آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

رحيل مرسي واستحقاقات التغيير

د. سعيد الشهابي

هذا الغضب له أسباب عديدة من بينها عدم شرعية نظام العسكر المفروض بقوة السلاح بدون تفويض شعبي او دستوري، وتوحشه في معاملة الشعب وقتله آلاف المواطنين عند مسجد رابعة العدوية وخلال السنوات الست اللاحقة، وتعذيبه المعارضين وإعدام العشرات منهم وفرض أحكام الطوارىء بدون انقطاع وقمعه الحريات العامة والتخلي عن أراضي مصر وسيادتها لأنظمة لا تملك سوى المال النفطي كالسعودية والامارات، وتطويع الدستور لكي يلبي رغبات الرئيس العسكري بالاستمرار في الحكم حتى الموت. هذه الاسباب حولت مصر من مركزها الريادي كأكبر دولة عربية ذات حضارة وثروة بشرية ومادية وطبيعية عملاقة، الى بلد يستجدي المعونات من الخارج وتعيش قطاعات كبيرة من شعبه تحت خط الفقر، ولا يمارس نفوذاً حقيقياً إقليمياً يوازي حجمه الطبيعي ودوره التاريخي. فكيف تحول البلد الذي قامت عليه حضارة الفراعنة وحكمه الولاة المسلمون ولعب دوراً في فتوحات إفريقيا وحكمه عمالقة مثل مالك الاشتر وجوهر الصقلي وسيف الدين قطز الى ذيل لولاة عهد متهمين بتقطيع اجساد معارضيهم أو سجنهم بدون اسباب قانونية، أو معتدين على أراضي الغير بدوافع التوسع والاحتلال ومصادرة الحريات ومنع غرس بذور التحول الديمقراطي؟
لا يمكن التطرق لأوضاع مصر التي توفي فيها الرئيس المنتخب محمد مرسي بدون عرض صورة بانورامية للوضع العربي في الحقبة الحالية. فقد شهدت السنوات الثماني التي أعقبت ضرب ثورات الربيع العربي صعوداً سريعاً لقوى الثورة المضادة وتموضعا غير متوقع لأبشع الانظمة العربية لتحتل صدارة المسار العربي على كافة الصعدان: السياسية والاقتصادية والثقافية. فمن كان يتوقع أن تصبح دولة الامارات هي التي تتحكم في مصر أو تحتل اليمن او تسعى لاحتلال ليبيا أو تتدخل لتحديد مسار ثورة السودان؟ من المؤكد أن أياً من المفكرين الاستراتيجيين أو حتى المنجمين لم يتوقع حدوث ما جرى والسقوط المدوي للضمير الانساني بدفع غربي غير مسبوق. فعندما أزيح زين العابدين بن علي وحسني مبارك ثم القذافي وعلي عبد الله صالح عن الحكم، قفزت مشاعر النصر والانجاز إلى اذهان الاجيال التي عانت من عقود الاضطهاد والقمع والتخلف السياسي الذي عم العالم العربي منذ عقود.

خطة الانقضاض على مصر بدأت بتدفق الأموال النفطية من قوى الثورة المضادة وتحريك مجموعات داخلية للتشويش على النظام السياسي واستهداف جماعة الإخوان المسلمين

فقد اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ (بقيادة المرحوم عباسي مدني وعلي بلحاج) الانتخابات البرلمانية وكادت تقود أول حكومة «إسلامية» منتخبة في العالم العربي. ولكن سرعان ما تدخل الجيش وانقلب على التجربة الديمقراطية وأسقطها واعتقل قادة الجبهة. وبذلك دخلت الجزائر حربا «اهلية» حصدت أرواح ما يقرب من 200 ألف إنسان. لم يتوقف الكثيرون عند تلك التجربة. فاذا بها تتكرر في مصر.

بدأت خطة الانقضاض على مصر بتدفق الاموال النفطية من قوى الثورة المضادة وتحريك مجموعات داخلية للتشويش على النظام السياسي واستهداف جماعة الاخوان المسلمين بالتشويه والاتهام وخلق فوضى داخلية لإظهار عدم استقرار الوضع ومن ثم تبرير أي إجراء لاحق للتدخل بدعوى الحفاظ على الامن وحماية مصر من الفوضى واعادة الاستقرار والامن. وأُثيرت الفتن الطائفية والدينية، فتعرض بعض الكنائس للحرق والتدمير، وانتشرت الاغتيالات ومنها قتل الشيخ حسن شحادة وبعض اتباعه للإيحاء بطائفية الإخوان ضد الشيعة. لم يحدث أي من ذلك بشكل عفوي بل كان ضمن مشروع الفوضى الخلاقة التي تجعل التخلص من النظام، بأية طريقة ممكنة، أفضل من الحفاظ على الوضع القائم. وتمت محاصرة الرئيس مرسي اداريا من قبل الدولة العميقة التي تخلصت من حسني مبارك واحتفظت بقدراتها ومناطق نفوذها. وبدت مصر فجأة على حافة انهيار امني وسياسي يتطلب علاجا سريعا. فتم الانقلاب العسكري في نهاية تموز/يوليو 2013 لتبدأ مرحلة تصفية الاخوان المسلمين بدون رحمة. لقد شنت على الجماعة حملة أمنية غير مسبوقة، فاتهموا بمصادرة الآخرين وتمزيق مصر والعمالة لإيران تارة، والتخابر مع قطر او حماس تارة أخرى. وعلى الصعيد الداخلي اتهموا بإقصاء الآخرين وتحولهم الى خطر على الامن الاجتماعي وتهميش دور المرأة والعداء للأقليات الدينية والمذهبية. تم ذلك ضمن مشروع يهدف لأمرين: إنهاء صفحة الثورة الشعبية التي انطلقت في 25 شباط/فبراير 2011 والتخلص من جماعة الاخوان المسلمين ليس من الحكم فحسب بل من مصر كلها.

لقد جلبت هذه القوى العار للأمتين العربية والإسلامية وساهمت في دعم الاحتلال الاسرائيلي وتصدت للشعوب بوحشية غير مسبوقة، ولكنها ستعجز عن اغتيال مشروع التحول الديمقراطي في المنطقة الذي تأخر كثيراً. ولعل وفاة مرسي يصبح ناقوساً يوقظ النيام ويحقق أحلام الشعوب بإنهاء الديكتاتورية والاستبداد في عالمنا المبتلى.

 

<p style="\&quot;text-align:" justify;\"="">جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/06/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد