آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. رائد المصري
عن الكاتب :
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

عندما تحرصون على عروشكم وليس أوطانكم فأعْلموا أنكم في لبنان

 

د. رائد المصري

بهدوء… فهذه هي المعادلة السياسية لأغلبية الزعامات الطائفية المركبة تاريخياً على أكتاف الفقراء والمرتمية في أحضان الخارج وفي دوامة الاستتباع والارتهان لشروط كسر السيادة وشروط الحماية المذهبية ضمن الطوق الطائفي، منعاً لأيّ احتجاجات بسحب الثقة التي التزمتها صيغة التوافق لعام 1943 والتي سُمّيت بـ «المارونية السياسية» آنذاك، ثمّ صيغة «السنية السياسية» منذ العام 2005 والتي لا تزال صامدة، لكن من دون مفاعيل واقعية إلا بشروط التآمر بين المرجعيات السياسية التقليدية من خلال الحفاظ على الحصص وكعكة التقاسم في الثروات المنهوبة… فإليكم الشرح في ما خصّ الحالتين اللتين كسرتا العمود الفقري لدولة مفترضة اسمها لبنان…

البيئة السياسية عام 1946 والتي تخلت عن الحماية الفرنسية والاستتباع للخارج المنتدب عليها وقرّرت المضيّ باستقلال لبنان من الانتداب الفرنسي الحامي لها، كانت شروطه واضحة مارونياً بأننا تخلّينا عن الحاضن والحافظ لنا ولحقوقنا الدينية والسياسية والطائفية، ومقابل ذلك على المسلمين التسليم لنا بقيادة البلد وتركيب طبقة سياسية من كلّ الطوائف والسطو على كلّ مقدرات لبنان مقابل هذه التضحية التي ركبت موجتها «المارونية السياسية» الى حين اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، الى الوقت الذي تعذّر معه القبول بأيّ إصلاح يخدم الطبقات الشعبية الفقيرة، حيث كان القرار كبيراً وجريئاً بأخذ البلد نحو الدمار والحرب الأهلية والاستعداد كاملاً للتضحية بالبلد وبمن فيه لقاء عدم التنازل والاعتراف بحق الشعب وضماناته الإصلاحية المتوجبة على هذه السلطة…

وفي المقابل تعتبر «السنية السياسية» المتمثلة بالحريرية وأتباعها بأنهم ساروا على درب الجلجلة في عام 2005، وبأنّ تضحيتهم كانت كبيرة، حيث طلبت ووجب التسليم لها بإنتاج طبقة سياسية من كلّ الطوائف والمذاهب على غرار «المارونية السياسية»، وترك لها الباب مفتوحاً لاختيار النواب المسيحيين وغير المسيحيين، وراحت تزاوج بين سياساتها المالية وسياسات البنك الدولي وصندوق النقد من دون أن يكون للطبقات الشعبية قدرة الردع والمجابهة، إلى اليوم الذي وصلنا فيه مع وضع الموازنة العامة التي تتضمّن إجراءات تقشفية على حساب الفقراء والموظفين ومحدودي الدخل من دون الإضرار بأصحاب رؤوس الأموال والمصارف والمتهرّبين من دفع الضريبة للدولة! فكيف تستطيع أيّ دولة أن تقيم موازنة من دون تفعيل مصدرين لها وهما الجباية الجمركية الصحيحة وعدالة الدفع للضريبة التصاعدية؟ ومن دون هذه الإجراءات تكون الطبقة السياسية بأغلب ممثليها على كامل الاستعداد لأن تأخذ البلد نحو التوتر والتفجير كحصيلة لعدم الامتثال للواقعية السياسية والشعبية والاجتماعية التي يبدو أنها مجمعة على النزول الى الشارع وعدم القبول بأية إجراءات ضريبية لا تطال كبار رأسماليّي السلطة الطائفية والمذهبية والتحاصصية…

كلتا السلطتين المتمثلتين تاريخياً بـ «المارونية السياسية» وحالياً بـ «الحريرية السياسية» مع ما أحاط ويحيط بهما من حواضن مذهبية منتفعة ريعية يحكمها التعصّب الأعمى، هم على استعداد للتضحية بالبلد وبالناس وبالفقراء لقاء عدم التنازل والاعتراف بحقوقهم وضماناتهم الاجتماعية التي أكلها هذا النهج المعولم والمرتبط بالمتروبول المالي العالمي، ويريدون قضم المستحقات من معاشات الموظفين المعدمين ويتغاضون عن التهرّب الضريبي وسياسات المصارف العابثة بأموال الناس ومدّخراتها… إنه الفتيل المفجر لأزمات اجتماعية مزمنة لم يعد يطيق المواطن الصبر عليها…

ففي سبيل بقائهم في السلطة وعلى عروشهم على الساسة والقوى الطائفية والمذهبية في لبنان إثبات الولاء للخارج وتنفيذ سياسة الإفقار لعامة الشعب، حتى لو أدّت هذه السياسات إلى تدمير الأوطان والكيانات وإقامة الحروب، فلربما تستعيد الدور التاريخي لنظامها التابع والكولونيالي الذي تآكل من جديد، إنها حقيقة هذه اللعنة عند العرب في إعادة إنتاج تاريخ أسود ولن يشذّ البعض في لبنان عنها…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/05/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد