضيين البحرانيين الذين تعرضوا للاضطهاد في 2011 بسبب موقفهم الداعم للحراك الشعبي. وهناك أكثر من 150 رياضيا ضمن هؤلاء. بعضهم تعرض لحملة تشويه علنية في التلفزيون الرسمي الذي كان يتصل بهم ويستفزهم ويهددهم على الهواء مباشرة في فترة الأحكام العرفية بعد التدخل السعودي ـ الإماراتي، حيث كان هناك حكم عسكري يتصرف بتوحش مع المواطنين. ومن هؤلاء لاعب المنتخب علاء حبيل واخيه محمد وحارس المنتخب علي سعيد، والصحافي الرياضي فيصل هيات. وإذا فتح ملف هؤلاء هذه المرة فسيحاصر الحكومة ويكشف دور بعض أبناء الحاكم نفسه في سجن الرياضيين وتعذيبهم ومطاردتهم. إنه ملف خطير سيبذل النظام جهودا لمنع فتحه. ولا يستبعد أن يقوم بإرسال مبعوثين للتواصل مع الأشخاص الذين تصدروا الحملة.

ثالثا: الضغوط المتواصلة على الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لطرد رئيسه، سلمان إبراهيم الخليفة بعد فشله في أداء واجبه تجاه العريبي، في البداية لم يستجب للدعوات المتواصلة لكي يأخذ الاتحاد الآسيوي موقفا داعما لحكيم، ولكن تصاعد الضغوط دفع إدارة الاتحاد الآسيوي لتخويل نائبه للتعاطي مع قضية حكيم، وبعد أكثر من خمسين يوما من اعتقال حكيم صدر بيان خجول يطالب بالإفراج عن حكيم. وهناك عتاب شديد من الرياضيين الدوليين للاتحاد الآسيوي الذي لم يبد حماسا للدفاع عن رياضي مضطهد.

رابعا: إن هناك الآن ضغوطا على «الاتحاد الدولي للسيارات» الذي ينظم سباق «فورمولا 1» لوقف تعامله مع البحرين بسبب اضطهاد الرياضيين. فإذا أثيرت قضية الرياضيين الذين اضطهدوا قبل ثمانية أعوام، فستتصاعد الضغوط لإلغاء هذا السباق. وقبل أربعة أعوام مارس بعض المنظمات الحقوقية ضغوطا على إدارة السباق لإلغاء عقده مع البحرين بعد قتل المصور الإعلامي أحمد إسماعيل خلال تغطيته احتجاجات ضد سباق الفورمولا، وقتل صلاح عباس أثناء مشاركته في مسيرة ضد إقامة السباق. يضاف إلى ذلك اعتقال عدد من النشطاء لأسباب تتعلق بمطالبتهم بالغاء السباق، ومنهم السيدتان نفيسه العصفور وريحانة الموسوي. يومها وعدت المنظمة بانها ستهتم بقضايا حقوق الإنسان وتضعها في الحسبان، ولكنها لم تفعل ذلك. هذه الضغوط تصاعدت الآن بعد أن أقدمت الحكومة على سجن المزيد من نشطاء حقوق الإنسان. لقد تعمق غضب الشعب ضد سباق الفورمولا 1 بعد أن تحول إلى سبب لاعتقال المزيد من النشطاء، وآخرهم السيدة نجاح يوسف. هذه السيدة محكومة بالسجن ثلاث سنوات لأنها دعت لإلغاء السباق عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تعرضت للتعذيب، وتم إطلاع إدارة فورمولا1 على ذلك. وزعمت الإدارة قبل ثلاثة شهور أنها رفعت قضيتها للسلطات المعنية، ولكن معاناة مستمرة وراء القضبان.

هذه القضايا أصبحت مصدر قلق لحكومة البحرين التي أصبحت تورط نفسها في مشاريع لتلميع صورتها وهي تعلم أنها لن تستفيد من تلك المحاولات كثيرا لأن ضحاياها سيواصلون جهودهم للاستفادة من الظروف التي يوفرها حضور جهات رياضية إلى البلاد.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/02/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد