آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسن حردان
عن الكاتب :
صحافي لبناني

درس المقاومة الشعبية والمسلحة في الذكرى الـ 37 للغزو الصهيوني للبنان

 

حسن حردان

تحلّ هذه الأيام من عام 1982 الذكرى الـ 37 للغزو الصهيوني للبنان واحتلاله ثاني عاصمة عربية بعد القدس، العاصمة بيروت، بعد انسحاب قوات المقاومة الفلسطينية منها، اثر اتفاق توصل إليه المبعوث الأميركي فيليب حبيب، بعد مفاوضات أجراها مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو الاتفاق الذي لم يحم اللاجئين الفلسطينيين من تعرّضهم لمجزرة وحشية مروعة على أيدي عملاء العدو الصهيوني، بإشراف مجرم الحرب الصهيوني أرييل شارون…

بعد هذه المجزرة ودخول قوات الاحتلال بيروت انطلقت الرصاصات الأولى للمقاومة الوطنية ضدّ قوات الاحتلال في مواقع عديدة من العاصمة، وكان أشهرها عملية الشهيد خالد علوان في مقهى الويمبي في شارع الحمراء، والتي أدّت إلى مقتل ضابط صهيوني وعدد من الجنود، إضافة إلى العديد من العمليات التي استقبلت قوات الاحتلال على غير ما يتوقعه وأدّت إلى تدمير وإعطاب عدد من الدبابات المعادية، ومقتل عشرات الجنود الصهاينة، وعلى إثر ذلك راحت قوات الاحتلال عبر مكبّرات الصوت تناشد أهالي بيروت «لا تطلقوا النار علينا… نحن راحلون»…

بعد الانسحاب الصهيوني من بيروت تصاعدت عمليات المقاومة الشعبية والمسلحة في المناطق كافة، لا سيما بعد توقيع اتفاق الذلّ والعار، اتفاق 17 أيار، مع العدو والموافقة عليه من قبل مجلس النواب اللبناني.. والذي لم يرفضه من النواب سوى النائبين زاهر الخطيب ونجاح واكيم.. رغم تعرّضهما للضغوط والتهديدات من الحكم اللبناني برئاسة الرئيس أمين الجميّل الذي انتخب في ظلّ الاحتلال، لدفعهما لعدم حضور الجلسة وضمان عدم وجود أيّ اعتراض على الاتفاق.. وكان لهذا الرفض القوي من الخطيب وواكيم أثره الكبير في تعزيز مقاومة الشعب اللبناني ضدّ قوات الاحتلال، وهي المقاومة التي نجحت في استنزاف جيش العدو الصهيوني وإجباره على الانكفاء قسراً عن المناطق اللبنانية التي احتلها الواحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى إلحاق الهزيمة المدوية به ودفعه إلى الرحيل عن المناطق الحدودية من الجنوب والبقاع الغربي، تحت جنح الظلام هرباً من ضربات المقاومة اللبنانية الباسلة التي تمكّنت من توجيه ضربات موجعة لضباط وجنود العدو والعملاء اللحديين وأدّت إلى مصرع العشرات منهم وتفجير التناقضات داخل كان الاحتلال وتصاعد المطالبة بالانسحاب من لبنان، فيما انهارت معنويات المليشيات العملية…

لقد كشف الغزو الصهيوني للبنان مجدّداً الوحشية الصهيونية والطبيعة العدوانية لهذا العدو، والتي جسّدها بداية في فلسطين ضدّ الشعب الفلسطيني ومن ثم ضدّ لبنان وشعبه، وكشفت بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ كيان العدو الصهيوني إنما هو قائم على العدوان والتوسّع والاحتلال واغتصاب الأرض والاستيلاء على الحقوق والثروات العربية، وأنه لا يميّز في عدائه بين اللبنانيين، أما الذين تعاملوا معه وكانوا أداة في خدمة مخططاته واحتلاله فإنه سرعان ما تخلى عنهم عندما اضطر إلى الرحيل ذليلاً مدحوراً عن لبنان، فيما عامَل من لجأ إلى فلسطين المحتلة معاملة سيئة باعتراف قادة العملاء وفي مقدّمهم أنطوان لحد.

ما كان العدو ليرحل عن لبنان لولا المقاومة الشعبية والمسلحة التي شاركت فيها جميع الأحزاب والقوى الوطنية والقومية واليسارية، والتي واصلتها المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله، وصنعت النصر التاريخي والاستراتيجي بتحرير معظم الأرض اللبنانية من الاحتلال لأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني دون قيد ولا شرط أو أيّ ثمن مقابل.. إنه الدرس الأساسي الأول الذي يجب استخلاصه في هذه المناسبة، والذي يؤكد أنّ هذا الاحتلال لن يرحل عن أيّ أرض يحتلها سواء في جنوب لبنان أو الجولان السوري أو فلسطين المحتلة، إلا عبر خوض المقاومة الشعبية والمسلحة بدون هوادة أو مساومة ووفق رؤية استراتيجية للتحرير، مقاومة على رأسها قيادة ثورية شجاعة غير مساومة تملك مشروعاً متكاملاً لمقاومة الاحتلال وبعد النظر والقدرة على خوض الصراع مع عدو وحشي ومتغطرس وإلحاق الهزيمة به، رغم امتلاكه أحدث ترسانة من الأسلحة الأميركية المتطوّرة، ويلقى الدعم العسكري والاقتصادي والمالي من أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة، وهذا كان دليلاً ساطعاً جديداً على قدرة نجاح المقاومة الشعبية والمسلحة على دحر الاحتلال وتحرير الأرض مهما طال زمن الاحتلال واستحوذ على قدرات، تماماً كما نجحت المقاومة الفيتنامية والجزائرية والصينية واليوغسلافية وغيرها من مقاومات الشعوب في إلحاق الهزيمة بالمحتلين وعملاء الاحتلال وتحرير بلدانها من دون قيد ولا شرط…

وقد تعزز هذا الخيار المقاوم وأثبت أنه هو السبيل لتحرير الأرض ونيل الحرية، بعدما تأكد أنّ الرهان على الاتفاقيات والحلول السياسية لتحرير الأرض أو الحصول على جزء من الحقوق إنما هو رهان عقيم ولا يجدي نفعاً مع المحتلّ الذي أكد بأنه لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة الشعبية والمسلحة.. وما حصل ويحصل بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير والعدو الصهيوني لهو أكبر برهان بأنّ هذا العدو مخادع ولا يقيم وزناً لأيّ اتفاق، وانّ كلّ ما أراده من أوسلو إنما هو تشريع احتلاله والتخلص من المقاومة والانتفاضة والعمل على كسب الوقت لتحقيق أهدافه التوسعية بالاستيلاء والسطو على أراضي الفلسطينيين، وبالتالي فرض الأمر الواقع الاحتلالي بالسيطرة على فلسطين، وخلق الظروف والمناخات المواتية له بدعم من حليفه الأميركي والأنظمة الرجعية العربية لتصفية قضية فلسطين وإلغاء عروبتها بالكامل، وهو ما يجري العمل عليه هذه الأيام عبر التمهيد لإعلان صفقة القرن المعدّة أميركياً في المؤتمر الاقتصادي المقرّر عقده في المنامة عاصمة البحرين للترويج لهذه الصفقة عبر محاولة إظهار منافعها الاقتصادية والمالية التي ستعود على الفلسطينيين إنْ هم وافقوا على التخلي عن المطالبة بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس، ووافقوا أيضاً على التخلي عن حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها عام 1948 بقوة الإرهاب والبطش الصهيوني… والموافقة على ذلك تعني إنهاء وشطب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين والقبول بمقايضة هذه الحقوق بالأموال التي ستتولى أنظمة النفط الرجعية دفعها بأمر من سيدها الأميركي…

لقد برهنت تجربة المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني للبنان بأنّ هذا الاحتلال كان ولا يزال يشكل تهديداً دائماً للبنان والأمة باكملها، وهو كان لا يزال يطمع في السيطرة على ثروات لبنان النفطية والمائية، ومواصلة احتلال أجزاء من أراضيه، لكن ما يجعل العدو الصهيوني غير قادر على تحقيق هذه الأطماع إنما هو استمرار جاهزية المقاومة التي عززت معادلات الردع في مواجهته، لا سيما بعد انتصارات محور المقاومة في سورية عل أشرس حرب إرهابية كونية قادتها الولايات المتحدة الأميركية.

وقد أجبرت هذه المقاومة العدو يحسب ألف حساب إنْ هو فكر بالاعتداء على أراضي وثروات لبنان، والتجربة برهنت بأنّ المقاومة قادرة على الردّ بقوة على أيّ عدوان صهيوني… ولأنّ لبنان يمتلك هذه القوة الرادعة المستندة إلى المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة، اضطر كيان العدو إلى الاستعانة بحليفه الأميركي في محاولة يائسة لجرّ لبنان إلى المفاوضات المباشرة معه لترسيم الحدود البحرية والبرية، مقابل نزع صواريخ المقاومة الذكية التي باتت تشكل إضافة نوعية لمعادلات الردع التي فرضتها المقاومة والتي تردع العدو عن شنّ الحرب على لبنان، وطبعاً رهان العدو على دفع لبنان إلى فخ التفاوض لتحصيل بعض المكاسب على حساب لبنان، لكن المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد فوجئ بموقف لبنان الرسمي الموحد الرافض لأيّ تفاوض مباشر برعاية أميركية، وإصراره على أن تكون المفاوضات غير مباشرة وبرعاية الأمم المتحدة، وإنْ حضر الأميركي، وكذلك رفض تجزئة ترسيم الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة، والإصرار على كامل حقوق حسبما تقرّ الاتفاقيات الدولية، وهو الأمر الذي أحبط المناورة الأميركية للترويج للشروط الصهيونية وأفشل أهداف الجولات المكوكية لساترفيلد، وأكد مجدّداً أن واشنطن لم تكن ولن تكون يوماً طرفاً محايداً في الصراع بين العرب وكيان العدو، ولا راعياً نزيهاً في أيّ تفاوض غير مباشر معه…

كما تأكد بأنّ ضمانة لبنان للحفاظ على حقوقه وثرواته واسترجاع أراضيه المحتلة إنما تكمن في الموقف الموحد السياسي والوطني الرسمي والشعبي المستند إلى قوة المقاومة والمعادلة الذهبية.. أنّ أهمّ ما يجب أن يتمسك به لبنان دولة وشعباً هو هذه المقاومة وسلاحها الرادع الذي لولاه لما كان الأميركي ليأتي إلى لبنان لتسويق الشروط الصهيونية ولما كان يقيم أيّ اعتبار للبنان أصلاً…

إنّ الغزو الصهيوني للبنان بدلاً من يجعل من لبنان محمية صهيونية، والدولة العربية الثانية، بعد مصر، التي ترتبط مع كيان العدو باتفاق صلح… تحول إلى قلعة للمقاومة التي هزمته وقدّمت المثال والنموذج على أنّ تحرير الأرض المحتلة في فلسطين والجولان ليس مستحيلاً وإنما هو أمر ممكن وواقعي إن توافرت مقاومة تملك قيادة ثورية ومشروعاً استراتيجياً للتحرير…

إنه الدرس الأساسي والمهمّ الذي أكده لبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني وإجباره على الرحيل عنه بقوة المقاومة الشعبية والمسلحة…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد